[ يعد حزب الإصلاح الأكثر حضورا وتماسكا في الساحة اليمنية ]
تتزايد حدة الخطاب العدائي الموجه ضد حزب الإصلاح من قبل مختلف الأطراف الفاعلة وغير الفاعلة في الأزمة اليمنية، بما فيها الأطراف المناهضة للانقلاب، يأتي ذلك رغم أن الحزب يأتي في مقدمة القوى السياسية والاجتماعية اليمنية المناهضة للانقلاب، كما يعد الحزب أبرز وأقوى حليف محلي للتحالف العربي بقيادة السعودية في الحرب على الانقلاب والنفوذ الفارسي في اليمن.
وإذا كان الخطاب العدائي ضد الحزب من قبل تحالف الانقلابيين (المخلوع علي صالح والحوثيين) يمكن تبريره بأن الحزب يعد أقوى حزب سياسي يحارب الانقلاب ويعمل على استعادة الدولة وبناء اليمن الاتحادي، فما هي مبررات الخطاب العدائي للحزب من قبل الأطراف الأخرى التي تقف مع الحزب في خندق واحد في الحرب على الانقلاب؟
- نهج شمولي وإقصائي
يتمثل السبب الرئيسي للخطاب العدائي ضد حزب الإصلاح في أن مختلف الأطراف لم تؤمن بالديمقراطية الحقيقية القائمة على التنوع والتعدد والشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة، ويعكس ذلك النهج الشمولي والإقصائي لهذه الأطراف، التي تريد إقصاء الآخرين من الحياة السياسية، بل وإقصائهم من الحياة برمتها إن أتيح لها ذلك، كما أنها تحاول من خلال خطابها العدائي ضد الحزب تسويق نفسها لدى بعض الحكومات الأجنبية، والتي تناصب الأحزاب الإسلامية العداء.
يضاف إلى ذلك ما يمكن وصفه بـ"الغيرة السياسية"، ذلك أن الشعبية الكبيرة للحزب، وانتشاره في مختلف المدن والقرى اليمنية، وقدرته الفائقة على التنظيم وتحويل منتسبيه إلى فئات فاعلة ونشطة ومميزة في المجتمع، كل ذلك يثير غيرة خصومه السياسيين، الذين لا يستطيعون مضاهاة القدرة التنظيمية للحزب.
ولو أن حزب الإصلاح كان عبارة عن "دكان سياسي" (وهو وصف ينطبق على بعض الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية التي ليس لها أي شعبية تذكر)، لما رأينا ذلك الخطاب العدائي الموجه نحوه من قبل مختلف الأطراف، واتهامه بتهم غير منطقية، ولا يوجد ما يؤكدها في الواقع.
ولو أن حزبًا آخر، سواء كان إسلاميًا أو علمانيًا، بنفس قوة حزب الإصلاح وتوجهاته الوطنية والوحدوية والديمقراطية، لرأينا ذات الخطاب العدائي ضد حزب الإصلاح موجهًا نحوه، لأن أساس المشكلة يكمن في البيئة الإقصائية والغير ديمقراطية، وليس في المسميات الحزبية، وهذا ما ينطبق على الحالة اليمنية وكل العالم العربي.
وهناك أسباب أخرى تزيد من حدة الخطاب العدائي ضد حزب الإصلاح، لكنها تختلف من طرف إلى آخر، ويعود ذلك إلى تعدد مشاريع هذه الأطراف، وبعضها مناقضة للمشروع الوطني الجامع، وترى بأن حزب الإصلاح يعرقل مشاريعها الضيقة، بالإضافة إلى عدم إيمانها بالديمقراطية الحقيقية ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وهو ما سنوضحه في السطور التالية.
- جماعة الحوثيين
تعد جماعة الحوثيين الأكثر تطرفًا في خطابها العدائي ضد حزب الإصلاح، ويعود ذلك لعدة أسباب، لعل أهمها أن الجماعة ترى أن حزب الإصلاح يشكل عقبة كبيرة أمام مشروعها المذهبي والسياسي. فمن جانب، حَمَلت جماعة الحوثيين على عاتقها مهمة الإحياء الزيدي في اليمن، وتطرفت كثيرًا في ذلك، لدرجة أن كبار مؤسسيها تحولوا إلى المذهب الرافضي الإثنى عشري، وهو المذهب الرسمي لدولة إيران. ومن جانب آخر، فالجماعة تسعى إلى استعادة نظام الإمامة، وتعتبر نفسها الأحق بالسلطة في البلاد وفقًا لمعتقدات دينية وخرافات تؤمن بها.
ولهذا، فالجماعة ترى أن حزب الإصلاح يشكل عقبة كبيرة أمام محاولات الإحياء الزيدي، كونه حزب إسلامي سني استطاع التمدد والتجذر بأسلوب ناعم وسلس حتى في أعتى قلاع الزيدية، ونجح في استقطاب عدد كبير من أتباع المذهب الزيدي الذين تحولوا إلى المذهب الشافعي السني وانضموا للحزب، وبرز من بينهم قادة كبار وفاعلون في الحزب.
ويرى الحوثيون بأن استمرار السماح للحزب بالانتشار في المناطق الزيدية قد تكون نتيجته اختفاء المذهب الزيدي تمامًا في المستقبل، كما أن عددًا كبيرًا من منتسبي حزب الإصلاح الذين تركوا المذهب الزيدي منتشرون في مختلف الجبهات، ويقاتلون الحوثيين بحماس.
كما ترى جماعة الحوثيين أن حزب الإصلاح يشكل أكبر عقبة أمام محاولاتها استعادة نظام الإمامة الطائفي والعنصري، خاصة أنه لدى الجماعة معتقدات دينية خرافية مفادها أن الولاية أو السلطة لا تكون إلا في البطنين، أي أحفاد الحسن والحسين، أي أن السلطة بالنسبة للحوثيين تعد حقًا إلٰهيا خاصًا بهم، وأن القتال لأجلها يعد جهادًا في سبيل الله.
يعتقد مؤسسو الجماعة أنهم من أحفاد الحسن والحسين، ويفاخرون بادعائهم النسب النبوي، واتخذوا من ذلك وسيلة للتعالي والتمييز العنصري واستقطاب الجهلة من أبناء القبائل للقتال إلى جانبهم، واعتبار أنفسهم مواطنين من الدرجة الأولى، ولهذا، فالجماعة ترى أن حزب الإصلاح، بعمقه الاجتماعي وتأثيره السياسي والثقافي والفكري، يشكل عقبة كبيرة أمام مشاريعها المتخلفة التي تهدد اليمن ودول الجوار، وأنه لا يمكن لها أن تحقق طموحاتها ومشاريعها الطائفية والسياسية إلا بالقضاء التام أولًا على حزب الإصلاح.
- الأحزاب السياسية
تتفاوت الأحزاب السياسية في حدة خطابها العدائي ضد حزب الإصلاح، ويعد جناح المخلوع علي صالح في حزب المؤتمر الأكثر تطرفًا في خطابه العدائي ضد الحزب، لاعتقاده أن شباب حزب الإصلاح هم من أشعلوا الثورة الشعبية السلمية في فبراير 2011، ضمن ثورات الربيع العربي، والتي نجحت في الإطاحة بالمخلوع علي صالح وعائلته من السلطة.
كما أن المخلوع صالح وعائلته يعتقدون أن النهج النضالي السلمي للحزب باتجاه ترسيخ الديمقراطية، وتوعية الشعب بحقوقه السياسية، وكشف فساد الحزب الحاكم، أو العائلة الحاكمة، بالإضافة إلى القوة التنظيمية للحزب، كل ذلك كفيل بإزاحة المخلوع صالح وعائلته عبر صندوق الاقتراع في حال جرت انتخابات نزيهة.
أما بقية الأحزاب السياسية المختلفة، بما فيها جناح الرئيس هادي في حزب المؤتمر، وأيضًا أحزاب اللقاء المشترك وغيرها، ورغم التفاوت في خطابها العدائي ضد حزب الإصلاح، لكن السبب الرئيسي يكمن في أن هذه الأحزاب لا تؤمن بالثقافة الديمقراطية بعد، وأبرزها كانت نشأتها شمولية وإقصائية، ولم تستطع الفكاك من ثقافة الإقصاء والتهميش التي تربت عليها.
فمثلًا، حزب المؤتمر تأسس في حقبة زمنية شهدت تأسيس أحزاب شمولية حاكمة في الجمهوريات العربية، لم تكن تؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، فتأثر بذلك وتأسس كحزب حاكم شمولي وإقصائي، وهي ذات الحقبة التي تأسس فيها الحزب الاشتراكي كحزب حاكم شمولي وإقصائي في الجنوب.
كما تأثرت الأحزاب القومية والبعثية بالنهج الإقصائي والشمولي والغير ديمقراطي المتمثل في أسلوب جمال عبدالناصر في الحكم بمصر، وأسلوب حزبي البعث في سوريا والعراق، بينما بقية الأحزاب الهامشية فهي أحزاب طائفية وعائلية اندمجت مع جماعة الحوثيين، مثل حزب الحق، وحزب الأمة، وحزب اتحاد القوى الشعبية، وعداؤها لحزب الإصلاح لا تختلف أسبابه عن أسباب عداء جماعة الحوثيين له.
ويمكن القول إن الحزبين السلفيين اللذين تأسسا بعد ثورة 11 فبراير 2011 (حزب الرشاد، وحزب السلم والتنمية) هما الحزبان الوحيدان اللذان لم يناصبا أي حزب العداء في خطابهما السياسي حتى الآن، بما في ذلك حزب الإصلاح، وانصرفا كليًا لمواجهة الانقلاب واستعادة الدولة.
- الحراك الانفصالي
ارتفعت في الآونة الأخيرة حدة الخطاب العدائي لبعض مكونات الحراك الانفصالي الجنوبي ضد حزب الإصلاح، خاصة من قبل المكون أو الفصيل الذي يتزعمه محافظ عدن المقال من منصبه عيدروس الزبيدي، بالإضافة إلى بعض الجماعات السلفية الجنوبية الانفصالية، والتي يتزعم أبرزها هاني بن بريك.
صحيح أن ارتفاع حدة الخطاب العدائي ضد حزب الإصلاح من قبل الانفصاليين يأتي متناغمًا مع الخطاب العدائي لدولة الإمارات ضد الحزب، والتي تعد الداعم والموجه الرئيسي لهذه المكونات، لكن هناك أسباب أخرى تتمثل في اعتقاد هؤلاء أن الثقل السياسي والاجتماعي لحزب الإصلاح في الجنوب يشكل عائقًا كبيرًا أمام مطالب الانفصال، لاسيما أن قضية الوحدة بالنسبة للحزب تعد أبرز قضية وطنية غير قابلة للمساومة مهما كانت مبررات مطالب الانفصال.
- الخلاصة
يتضح مما سبق أن الخطاب العدائي لمختلف الأطراف ضد حزب الإصلاح ليست دوافعه وطنية، وتتلخص أسبابه في تجذر ثقافة الإقصاء والتهميش، وغياب الثقافة الديمقراطية وعدم القبول بها، والغيرة من القوة التنظيمية للحزب، والاعتقاد لدى مختلف الأطراف بأن الحزب يشكل عائقًا أمام المشاريع الطائفية والانفصالية والعائلية والقبلية وتوريث السلطة واحتكارها.
وبناء على ذلك، يمكن القول إن حزب الإصلاح هو الحزب اليمني المدني الوحيد العابر للمناطقية والقبلية والطائفية، ويشكل بقاءه فاعلًا في الحياة السياسية حصانة حقيقية لليمن من التمدد الفارسي ومحاولات نشر المذهب الشيعي في اليمن، والحفاظ على الوحدة الوطنية، وترسيخ ثقافة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، والحد من تغلغل عوامل التخلف في المجتمع اليمني، مثل التعصب القبلي والمناطقي والطائفي، وما تفرزه من آثار مدمرة للنسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية.