[ احتفلت أطراف الحراك في ساحتين مختلفتين ]
على خلاف المعتاد منذ عشر سنوات حين بدأ الحراك الجنوبي المطالب بانفصال جنوب اليمن، في العام 2007، انقسم أنصار الحراك لإحياء فعالية 7/ 7، وهي ذكرى انتصار قوى الشرعية في اليمن في الحرب الأهلية التي اندلعت بين الشطرين عام 1994، وانتهت بانتصار الشرعية، في ساحتين منفصلتين عن بعضهما، في العاصمة المؤقتة عدن.
بين ساحتي العروض التي دعت إليها قوى وفصائل في الحراك، وساحة شارع مدرم بالمعلا التي دعا إليها المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو كيان جنوبي أعلن مؤخرا بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي محافظ عدن المقال، توزع أنصار الحراك، وهو الأمر الذي عده مراقبون استمرارا لحالة الانقسام والتشظي الذي عرف به الحراك منذ انطلاقته.
حياد ودعوة للتوحد
حالة الانقسام بين طرفين في إحياء ذكرى 7/7 بين فصائل الحراك في ساحتين مختلفتين، دفعت مواطنين وهيئات للإحجام عن المشاركة في كلا الساحتين.
كان من أبرز تلك المكونات الجنوبية، الهيئة الشرعية الجنوبية، التي قالت في بيان لها نشره نائب رئيس الهيئة الشيخ مناف الهتاري، إنها تنأى بنفسها عن الخوض في صراعات سياسية لا تخدم الجنوب وقضيته بأي حال من الأحوال، وإنما تهدف إلى خدمة أجندات يعرفها القاصي والداني، حد وصفها.
اقرأ أيضا: ساحتان في عدن.. اختلاف حول الزعامة واتفاق على الانفصال (تغطية)
ودعت الهيئة الجميع إلى نبذ الفرقة، معتبرة كل من يساهم في شق الصف الجنوبي وإضعاف قضيته رغم إدراكه لذلك فهو خائن، وتدعوه إلى ترك ما هو عليه من الدعوة إلى الفتنة وتأجيج الصراع الجنوبي الجنوبي أيا كانت أسبابه ودوافعه.
ونصحت الهيئة في بيانها جماهير الجنوب بالاحتشاد في ساحة واحدة، تؤكد على خيار الاستقلال والتحرير على حد قولها، وهي الدعوة التي لم تلق استجابة من قبل أنصار الحراك الجنوبي، المنقسم بين شارعين، في ظل استقطاب حاد، وسعي حثيث لإثبات الأحقية بالتمثيل.
قوى خارجية
الكاتب والمحلل السياسي فؤاد مسعد يرى أن الحراك الجنوبي لا يزال يحتفظ بقاعدته الشعبية، وهي القاعدة التي يقول مسعد إنها ظلت تتوسع خلال الفترة الماضية.
ويضيف مسعد -في حديثه لـ"الموقع بوست"- أن الأحداث والتطورات الأخيرة ألقت بظلالها على الفعالية الأخيرة.
ويعلل ذلك بأنه نتيجة لارتباط بعض قيادات الحراك بقوى خارجية تدعم جزءًا من الحراك فيما يتعلق بتشكيل المجلس الانتقالي، وهو الكيان الذي يقوده محافظ عدن السابق عيدروس الزُبيدي والذي قوبل بتأييد غالبية أنصار الحراك، بينما رفضت قيادات وفصائل في الحراك نفسه هذا المجلس، وهو الأمر الذي جعل الفعالية تنقسم بين ساحتين، كما يقول.
لا انقسام
الخبير السياسي العميد ركن ثابت حسين صالح قال إن الشارع الجنوبي غير منقسم، وزعم أن هناك محاولات لأطراف في الشرعية اليمنية تصور أن الشارع الجنوبي منقسم لكنها فشلت.
ووصف حسين -في منشور له على فيسبوك تعليقا على التظاهرة التي شهدتها العاصمة المؤقتة عدن يوم الجمعة الماضي- قرار المجلس بنقل التظاهرة إلى شارع مدرم بالقرار الحكيم، وذلك لإفساح المجال لمعارضي المجلس ممن ادعوا أن لديهم شعبية كبيرة ليظهروا حجم أنفسهم.
انعدام للمسؤولية ومقاولين
عبدالكريم السعدي رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية يرى أن فعالية 7/7/2017، بطريقة تحضيرها وما شابها من انقسام، ومن خلال البيانات والكلمات الموجهة، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الجنوب ما زال يفتقد للقيادة التي تعي وتدرك معنى المسؤولية.
ويضيف السعدي "أثبتت معطيات الفعل الجماهيري أن عناء الحشود الجنوبية ما زال لا يُحترم من قبل من يدعون لمثل هذه الحشود".
وأوضح أنه عندما يأتي الناس من كل واد، ليستمعوا لبيانات تكرس الفرقة بين أبناء الجنوب، وليجيبوا دعوة مكونات ما زالت تستعين على تثبيت أقدامها بالاعتماد على الشحن العاطفي، فإن الجنوب ما زال يفتقد القيادة التي تخضع للعقل وتتمرد على سياسات ردود الأفعال.
اقرأ أيضا: مع عودة الزبيدي هل يتجه الوضع في عدن نحو الانفصال؟
وتابع السعدي حديثه تعليقا على حالة الانقسام -في صفحته بموقع فيسبوك- "عندما تجمع أبناء الجنوب في حرّ الصيف لتعلن حظر فصيل منهم بحجة أنه إخوان مسلمين، دون أن تعطي الفرصة للحوار مع هذه الشريحة الجنوبية إن وجدت أساساً، ودون أن تقيم عليها حجة الانتماء هذه، فهذا يعني أن الجنوب، إضافة إلى أنه لا يمتلك قيادة عاقلة، خاضع لمقاولين يعملون لصالح رؤوس أموال سياسية خارج حدود الجنوب".
ومن كل ذلك -يرى السعدي- أن المكونات التي استنزفها صراع الزعامة الداخلية، أثبتت أنها فقيرة إلى العقل السياسي.
استقطاب خارجي
الكاتب والمحلل السياسي الجنوبي عبدالله ناجي علي قال إن المشهد الجنوبي يعاني من الانقسام، أو تباينات في حل القضية الجنوبية العادلة.
ويرى عبدالله أن التباين يعتبر ظاهرة طبيعية إذا استوعب بعقلية التعدد والقبول بالآخر، فمنهج تعدد الرؤى يمثل ظاهرة صحية، لأن احتكار الحلول بفرض حل واحد هو ما سيعيد كارثة الجنوب الشمولية، عندما قضوا على التعدد والتنوع، والنتيجة المأساوية دفع ثمنها شعب الجنوب، وما زال يدفعها حتى اللحظة، على حد قوله.
وعن أسباب الاختلاف يقول عبدالله إن هناك فريق مؤيد للشرعية مدعوم من قبل السعودية، وفريق آخر ضد الشرعية مدعوم من قبل الإمارات.
ويرى عبدالله في هذا الاستقطاب خطورة على المشهد الجنوبي، ويعلل ذلك بالقول إنه يؤدي إلى تقسيم الجبهة الداخلية، ويدعو الجانبين للبحث عن القواسم المشتركة عن طريق الحوار الهادئ والبناء.
تكامل مع الانقلابيين
المحلل السياسي ياسين التميمي يرى أن الاختلاف ليس في وجهات النظر، بين أطراف متحدة في الأهداف، وإنما طبيعة المشاريع المحمولة على موجة الحراك.
ويوضح التميمي -في حديثه لـ"الموقع بوست"- أن التيار المهيمن اليوم في عدن يعبر بوضوح عن الأجندة الإماراتية، والتي تقود الحراك إلى مهمة غير وطنية.
ويعلل ذلك بالقول "لأنها ببساطة تجتزئ الجنوب من مبنى متماسك تمثله المسألة اليمنية في هذه المرحلة".
ويضيف "التحالف العربي تدخل عسكريا في اليمن بطلب من الشرعية، ولتحقيق أهداف واضحة، ولا يمكنه أن يتحول إلى قوة بديلة عن الشرعية، ولا يمكنه تغيير لائحة الأهداف".
اقرأ أيضا: ما مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي بعد إقالة هادي لثلاثة قيادات من أعضائه؟
ويشير التميمي إلى أن الإصرار على انتهاج خط تصادمي مع الشرعية، باسم الحراك والقضية الجنوبية، هدفه إفشال المهمة الأساسية للتحالف، وتحويلها نحو استكمال الثورة المضادة التي هي الجزء الجوهري في أجندة ابو ظبي على وجه التحديد.
ويرى أن أدوات الإمارات وراء هذا التشظي في الكيان الجنوبي، ويستدرك "لكن أيضا المرجعيات الخارجية والداخلية للحراك كانت قد ساهمت في تعدد المنصات والأصوات الحراكية، ولهذا نرى اليوم ساحتين وربما أكثر من ساحة ومنصة".
ويؤكد التميمي أن الحراك اليوم يقف عائقا أمام مهمة دحر الانقلابيين والحيلولة دون تمكن محافظات مثل تعز من إنجاز مهمة التحرير كاملة، ويعلل ذلك بالقول لأنه تعامل منذ اللحظة الأولى على أساس من الوعي الشطري، الذي غيب حقيقة أن أمن الجنوب يقتضي أيضا عمقا آمنا ومستقرا ومتحررا من هيمنة القوى التي استباحت البلاد.
ويختتم التميمي حديثه بالقول إن الحراك يتكامل مع الانقلابيين، ويعضدهم ويقوي فرصهم في التحكم بمصير الدولة مستقبلا.