[ تظاهر أنصار الحراك في ساحتين مختلفتين ]
للمرةِ الأولى منذ انطلاقته في العام 2007، يحتفل أنصار الحراك الجنوبي الانفصالي، بذكرى تأسيس الحراك، والمتزامنة مع ذكرى هزيمة معسكر الانفصاليين في حرب صيف 1994، في ساحتين منفصلتين بالعاصمة المؤقتة عدن، بدلا عن ساحة واحدة، كانت تجمع أنصار فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي، في كل الأعوام العشرة الماضية، بعد أن طفت الانقسامات على السطح، وبات التشظي أمراً بادياً للعيان، في تطورٍ يعكس مدى التعقيد الذي تشهده الساحة الجنوبية.
وتجمهر الآلاف من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي، في شارع الشهيد مدرم بالمعلا، وسط تشديدات أمنية تكفلت بها إدارة الأمن وقوات الحزام الأمني، وقد حضر رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، رفقة نائبه هاني بريك ومجموعة من أعضاء المجلس، لتكون بذلك الفعالية الأولى التي ينظمها المجلس وتحضرها قيادته، وهو ما أزعج فصائل أخرى في الحراك الجنوبي والتي رأت خطوات المجلس الانتقالي بالانتهازية والمرتهنة للخارج، في إشارة للدعم الذي يتلقاه المجلس من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي مقابل ذلك تجمهر المئات من أنصار فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي، والمناوئة للمجلس الانتقالي الجنوبي، في ساحة العروض بخورمكسر، والتي سيطروا عليها قبل ثلاثة أيام من تاريخ الفعالية الشعبية، وذلك حرصاً على ألا تكون ساحةً لتجمهر أنصارِ المجلس الانتقالي، والذي أعلن هو الآخر خضوعه للأمر الواقع، ونقل موقع فعاليته إلى ساحة المعلا.
وقد حضر فعالية ساحة العروض بخورمكسر عدد من رموز وقيادات المقاومة والحراك الجنوبي أبرزهم القيادي في المجلس الأعلى للحراك الجنوبي خالد مسعد، والشيخ القبلي بجاش الأغبري، والقياديان بالمقاومة الجنوبية أبو مشعل الكازمي وفهد مشبق، والقيادي البارز في الحراك الجنوبي الانفصالي صالح أبو الشباب.
وبحسب مراقبين، فإن هذا الانقسام الأول من نوعه، والذي ظهر على السطح، على عكس الانقسامات والخلافات الماضية، جاء بفعل الدعم السخي الذي توليه دولة الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي، والذي رأته فصائل مختلفة في الحراك الجنوبي بأنه ارتهان للخارج وتفريط بالقضية الجنوبية.
في حين يتهم أنصار مجلس الزبيدي الطرف الآخر بشتى أنواع التهم وأقذعها، فهم على حد قولهم عملاء مع شرعية الاحتلال اليمني ويعملون ضد القضية الجنوبية، ووصل الأمر إلى إهدار خطيب ساحة المعلا أحمد رمزو لدماء المعارضين للمجلس الانتقالي، حيث قال بصريح العبارة "دم الجنوبي على الجنوبي حرام إلا من خان"، متبعاً بأن كل من لا يقف إلى جانب عيدروس الزبيدي ومجلسه يعد خائناً للجنوب والقضية الجنوبية.
وعلى عكس لغة التخوين والهجوم الذي بدت عليه منصة المعلا، فقد غلبت على منصة ساحة العروض بخورمكسر، لغة أخرى غلبت عليها لغة التصالح والتسامح ومحاولة التقريب بين الأطراف، فعلى أي حال، فإن الفعاليتين تطالبان بطرد ما أسمته بالاحتلال الشمالي واستعادة الدولة الجنوبية.
واستنكر القيادي بالمقاومة الجنوبية والمعين حديثا نائبا لمدير الأمن العقيد أبو مشعل الكازمي "لغة التخوين والتحريض الذي تبديه الأبواق الإعلامية للمجلس الانتقالي الجنوبي"، مبديا أسفه عن إهدار دماء المعارضين والتي صرح بها خطيب الجمعة في ساحة المعلا.
وأكد بأن القضية الجنوبية ليست حكرا على المجلس الانتقالي الجنوبي، مطالبا اياه بالكف عن ادعاء تمثيل كل الجنوبيين، فهو على حد قول الكازمي والذي ألقى كلمته بمنصة ساحة العروض "لا يرقى لأن يمثل أبناء المحافظات الجنوبية كافة".
وأكد الكازمي بأن أبناء العاصمة المؤقتة عدن هم من حرروا مدينتهم واستعادوها من قبضة ميليشا الانقلابيين، مستنكرا التصريحات الصادرة من بعض القيادات التي تزايد على أبناء عدن وتدعي تحريرها من الانقلابيين.
بيانات الختام
وتتلخص ملامح الانقسام الحاصل، من خلال البيانين الختاميين لفعاليتي المعلا وخورمكسر، فقد توحدت في النقاط المؤكدة على ضرورة استقلال المحافظات الجنوبية، إلا أنها اختلفت في باقي النقاط الأخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد أكدت النقطة السادسة في بيان ساحة العروض على رفض الاملاءات الخارجية والالتزام بما أسمتها بخطوط ثورية جنوبية وطنية واضحة، وأن أي علاقة يجب أن يكون معيارها فقط قائم على الحصول على دعم ومساندة خارجية واضحة تضمن تحقيق فائدة للثورة وفي سبيل تحقيق الهدف النبيل المتمثل بالاستقلال، وأن لا يكون ثمنها إثارة الفتنة أو استهداف جماعة أو منطقة جنوبية، وذلك في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي لم تتوانَ بعض القيادات في الحراك الجنوبي عن التصريح بأنه أداة إماراتية.
وحاول بيان ساحة المعلا التلميح إلى أن المجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي يعد الممثل الشرعي لأبناء المحافظات الجنوبية خارجيا، من خلال دعوته ومخاطبته للدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن، والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية والجامعة العربية وغيرها من التكتلات الدولية.
متناقضات
أما ما يختص بالمتناقضات، فقد كان لبيان ساحة المعلا النصيب الأكبر، فقد أكد البيان على تحمل المجلس الانتقالي الجنوبي لمهام تأمين المحافظات الجنوبية، إلا أنه طالب الحكومة الشرعية بالوقوف أمام واجباتها في توفير الخدمات الأساسية وتحسينها، في تناقض واضح وصريح ويعكس مدى العشوائية التي تغلب على لغة قيادات المجلس، فتارة يعترف بوجود الحكومة الشرعية ويطالبها بالقيام بواجباتها، وتارة أخرى ينفي وجودها على الأرض ويؤكد بأنه صاحب الشأن الأول بالملف الأمني للمحافظات الجنوبية.
وحوى بيان ساحة المعلا، والذي ألقاه رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي، شطحات بلغت حد حظر ما أسماه نشاط الجماعات الإرهابية والمتشددة، والمتمثلة بالإخوان المسلمين، وداعش، وتنظيم القاعدة، وجماعة الحوثي، حيث لفت إلى أن إقدام المجلس الانتقالي على هذه الخطوة يأتي لتأمين المحافظات الجنوبية، والذي وصفه بأنه من أمن الجزيرة العربية والخليج والقرن الأفريقي والعالم ككل، في لغة استعلاء لا يستخدمها إلا رؤساء الدول، فيما لم يحظى المجلس حتى الآن بدعم أي دولة، عدا الدعم الإماراتي، والذي لم تصرح به سلطات أبوظبي حتى اليوم.
وأثارت النقطة التي تحدثت عن حظر التنظيمات المتشددة أصداء واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، فصيغة حظر النشاط جاءت لتقول بأن لدى داعش وتنظيم القاعدة لديهم مكاتب رسمية ويعملون تحت أنظار السلطات، وهو ما يعكس الخلفية الثقافية المتدنية لدى رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي والقادم من خلفية عسكرية.