[ ولد الشيخ أحمد المبعوث الأممي إلى اليمن ]
مجددا يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، جهوده في محاولة للإمساك بطرف خيط، للخروج بحل للأزمة اليمنية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين.
تحدث ولد الشيخ هذه المرة عن إجرائه مباحثات في قصر الإليزيه بباريس مع العديد من المسؤولين الفرنسيين، حول مبادرات جديدة للمضي قدما في عملية السلام، وحل الأزمة اليمنية.
لم تتضح بعد الخطوط العريضة لتلك المباحثات، وما الجديد الذي ستقدمه، ليمكن القول إنها ستفضي إلى حل جذري للأزمة في البلاد.
جاءت تلك التحركات عقب اجتماعات مكثفة، قام بها المسؤولون الألمان مع عدد من المسؤولين اليمنيين والانقلابيين، في مايو/أيار الماضي، في إطار مساعيهم للتوصل إلى حل سلمي وإيقاف الحرب في اليمن.
حسابات الربح والخسارة
لم تتغير المعادلة كثيرا على الأرض خلال العام 2017، ويمكن القول إنها توقفت عند حدود معينة، نتيجة لأسباب كثيرة غير واضحة يتعلق بعضها بإرادة المجتمع الدولي، الذي يسعى لجعل الحوثيين شركاء في الحكم في اليمن.
لكن بالنظر إلى حجم الخسائر التي تعرض لها الانقلابيون فهي كبيرة، فقد فقدوا عشرات من قادتهم العقائديين بالإضافة إلى عديد من قادة الجيش الموالي للمخلوع صالح.
القوة الصاروخية التي يراهن عليها الحوثيون وشكلت قلقا لدى المملكة العربية السعودية، فقدت هي أيضا تأثيرها بشكل كبير، ولم تعد ورقة ضغط كبيرة كالسابق بحيث يمكن أن تشكل فرقا في أي معادلة، وقد لوحظ ندرة استخدام الانقلابيين لها خلال العام الحالي.
أثر وبشكل كبير تفوق التحالف العربي في تكنولوجيا السلاح على تغيير موازين القوى لصالحهم، لكن استمرار تهريب السلاح إليهم يجعلهم يستعيدون قوتهم الصاروخية ويجعلونها ورقة قوية في أي عملية تفاوض قادمة.
قوات الانقلابيين الحوثيين ما زالت تسيطر على مناطق كبيرة على الحدود السعودية بموازاة نجران، وهذا يشكل تهيدا حقيقيا على المملكة، لكن في المقابل الجيش الوطني يقترب من صنعاء بدعم كبير من قوات الإمارات المرابطة هناك، صحيح أنه تقدم بطيء لكنه له ما بعده، وبتواجد نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر في مأرب مع وجود تسريبات من مصادر متطابقة في التحالف والشرعية، تفيد أنه لا يوجد خط أحمر لدخول العاصمة صنعاء، فهذا يغير المعادلة إن حصل لصالح الشرعية والتحالف في أي مفاوضات قادمة.
تحرك ورسائل جديدة
طوال جولات المشاورات الماضية، كانت مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية ترفض وبشدة الامتثال للمرجعيات الثلاث والمتمثلة بمخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، وقرار مجلس الأمن 2216.
وتعمل مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية على التحرك في مختلِف الأروقة السياسية لكسب تأييد مواقف تلك الدول، منها ألمانيا وروسيا والصين.
كما سلمت الحكومة التابعة للانقلابيين علي عبدالله صالح، خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، ثلاث رسائل لمسؤولين في الأمم المتحدة، تدعو فيها إلى السلام في اليمن.
خاطبت تلك الرسائل الأمم المتحدة بصفة الانقلابيين الجهة الوحيدة المعترف بها والمخولة بتمثيل اليمن، وتضمنت التأكيد على الحق السيادي للجمهورية اليمنية في الدفاع والحفاظ على سيادة وسلامة أراضيها وجزرها.
وأكدت -بحسب ما ذكرت وكالة "سبأ" التابعة للانقلابيين- أن اليمن في الوقت الذي تدافع فيه عن أراضيها تمد يد السلام"، مشيرة إلى أن ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، و"حكومة الإنقاذ" دعيا أكثر من مرة لإجراء مفاوضات يمنية-سعودية بالتوازي مع مفاوضات يمنية-يمنية للوصول إلى تسوية سياسية سليمة وشاملة.
يبدو أن الانقلابيين شعروا بعدم جدوى استمرار الحرب التي يستمر فيها استنزافهم، وهم يرغبون بالتوصل إلى حل سلمي يتناسب مع وجهة نظرهم ولا يستثنيهم، ويأمنون فيه في ذات الوقت من هجمات التحالف.
كسر الجمود
في الوقت الذي يقدم فيه الانقلابيون رؤى للحل، ويوضحون وجهة نظرهم، تقوقعت الحكومة اليمنية مؤخرا في مربع الجمود، دون أن تُبادر باقتراح حلول للخروج من النفق المظلم الذي يضاعف من معاناة اليمنيين بشكل كبير.
كسر حالة الجمود تلك بحاجة كذلك إلى التحرك العسكري على الأرض، وقلب الموازيين لصالح الحكومة والتحالف العربي.
الهدوء الذي يسبق العاصفة
تمسك الحكومة اليمنية بالمرجعيات الثلاث فقط، دون التحرك على أرض الواقع لن يكون كافيا، في ظل استمرار الوضع على ما هو عليه عسكريا.
فرغم نجاح محاولات المجتمع الدولي لتحييد الحديدة ومينائها، هناك بوادر -ظهرت مؤخرا- تؤكد اعتزام الحكومة اليمنية على التقدم صوب صنعاء وكسر طوق العاصمة، بتقدمها من مأرب والجوف ونهم.
ولو صحت تلك التوقعات فهذا سيؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن السعودية لا يمكن أن تثق بالحوثيين المدعومين إيرانيا باعتبارهم يشكلون خطرا يهددها، ولا بالمخلوع صالح الذي ترغب بتصفية حسابها معه، بعد أن طالت صواريخه أراضيها طوال أكثر من عامين، برغم أن أنظار حليفي الانقلاب (الحوثي-صالح) ما زالت تتجه صوب الرياض الفاعل الرئيسي في الملف اليمني.
مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن لن يقدم أي حلول فاعلة طالما لم ينظر بواقعية إلى الاختلافات في وجهات النظر بين الحكومة والانقلابيين، وسيكون احتمال أن تثمر جهوده كبيرة هذه المرة، خاصة أن فرنسا تعاملت باتزان مع الأزمة الحالية، ولم تبدِ أي انحياز.
إذا ما توازت جهود ولد الشيخ مع التحرك الفعلي على الأرض للشرعية المسنودة من التحالف، يمكن القول إن جهود المبعوث الأممي ستثمر، وسيكون بمقدور الحكومة أن تُملي شروطها على الطاولة باعتبارها الطرف الأقوى، ليتوقف بذلك نزيف الدم اليمني، أما بقاء الوضع على ما هو عليه فلن يُفضي إلى أي حلول.
يُذكر أن مشاورات السلام اليمنية التي تتم برعاية الأمم المتحدة، توقفت بعد إعلان فشل مشاورات الكويت في أغسطس/آب 2016.