[ حذرت عدة منظمات دولية من خطورة العبث الذي يطال التعليم في اليمن دون جدوى ]
عامان ونصف من الحرب المستمرة في اليمن، ربما ليست بالفترة القصيرة، في حرب مفتوحة على أكثر من جبهة، وفي أكثر من محافظة ومدينة ومنطقة.
بلا شك أن لها خسائر باهضة وخصوصا لدى أطراف الحرب، وعلى رأس هذه الأطراف مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، التي تؤكد كثير من المؤشرات والدلائل بأن الخسائر البشرية كبيرة بالنسبة لها، وعلى كل المستويات.
ولعل من هذه المؤشرات والدلائل، افتتاح المقابر الواسعة والمستمرة في أكثر من محافظة ومدينة وجبل.
المساحات الواسعة لهذه القبور، تدل بأن عددا كبيرا من الشباب الذين تم الزج بهم في الحرب، يتحولون إلى وقود في حرب ليسوا طرفا فيها ولا ناقة لهم فيها ولا جمل.
هذا النزيف المستمر، دفع مؤخرا بالحوثي نحو التوجه إلى التجنيد الإجباري، وعلى أكثر من مستوى، فهناك تجنيد على مستوى القبيلة، وعلى مستوى المؤسسة الحكومية، وعلى مستوى المدرسة، وهذه هي نقطة الألم الحقيقية.
تجنيد طلاب المدارس
سكان محليون في صنعاء -تحدثوا لـ"الموقع بوست"- وأكدوا أنهم في المرحلة الأخيرة تفاجؤوا بقيام عقال حارات بالتوجه نحو المدارس، وطرح فكرة التجنيد أمام الطلاب أثناء الطابور الصباحي بعد إلقاء محاضرات وخطب بأن البلد يتعرض للغزو من قبل العدو، وأن كثير من الناس يجاهدون في الدفاع عنه من العدوان ومن دول العدوان.
الطالب "ش. ز. ر" في مدرسة الرحمة الواقعة في حي السنينة بالعاصمة صنعاء، قال لـ"الموقع بوست" إن عاقل الحارة (موظف غير رسمي) زار مدرستهم أكثر من مرة، واقترح فكرة التجنيد، ووافق كثير من الطلاب خاصة صغار السن الذين لا يدركون خطورة ذلك، فتركوا مدارسهم واتجهوا نحو الجبهات التي يتمركز فيها الحوثيون.
وتابع الطالب حديثه "بعد موافقة بعض الطلاب جاء اليوم الثاني العاقل، وأخذوا الطلاب فوق سيارات هيلوكس وودع الطلاب أصحابهم في المدرسة كما لو أنه الوداع الأخير".
وعما إذا كان أولياء الأمور وافقوا على هذه الخطوة، أوضح الطالب أن أولياء الأمور بعضهم غير موجودين، وبعض الطلاب يتامى وليس لهم أب، وبعضهم ممن لا يأبهون، أو ممن يحشدون ويشتغلون مع الحوثي، وقد يكون البعض رافضا، ولكن الطالب قرر الذهاب دون موافقة والده وبدون معرفته.
هذه النقطة تحديدا طرحها "الموقع بوست" على أحد المعلمين في المدرسة لمعرفة دور الإدارة إزاء الخطوة والمسؤولية التي تتحملها، فأكد بأن "إدارة المدرسة لا يمكن لها أن تعارض أي خطوة يقوم بها الحوثيون، خصوصا وأنهم طرحوا فكرة التجنيد كمقترح، ولمن أراد أن يجاهد، ومن أراد فليذهب، ولكن لم يحصل أن تمت العملية بالإكراه والفرض على الطلاب".
لكن هذا المعلم، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لا يرى بأن هذا الأسلوب سهلا وعفويا، وإنما أمر يستهدف الشباب وطلاب العلم، وهي جريمة بحق التعليم وبحق المجتمع، حتى وإن لم تتم إجبارا وبالقوة فهي إجبار -من وجهة نظره- وبغلاف العفوية، حسب تعبيره.
ربما تركيز الحوثيين على المدارس ليس أمرا غريبا أو مخفيا، فما حصل من مواقف متكررة وفي إطار أكثر من مدرسة، رفض فيها الطلاب ترديد شعاراتهم أو السماع لمقترحاتهم، دليل واضح على ذلك في صنعاء وذمار ومحافظات أخرى.
من هم عقال الحارات؟
وتتلخص وظيفة عقال الحارات بإدارة شؤون الأحياء السكنية داخل المدن، بعد تقسيمها إلى مربعات معينة، بحيث يتولى كل عاقل حارة مهمة الإشراف والمتابعة على القطاع السكاني والجغرافي الذي يخضع لإشرافه.
وهي وظيفة غير رسمية في القانون اليمني، الذي لم يحدد اختصاصها بشكل واضح، ووردت في معظم القوانين اليمنية كوظيفة تعريف بالمواطنين، خاصة في قانون الأحوال المدنية، وبعض القوانين المتصلة بعمل الشرطة والمحاكم.
وبرزت وظيفة عاقل الحارة بشكل كبير أثناء العمليات الانتخابية السابقة التي شهدتها البلاد، إذ أدى هؤلاء دورا كبيرا لصالح حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي حكم اليمن برئاسة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح لأكثر من ثلاثة عقود، وهو الحزب الذي ينتمي إليه أغلب عقال الحارات.
وتتلخص مهمة عاقل الحارة في التعريف بالمواطنين أمام الجهات الحكومية، ويغلب على وظيفته الجانب الأمني، وأغلبهم يتم منحهم مبالغ مالية من الدولة، أو رواتب عسكرية في الأجهزة الأمنية المختلفة.
وطبقا للتقسيم الإداري، فكل مديرية يتم توزيعها إلى حارات، وعلى رأس كل حارة هناك عاقل لها.
وتضم العاصمة صنعاء التي تعد معقل حكم الحوثيين (9) مديريات، ويبلغ عدد حاراتها (598) حارة تتوزع على النحو التالي، وفقا لموقع ويكيبيديا:
مديرية معين وفيها (78) حارة.
مديرية آزال وتضم (25) حارة.
مديرية التحرير وفيها (32) حارة.
مديرية الثورة وفيها (43) حارة.
مديرية السبعين وفيها (69) حارة.
مديرية شعوب وفيها (99) حارة.
مديرية الصافية وفيها (20) حارة.
مديرية صنعاء القديمة وفيها (69) حارة.
مديرية الوحدة وفيها (30) حارة.
مديرية بني الحارث وفيها (133) حارة.
العودة إلى الأحياء
قليلون هم الذين يوافقون على مسألة التجنيد والعرض والطلب التي يقدمها عقال الحارات للسكان، خصوصا في تلك الأحياء الفقيرة التي يتواجد فيها مواطنون يعانون من الأوضاع معيشية صعبة.
هذه الصعوبات -طبقا لأحد السكان- دفعت بعاقل الحارة لأحد الأحياء إلى التلويح والتهديد بنظام "القرعة"، أي أنهم سيقومون بإجراء قرعة بين السكان وبين المنازل، والذي تكون القرعة من نصيبه فسيدفع بأبنائه إلى جبهات القتال تحت ذريعة الدفاع عن الوطن، حسب حديث الرجل.
عقال الحارات في صنعاء -طبقا لمعلومات حصل عليها "الموقع بوست"- والذين يسعون إلى تجنيد الشباب والأطفال من المدارس والأحياء، لاقوا استجابة نوعا ما في صفوف طلاب المدارس بحكم عدم إدراك الطلاب للمخاطر، ولكن في الأحياء السكنية يواجهون صعوبات.
هذه الخطوة أثارت قلق كثير من السكان وكثير من الشباب الذين رفضوا قبول مثل هكذا طرح، وقالوا إنهم لن يتعاملوا معه مهما كلفهم الأمر من ثمن، حسب المعلومات التي حصل عليها "الموقع بوست".
تراجع التجنيد على مستوى القبيلة
وتفيد معلومات لـ"الموقع بوست" بأن التجنيد على مستوى القبيلة تراجع كثيرا بعد الخسائر التي تعرضت لها الجماعة في جبهات الحرب، خصوصا في جبهات تعز والحدود.
وتحدثت تقارير منظمات ومراكز رصد عن مقتل ما يقارب 23 ثلاثة وعشرون ألف من جماعة الحوثي وصالح خلال عام 2015 فقط في حرب تعز وبقية المحافظات اليمنية، وكان النصيب الأكبر من هذه الخسائر في محافظة تعز.
وحسب معلومات، فان هذا الأمر دفع أبناء القبائل إلى مراجعة حساباتهم، وبدؤوا يتراجعون عن الزج بأبنائهم إلى الجبهات، ما دفع الحوثيين بتكليف عقال الحارات بفتح باب التجنيد من الحارات والمدارس والمساجد أيضا.
وتفيد مصادر محلية بأن هناك تذمر واستياء على مستوى القبيلة، بعد أن أصبحت مئات الأسر يتيمة وبدون عائل، بل إن بعض الأسر ذهب منها أكثر من شخص في حرب المليشيا التي تقودها بدون مبالاة ولا إدراك.
مهام جديدة
مؤخرا قام الحوثيون بعدة تغييرات وتعيينات في مؤسسات الدولة وفي كافة القطاعات، وعقال الحارات كانوا أحد القطاعات المجتمعية التي قامت المليشيا بتغيير كثير منهم، خصوصا الذين لم يتفاعلوا معهم ومع مشروعهم، أو ممن شككوا بانتمائهم السياسي.
وطبقا لسكان محليين، وطبقا لمؤشرات الواقع، فمن بين هذه المهام "الحشد إذا ما كان هناك مسيرات أو تظاهرات ينظمها الحوثي أو المؤتمر الشعبي العام، وكثيرة هي المهمات التي لا تحصى ولا تعد ربما".
يقول أحمد محمد (اسم مستعار لأحد سكان حي الدائري حرصا على سلامة حياته) لـ"الموقع بوست" إن "عقال الحارات أصبحوا يراقبون السكان، ويراقبون الداخلين والخارجين إلى الحارات والمنازل، وهي وظيفة يقومون بها إلى جانب مهمتهم في حشد الناس والتجنيد الإجباري".
رقابة غريبة
"الموقع بوست"، وفي حديثه مع بعض السكان، أكدوا أن هذا السلوك وهذه الإجراءات التي تفرض وصلت إلى درجة لم يكن يتصورها أحد.
يقول أمين أحمد (أحد سكان حي الرباط) إن "عاقل الحارة أحيانا أو أشخاص حوثيون يسألون صاحب البقالة أو السوبر ماركت عن اسم الشخص الذي إذا لاحظوه يشتري ماءا كثيرا منه ثلاثة أو أربعة كراتين على سبيل المثال".
هذا التصرف الغريب يفسره الرجل من خلال متابعته ومعايشته للواقع، بقوله إن "الحوثيين عندهم هواجس ومخاوف من أن تكون اجتماعات ضدهم تعقد أو جلسات نقاش أو من هذا القبيل".
نقطة أخرى يشير إليها الرجل بالقول "هناك من يعمل مع الحوثي ويريد منه مصلحة، ويريد أن يكون عاقلا لحارة وحي ما، فيقوم بإبلاغ قيادة الحوثيين بأن العاقل فلان إصلاحي أو لا يعمل معكم وهكذا، فتقوم الجماعة بإبعاد الشخص الأول وتعيين الشخص ذاك، وهذ قد حصل بالفعل"، طبقا لحديث الرجل.
سلوك مزعج هذا الذي يتم، وصار يضيق بالأهالي يوما بعد آخر، وصار يولد كرها كبيرا لهذه الجماعة التي تفقد شعبيتها وتفقد قيمتها مجتمعيا، حتى على مستوى أنصارها، وإذا ما سألت أحدا في صنعاء، فسيقول لك الجميع تقريبا صار يكرههم ولا يطيقهم.
اهتمام المليشيا
تركيز مليشيا الحوثي على عقال الحارات، وتكليفهم بمثل تلك مهام، يظهر واضحا من خلال اجتماع لجنة الأحياء والعقال بأمانة العاصمة، الذي تم في الــ23 من أبريل الماضي برئاسة رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل بالمجلس المحلي لأمانة العاصمة حمود النقيب، ونقلت وكالة "سبأ" الخاضعة لسيطرة المليشيات بصنعاء بأن الاجتماع ناقش عددا من الموضوعات المتصلة بعمل ونشاط عقال الحارات بالمديريات في ترسيخ الأمن والاستقرار وتحسين الخدمات.
واستعرض الاجتماع -بحضور وكيل أمانة العاصمة لقطاع الوحدات الإدارية علي القفري والوكيل المساعد عبدالله محرم- الإجراءات الكفيلة بحل كافة المشاكل التي تواجهها الأحياء في مديريات العاصمة صنعاء العشر، وكذا ما يخص اعتماد عقال الحارات بصورة رسمية، وبما يضمن عدم اعتماد أكثر من عاقل للحارة الواحدة أو المديرية.
وتفيد معلومات بأن هناك توجها من قبل الحوثيين لتنشيط عقال الحارات المحسوبين على المؤتمر الشعبي العام، وربما لهذا الأمر علاقة بمنظومة الصراع المتطور بين الطرفين وكسب وحشد ولاءات كلٌّ في مواجهة الآخر.