[ معاناة النازحين اليمنيين ]
للمرة الثانية تطالب الحكومة اليمنية بتغيير المسؤولين الأمميين الذين يعملون في البلاد، وذلك بسبب عدم حيادهم، وانحيازهم للانقلابيين، وتبرير جرائمهم، في التقارير الحقوقية والإنسانية الصادرة عنهم.
في يناير 2016، طالبت الحكومة الشرعية بتغيير مدير مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في اليمن جورج أبو الزلف، وطلبت منه مغادرة البلاد، برغم عدولها عن ذلك فيما بعد، لافتقاره للمهنية، وهو الأمر الذي تكرر مع استمرار تلك المنظمات بالعمل بذلك النهج، مما أجبر الحكومة إلى مطالبتها ثانية في أبريل الجاري، بتغيير ممثل الأمم المتحدة المُقيم في البلاد جيمي ماكغولدريك.
تجاهل جرائم الانقلابيين
طوال سنتين من الحرب ارتكب حليفا الانقلاب (الحوثي/صالح) عديد من الجرائم بحق اليمنيين، تنوعت بين القتل، والاختطاف القسري لمناوئيهم، والتعذيب في السجون، والتهجير، واستهداف المدنيين في مختلف المحافظات وأبرزها تعز، التي خلف القصف العشوائي فيها أكثر من أربعة عشر ألف ضحية أغلبهم من الأبرياء.
ومع ذلك فالمُتابع للتقارير الصادرة عن المنظمات التابعة للأمم المتحدة، يلاحظ كما كبيرا من بيانات الإدانة الصادرة عن تلك الجهات الدولية التي أصبحت تخضع لسياسات الدول الممولة لها، والتي تنتقد وبشدة أي انتهاكات يرتكبها التحالف العربي، بينما تغض الطرف عن جرائم الانقلابيين.
إضافة إلى ذلك، يُلاحظ أيضا توجه المسؤولين الأمميين إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة الانقلابيين برغم خطورة بعضها لمعُاينة الأوضاع الإنسانية، ويتحججون بصعوبة وصولهم إلى المناطق المحررة أو التي تعاني من انتهاكات كثيرة قام بها الحوثيون بحق المدنيين، برغم تعهد الحكومة اليمنية بتوفير الحماية لهم.
أسباب الانحياز
كما هو معلوم فإن الأمم المتحدة أصبحت تفتقر للمهنية، نظرا لخضوعها لسياسيات الدول الكبرى أبرز الداعمين لها، ولهذا فإن القرارات الصادرة عنها لم تكن حيادية وانحازت بشكل أو بآخر للانقلابيين، ويأتي ذلك في إطار دعمها للقوى الطائفية في المنطقة والتي من شأنها أن تعمل على تفتيت الدول.
لكن إلى جانب ذلك فإن سيطرة الانقلابيين على مختلف منظمات المجتمع المدني في البلاد، جعل تلك الجهات الدولية تستقي معلوماتها من مندوبيها ومن المنظمات الخاضعة للحوثيين، دون الرجوع إلى تقارير المؤسسات التي تعمل في المناطق المحررة وتحت سلطة الشرعية.
وتعدُّ خطوة الحكومة اليمنية الأخيرة التي حثت فيها المنظمات الدولية على نقل مكاتبها إلى العاصمة المؤقتة عدن، خطوة في الاتجاه الصحيح برغم المعوقات التي ما تزال تعترض ذلك، نتيجة لغياب الإرادة الدولية.
وفي الوقت الذي تتحرك فيه عديد من اللوبيهات التابعة للانقلابيين، وإيران المساندة لهم في مختلف المحافل الدولية المعنية بحقوق الإنسان إدراكا منهم لما يمثله هذا الملف، تكاد الجهات الحكومية اليمنية المسؤولة عن هذا الجانب، تقترب من الفشل في هذا المربع نتيجة لإهمالها لهذا الأمر وتقصيرها، وعدم قيامها بالدور المطلوب منها كما ينبغي، بتفعيلها لأدواتها لحشد الدعم للحكومة الذي سيتأتى من هذا الجانب، خاصة أن انتهاكات الانقلابيين تعد أكثرها جرائم حرب، يعاقب عليها القانون الدولي.
أهداف تسييس ملف حقوق الإنسان
تهدف المنظمات الدولية من تسييسها لملف حقوق الإنسان، إلى الضغط على الحكومة اليمنية والتحالف العربي الداعم للشرعية، والذي بدأ عملياته العسكرية بانطلاق عملية عاصفة الحزم في السادس والعشرين من مارس 2015.
فتؤثر تلك الضغوط على تأخير استعادة الحكومة اليمنية المسنودة من التحالف العربي، لعديد من المحافظات المهمة لموقعها الجيوسياسي وأهميتها الإستراتيجية كالحديدة التي يوجد بها ثاني أكبر ميناء في البلاد، والعاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الانقلابيين.
كما أنها تشكل وسيلة ضغط على المملكة العربية السعودية، فيتم التدقيق وبشدة في صفقات السلاح التي تشتريها من مختلف الدول والمطالبة في بعض الأحايين بإيقافها، بحُجة أنها تستخدمها لقتل المدنيين في اليمن، وذلك نتيجة التضليل الذي يظهر وبوضوح في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية.
في المقابل تعمل السعودية في مختلف المحافل الدولية على امتصاص تلك الضغوط، بتفعيلها لأدوات الدبلوماسية الناعمة، وتطوير علاقاتها مع الدول الكبرى الفاعلة ومختلف اللاعبيين.
الحديدة أنموذجا
في التقرير الأخير الصادر عن مجموعة "الأزمات الدولية"، طالبت فيه بإيقاف تحرير محافظة الحديدة ومينائها، بحجة أن ذلك سيزيد الوضع الإنساني سوءا في البلاد، في الوقت الذي تستعد القوات الشرعية المسنودة من التحالف العربي لاستعادة المدينة، كان ذلك أنموذجا للتسييس المتعمد لملف حقوق الإنسان.
وهو الأمر الذي أعقبه مطالبة الحكومة اليمنية بتغيير ممثل الأمم المتحدة المقيم في اليمن جيمي ماكغولدريك، الذي يعارض وبشدة تحرير محافظة الحديدة الإستراتيجية التي تمتلك أطول شريط ساحلي في البلاد، وكان مصدر الانقلابيين الأول لتدفق الأسلحة الإيرانية إليهم، فضلا عن رفضه إغلاق الميناء بحجة تضرر الجانب الإنساني، برغم أن الحكومة تعمل على تأهيل موانئ أخرى للقيام بذات المهمة.
وفي خطاب الحكومة الذي قدمته للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قالت -وفق ما ذكر ممثل اليمن الدائم في مجلس الأمن الدولي خالد اليماني- إن الممثل المقيم يعمل ضد اليمن ومصالحها، مع تصوير الوضع أنه في مجاعة، وهو مغاير عما يحدث على أرض الواقع.
في حين ذكر أن الحكومة أبلغت غوتيريش أن الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين ومنها تهامة، تعيش أوضاعا معيشية صعبة، وهو ما جعل تحرير الحديدة أمرا ضروريا لإنقاذ ميناء الحديدة، وفك الحصار المفروض على إقليم تهامة من قِبل الحوثيين.
وكان وزير الإدارة المحلية عبدالرقيب فتح هاجم منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، واتهمه بالتدخل في تحديد اتجاهات المعارك العسكرية، مؤكداً أن ذلك يتعارض مع مهماته ومع الاتفاقبات الدولية التي تنص على خضوع كل محافظات اليمن ومطاراته وموانئه للحكومة الشرعية، وفق ما ذكرت وكالة "سبأ" التابعة للشرعية.
كثيرا ما وجهت الحكومة اليمنية أصابع الاتهام للانقلابيين لتسببهم في تدني المستوى الاقتصادي للحديدة الخاضعة لسيطرتهم، ولاحتجازهم سفن الإغاثة التي ساهمت المملكة العربية السعودية لوحدها فيها بمبلغ مليار وسبعمائة مليون دولار.
ولا يزال الانقلابيون يلعبون في مربع حقوق الإنسان، فقاموا باستجداء الروس من أجل إيقاف تحرير الحديدة، مستغلين ذلك الملف، وهو الأمر الذي تعمل السعودية بعلاقاتها الواسعة على امتصاصه، برغم تحرك موسكو في مجلس الأمن من أجل ذلك في مارس الفائت، متذرعة بتفاقم تضرر الوضع الإنساني.