[ تتعدد فصائل الحراك في جنوب اليمن ]
- "إيران تدعمنا لتحرير الجنوب ونحن سنكون أوفياء ولن نتخلى عمن يدعمنا"، سبتمبر 2014.
- "على الأخوة في التحالف العربي مساندة المقاومة الجنوبية في مواجهة التحديات القادمة من قبل المليشيات الحوثية وقوات صالح التي تتخذ عدة أشكال مباشرة وغير مباشرة"، نوفمبر 2015.
عام لا أكثر يفصل التصريحين للقيادي البارز في الحراك الجنوبي والمقاومة محافظ عدن الحالي، اللواء عيدروس الزبيدي، ويكشفان عن التحول الكبير في مواقف الحراك الجنوبي في اليمن من المشروع الإيراني.
بخلاف الموقف الشعبي في المحافظات الجنوبية الرافض للمد الفارسي والانقلاب على الشرعية، والمساند للتحالف العربي لدعم الشرعية الذي تبدى في انخراط معظم المواطنين في صفوف المقاومة ضد عدوان مليشيا الحوثي وقوات المخلوع صالح على المحافظات الجنوبية والذي تكلل بتحرير الجزء الأكبر منها، فقد تباينت مواقف فصائل الحراك الجنوبي خصوصا بين المقاومة والحياد والوقوف مع الانقلابيين.
مواقف متباينة
بحسب كثير من المراقبين للشأن الجنوبي، فإن حرب مليشيا الحوثي والمخلوع صالح على المحافظات الجنوبية مثلت نقطة تحول جوهرية في مواقف الحراك الجنوبي من المشروع الإيراني.
ويرى المراقبون أن الأغلبية العظمى من فصائل الحراك انخرطت في صفوف المقاومة، وتصدرتها في مواطن كثيرة، وكان من أبرز تلك الفصائل الفصيل المسلح في الحراك الجنوبي (المقاومة الجنوبية) التي يقودها عيدروس الزبيدي محافظ عدن حاليا، والتي كانت على صلة واضحة بإيران.
وعلى النقيض، كان لفصائل أخرى، خصوصا التي اشتركت في مؤتمر الحوار الوطني (مؤتمر شعب الجنوب تحديدا) الذي انقسم على نفسه قبل الانقلاب، عقب انسحاب رئيسه محمد علي أحمد من مؤتمر الحوار الوطني، في حين استمر آخرون من ذات الفصيل في مؤتمر الحوار، ويعد اللواء خالد بارس، نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني عن الحراك الجنوبي، والوزير في حكومة الانقلابيين غالب مطلق، من أبرز قيادات هذا التيار، والذي أعلن بكل صراحة وقوفه مع مليشيا الحوثي الانقلابية، ويصف ما يجري بالعدوان.
فريق آخر من الحراك الجنوبي التزم الصمت أثناء الحرب، ومؤخرا أعلن عن مواقفه، ويأتي مجلس الحراك الثوري الذي يقوده حسن باعوم في طليعة هذا التيار، فهو يرى أن الحرب هي بين الشرعية والتحالف العربي من جهة، وقوى شمال اليمن من جهة ثانية، كما ورد في عدد من البيانات الصادرة عنه.
ثلاثة اتجاهات سياسية
يرى أحد المراقبين -فضل عدم ذكر اسمه- أن المشروع الإيراني عقب هزيمته عسكريا في جنوب اليمن، أخذ منحى آخر يرى فيه أملا للعودة، متخذا من السياسة بابا للعودة هذه المرة.
وأشار -في حديثه لـ"الموقع بوست"- إلى أن المشروع الإيراني يحاول العودة إلى الجنوب بالفعل من باب السياسة عبر ثلاثة اتجاهات، تتمثل بالدفع برموز قيادية في الحراك موالية لإيران لتولي زمام السلطة في المحافظات الجنوبية، مع إظهارها الولاء للشرعية، وتأييدها للتحالف العربي.
أما الاتجاه الثاني، فهو الاتجاه لتصفية واغتيال القيادات الجنوبية المؤثرة والمعروفة بعدائها الشديد للمشروع الايراني، وتصدرها صفوف المقاومة، وبحسب المراقب فإن تتبع سير هذه العمليات يكشف عن ذلك بوضوح.
وتابع بالقول "الاتجاه الثالث للمشروع الإيراني العمل على تأجيج الشارع، وإثارة الرأي العام الجنوبي ضد الشرعية والتحالف العربي، باستغلال بعض الإخفاقات، التي حدثت بعد فترة التحرير، وأهمها الفشل في توفير الخدمات الأساسية".
حراك جديد
مؤخرا أعادت فصائل من الحراك الجنوبي تفعيل نشاطها، ولوحظ الاتجاه المباشر في خطابها السياسي نحو الهجوم الحاد على الشرعية ودول التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وبرزت دعوات للتصدي لهما باعتبار ذلك يستهدف القضية الجنوبية.
أواخر الشهر الفائت، عقد مجلس الحراك الثوري الذي يقوده القيادي في الحراك الجنوبي حسن باعوم، مؤتمراته المحلية في محافظتي حضرموت ولحج، وكان لافتا توصيف البيانات الصادرة عنها اعتبار الحرب الدائرة حرب بين قوى الشمال وقوى التحالف، وما يسمى "حكومة الشرعية" من جهة أخرى -بحسب توصيف البيانات- والتي قالت إنها تنعكس سلباً على مستقبل القضية الجنوبية، وتشرع لتدخل قوى أجنبية في الجنوب.
وطالبت تلك البيانات بمحاسبة من يبيعون مواقف وتضحيات المناضلين في سوق الشرعية ابتغاء منافع شخصية ومناصب شرعية يمنية.
أواخر الشهر الفائت أقام الحراك الجنوبي مهرجانا في مدينة الضالع، ومسيرة حاشدة للآلاف من أنصاره، تصدرت فيها الهتافات ضد الشرعية ورحيل التحالف العربي.
عدوان سافر وإيران لم تهزم
القيادي في الحراك الجنوبي آزال الجاوي وصف ما يجري بعدوان سافر وتدمير شامل، وخلق مزيد من التفكك والصراعات في اليمن عموماً، وفي الجنوب خصوصاً، ويرى في موضوع الكهرباء خير شاهد على الواقع، حيث إن أهالي مدينة عدن يعانون منذ عامين، دون أن تهتز شعرة للأشقاء في التحالف العربي، الذين قال إنهم يبدون كأنهم يحاربون الشعب ولا أحد سواه، حد قوله.
واعتبر الجاوي -في تصريح لـ"الموقع بوست"- الحديث عن انهزام المشروع الايراني في الجنوب غير واقعي ومبالغ فيه.
فإيران -كما يقول الجاوي- وإن كان لها مصالح أو حتى أطماع في اليمن، فهي لم تكن حاضرة في هذه الحرب لا كمشروع ولا كطرف، في الحد الأدنى، كحضورها في سوريا أو في العراق.
وبرغم تسليمه أن هناك مشروعا إيرانيا لعموم المنطقة، إلا أن الجاوي شكك في وجود مشروع عربي منافس له، كما شكك بأن التحالف العربي هو لمواجهة المشروع الإيراني.
الجاوي: ما يجري عدوان سافر والحديث عن انهزام المشروع الإيراني في الجنوب غير واقعي ومبالغ فيه
ويعتقد الجاوي أن "إيران وإن كان لها علاقات تكتيكية وليس إستراتيجية مع بعض الأطراف المحلية، إلا أنها تدرك الخطوط الحمراء لمصالح الدول الأخرى الإقليمية والعالمية، خاصة إننا نقع في جغرافيا حساسة، ولن يسمح العالم بأن يحتكرها المشروع الإيراني، بل حتى إن وجد مشروع عربي في المستقبل، فلن يستطيع تجاوز المصالح العالمية في هذه الجغرافيا"، بحسب تعبيره.
وعن معارضته للتحالف العربي، قال الجاوي "هذا غير صحيح البته"، مبدياً تأييده لأي تحالف عربي عسكري أو مدني يخدم العرب ويحقن دمائهم، ويضع أسسا لأمن قومي عربي موحد، يسعى لخلق كتلة عربية تحقق تنمية وأمن واستقرار لعموم المنطقة، غير أنه يصف ما يجري بالعدوان السافر.
ويعتقد الجاوي أن الحل يكمن في إيجاد صيغة للتقارب، والتنسيق بين مختلف المكونات، تتجاوز المرحلة الدقيقة التي يمر بها الجميع اليوم، وصولا لإيجاد صيغة لتعايش بين الجميع دون إقصاء أو احتكار للسلطة والقرار، مشيرا الى وجوب إيجاد صيغة وطنية، لتجاوز صراعات الماضية السياسية والمناطقية، وتكريس مفهوم المواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية، والسيادة الوطنية قولا وفعلا، إلى أن يسوى الملعب السياسي الوطني، وتعاد السلطة للشعب، باعتباره صاحب السلطة، ومصدرها ليقرر مصيره بحرية وإدراك.
حائط صد
في موقف مغاير يعتقد مستشار محافظ عدن والقيادي في المقاومة الجنوبية والحراك الجنوبي مؤمن السقاف أنه بعد الحرب الظالمة التي شنتها الميليشيات على عدن والجنوب، من المستحيل أن يتم التعاطي مع أهداف ومشاريع الحوثيين، والداعم الأكبر لهم إيران.
ويرى السقاف أن الدم الذي سال وفزعة دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ووقفتهم إلى جانب الشعب في الجنوب، سيسجله التاريخ، وسيبقى جميلا لن ينساه الجنوبيون.
وأضاف "سنكون سندا وعونا للتحالف في حربهم ضد المشروع الإيراني في المنطقة، أينما طلب منا ذلك، وسنكون جزءا لا يتجزأ من دول التحالف العربي".
مستشار محافظ عدن: سنقف حائط صد منيع لكل من تسول له نفسه الانبطاح للمال والمشروع الفارسي
ويؤكد السقاف أنهم سيقفون حائط صد منيع لكل من تسول له نفسه الانبطاح للمال والمشروع الفارسي، متحججا بأنه من خلال ذلك متمسك بالثوابت الوطنية والقضية الجنوبية، على حد تعبيره.
وتابع السقاف حديثه بالقول "بالمقابل سنظل متمسكون بهدفنا ومشروعنا المتمثل في دولة جنوبية مستقلة".
إيران في 3 اتجاهات
رئيس مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية عبدالسلام محمد أوضح أن المشروع الإيراني في اليمن كان يسعى للسيطرة من خلال 3 سيناريوهات، إما السيطرة المباشرة من خلال ميلشياتها، أو بث الفوضى والعنف والتغلغل من خلالهما، أو اختراق مكونات سياسية وبعث الخلافات المناطقية والمذهبية.
وعن الجنوب، قال رئيس مركز أبعاد إن إيران موجودة في الجنوب من خلال ثلاثة اتجاهات، العصابات الإرهابية المكونة والممولة لداعش والقاعدة، والعصابات المسلحة المثيرة للفوضى، والتي تتحرك ضد كل ما يؤدي إلى الاستقرار، وخلايا النظام السابق النائمة.
وأشار إلى أن إيران في الجانب السياسي تعتمد اعتمادا كليا على طريقتين هي التغلغل في بنى الأحزاب، ودعم اتجاهات مذهبية أو مناطقية لتشكيل تكوينات سياسية.
موضحا في حديثه لـ"الموقع بوست" أن إيران الآن تتحرك في الشمال والجنوب، من خلال دعم الإرهاب والفوضى، وتدعم أي لافتة يمكنها أن تحقق هذين الهدفين.
عبدالسلام: فصائل الحراك التي لها علاقة بإيران هزمت لكن إيران ستستخدم أبعادا مذهبية ومناطقية لاستمرار الفوضى
وفيما يخص الحراك الجنوبي، يرى أن فصائل الحراك التي لها علاقة بإيران هزمت وانتهت صلاحياتها، مستدركا بالقول "لكن إيران ستستخدم أبعادا مذهبية ومناطقية لاستمرار الفوضى".
وتابع محمد بالقول "التحالف العربي ينطلق من أهداف معلنة وواضحة، وهي الحفاظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن ومنع تحوله إلى دولة مهددة للأمن الإقليمي".
وعن الأخطاء التي ستحصل من التحالف، قال محمد إنها لن تدفع لعودة تحالف جهات في الحراك مع إيران، لأن حلفاء إيران داخل الحراك انهزموا وأصبحوا معزولين، إلا إذا حصلت فجوة من خلال إقصاء أو فوضى أو حرب فإن إيران تسعى لملء الفراغ، ويعتقد محمد أن المشروع الإيراني لا زال يشكل خطرا كبيرا على اليمن.
تحرير الشمال
الكاتب والسياسي الجنوبي عبدالرقيب الهدياني يرى أن المشروع الإيراني في جنوب اليمن يمر عبر الوكيل الأصل في شمال اليمن.
يضيف الهدياني في حديثه لـ"الموقع بوست" بقوله "طالما صنعاء ومحافظات شمالية أخرى حاضنة لوكلاء طهران المتمثل في رأسي الانقلاب الحوثي وصالح، سيكون هناك امتداد بالضرورة لهما في مناطق الجنوب، عبر لافتات الحراك الجنوبي وحزب المؤتمر من الجنوبيين الموالين لصالح".
ويعتقد الهدياني أن تجفيف النشاط السياسي للمشروع الإيراني في جنوب اليمن الخاضع حاليا للحكومة الشرعية يتطلب استكمال تحرير الشمال وفرض سيطرة الشرعية على كامل التراب اليمني، وما دون ذلك فلن يتعافى الجنوب، رغم تحريره، ولن يعدم الانقلابيون توظيف علاقاتهم ووكلائهم في نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار، وضرب انجازات الشرعية والتحالف في المناطق المحررة، عبر لافتات سياسية كثيرة ومسميات شعبية عدة، فيستعيضون بأدوات السياسة ما خسروه بالسلاح.
الهدياني: حيث تغيب مكونات المجتمع المدني لتي تحمل المشروع الوطني ستظهر المكونات المشوهة والعميلة للانقلابيين
يدلل الهدياني على صحة ما ذهب اليه، بما شهدته عدن ومحافظات الجنوب من حركة مستميتة من قبل أدوات الحوثي وصالح لضرب التحرير، ليس عبر الاختراقات الأمنية وعمليات الاغتيالات فحسب، بل في الأنشطة السياسية والشعبية، التي ظهرت وإن بشكل محدود في عدن وحضرموت والضالع على شكل فعاليات جماهيرية، ومسيرات ومهرجانات، لكنها في الأصل عدائية للشرعية والتحالف.
ويشير الهدياني إلى نقطة يرى أنها مهمة، ويقول إنه يجب الانتباه إليها، وخصوصا في المحافظات المحررة، وهي إفساح المجال للفعاليات والمكونات السياسية والمجتمعية الوطنية، وتشجيعها على شغل الفراغ الموجود، حتى لا يستغله صالح
والحوثي عبر وكلائهم في هذه المحافظات، فحيث تغيب مكونات المجتمع المدني التي تحمل المشروع الوطني، ستظهر المكونات المشوهة والعميلة للانقلابيين في صنعاء والمشروع الفارسي في طهران، بحسب الهدياني.