[ أرشيفية ]
لم تكن تعرف جدة الشاب حلمي المساجدي قبل عام ونصف أن من جاؤوا يطرقون باب بيتهم يريدون اختطاف حفيدها الوحيد، الذي يعيل أسرة لا يوجد فيها معيل غيره سوى والده الذي يعاني من مرض نفسي، وأخته المعاقة، وزوجته وطفله البالغ من العمر عاما ونصف هو الآخر أيضا يعاني من المرض.
حلمي كان يعمل "بائع بنزين" في أحد شوارع صنعاء، ولم يكن يعرف حينها أن الأمن القومي قد أشار بأصابع الاتهام إليه بأنه أحد الذين خرجوا ضد المخلوع علي عبد الله صالح في ثورة فبراير عام 2011.
أرسل الأمن القومي إلى الشاب "حلمي" بعض الشباب يتشاجرون على مقربة من المكان الذي يبيع فيه البترول، وتدخلت بعض الجهات وتم الفصل بينهم، وبعد المغرب جاء عاقل الحارة إلى بيتهم يبحث عن حلمي بحجة طلب الشهادة منه وبعد أن أدلى بشهادته اقتيد حلمي إلى السجن وتم الإفراج عنه اليوم الثاني.
عاد حلمي -كما تروي لـ"الموقع بوست" جدته- ولم يمكث سوى بضع ساعات حتى أتصلو به من جديد، وطلبوا منه أن يأتي إليهم وأودعوه السجن.
بدأت رحلة معاناة جدته في البحث والصراع عنه ومن أجله منذً ذلك الحين، وعندما وصلت إلى قسم العلفي سألت إدارة السجن عن سبب اختطافه، أجابوها "أوامر الاعتقال جاءت لنا من الأمن القومي"، ولم يكن بوسعها سوى التحرك نحو الأمن القومي لتفاجأ هناك بإنكار وجوده من قبل الأمن القومي، ثم تحركت نحو أمن صنعاء ثم عادت إلى المنزل خائبة.
تقول جدة المعتقل حلمي "بعد يومين أتصل حلمي وقال لي أنا موجود في سجن هبرة وإن باب الزيارة مفتوح يوم الخميس، وعندما زرته إلى هناك أعطاني أحد القيادات الحوثية يسمى أبو علي أمرا إلى البحث الجنائي، وعندما وصلت إلى هناك أعطوني أمرا إلى قسم الجديري، وهو الآخر أرسل خطابا إلىقسم العلفي يخاطبهم فيه أن يذكروا سبب اختطافه".
وأفادت جدة حلمي إن رحلتها الطويلة انتهت بتهمة ملفقة على حفيدها بأنه أحد الذين خرجوا ضد نظام صالح في ثورة 11 فبراير.
لم تيأس المرأة المسنة من البحث عن حفيدها، بل توجهت إلى وزارة الداخلية، ومن هناك عادت بأمر كالعادة يطالب بالإفراج عنه إذا لم توجه له أي تهمة، وإن وجدت عليه تهمة يساق إلى المحكمة، ولم تجد هناك من يتجاوب مع الأوامر والوعود التي تتلقاها من القيادات الحوثية أو من الجهات الأمنية سوى حبر على ورق وتوجيهات لا تسري عند أحد.
تقول جدة حلمي إنها لم تيأس، بل عادت من جديد إلى وزير الداخلية ومدير الأمن وأعطوها توجيها إلى سجن الأمن السياسي، لكن هو الآخر لم يتجاوب معها ولم تجد من يرد عليها.
وتتهم جدة حلمي الحوثيين باختطاف حفيدها ظلما وعدوانا بدون تهمة، وهو وحيد أسرة ويعمل للإنفاق على خمس من النساء وطفله الذي يبلغ من العمر عاما ونصف هو الآخر يعاني من المرض.
معاناة وبحث مضني
جدة حلمي واحدة من آلاف الأسر التي أحرمتها ميليشيات الحوثي أبناءها، وأصبحت تتجرع معاناة الفقد والخوف والجوع والحرمان الذي يعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين.
ومنذ اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء في أواخر العام 2014، مارست أبشع الاعتقالات بحق الآلاف من المواطنين في صنعاء وغيرها من المحافظات لتتجرع أمهاتهم كؤوس المعاناة في البحث عن أبنائهن من سجن لآخر.
وعلى مدى الأيام والشهور الماضية نفذت الأمهات آلاف الوقفات الاحتجاجية تعرضن خلالها للعديد من الانتهاكات والسب والشتم، ونفذن وقفات احتجاجية أمام كل سجن وزنزانة ومنظمات دولية وعالمية، متحملات في سبيل حرية أبنائهن حر الصيف وصقيع البرد.
وكان آخر وقفاتهن الاحتجاجية الوقفة التي نفذتها رابطة أمهات المختطفين الاثنين الماضي أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر تضامنا مع أمهات المختطفين اللواتي يتجرعن المعاناة في ظل غياب فلذات أكبادهن خلف القضبان، واحتجاجا على استمرار اختطاف أبنائهن في سجون جماعة الحوثي وصالح المسلحة.
وقالت رابطة أمهات المختطفين في بيان -حصل "الموقع بوست" على نسخة منه- إنهن يعشن عيد الأم حزناً والمعاناة تتجدد، فالاختطافات مستمرة والانتهاكات في حق أبنائهن المختطفين والمخفيين قسرا تزداد يوماً بعد يوم، والابتزازات المالية والنفسية والسياسية تعصف بهن دون رحمة.
وأكدت الأمهات في بيان لهن من أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بصنعاء أنه في ظل إخفاء 160 من أبنائهن إخفاءً قسرياً لا يعرف شيء عن أحوالهم ولا أماكن احتجازهم، ولم تحصل أسرهم على فرصة لقاء واحدة بهم ولا حتى باتصال هاتفي واحد في وضع حرج وبالغ الخطورة.
وتقول أمهات المختطفين إن أكثر من ثلاثة آلاف معتقل من أبنائهن المعتقلين يعيشون تحت التعذيب والإهمال الصحي في سجون أقل ما يمكن وصفها به أنها أماكن مخصصة لامتهان كرامة الإنسان.
مشهور: ماذا لو حرمتم من أمهاتكم
تقول وزيرة حقوق الإنسانية اليمنية السابقة حورية مشهور "قبل أن أوجه التهنئة والسلام لأمهات المعتقلين بعيد الأم الذي لن يكتمل إلا بإطلاق أولادهن، أوجه أيضاً السؤال لمن حرمهن من وصال أبنائهن جوراً وظلماً: ما الذي يجنوه من تعذيبهم وتعذيبكن؟".
وتساءلت مشهور -في تصريحات خاصة لـ"الموقع بوست"- قائلة "هل ما زال في قلوب آسريهم وسجانيهم بعض من الرحمة والشفقة بأمهات حرمن لذة العيش خوفاً وقلقا وهلعاً على فلذات الأكباد انتزعوا انتزاعا من بين أسرهم؟".
وخاطبت مشهور ميليشيات الحوثي قائلة "ضعوا أنفسكم يامن تستقوون اليوم بأماكنهن ماذا لو حرمتم من أمهاتكم وحرمت أمهاتكم منكم؟ آخر ما كان الإنسان أن يتصوره أن يكون هذا هو حال حرائر اليمن ونسائه العزيزات الكريمات أن يتعرضن للسب والشتم والضرب على أيديكم".
وتابعت "تمسح أم المعتقل دموعها وتطوي جراحاتها وعذابها بين جوانحها الكرة تلو الكرة وتبتهل إلى ربها ليحنن قلوبكم عليها وعلى ابنها لتسمحوا لها بزيارة خاطفة لا تتم في أغلب الأحوال".
وأفادت "أي قسوة هذه التي تملأ قلوبكم؟ ألستم بشر تحسون وتشعرون وتسمعون صرخات أطفال المعتقل وأنين وحنين أمه؟".
وواصلت مخاطبة جماعة الحوثي وحليفها صالح قائلة "هل سيكون لالتماسنا لديكم صدى حينما نناشدكم باسم الله وباسم الإنسانية أن تطلقوا هؤلاء الرجال الذين لم يكن جرمهم إلا أن طالبوا بحريتنا وحريتكم فدفعوا الثمن غالياً في مصادرة حريتهم".
وبينت "هل نطمع في أن نناشد فيكم ما يمكن أن يجمعنا معكم في الغد يوم سنبكي معاً على أطلال وطن تم تدميره على أيدي أبنائه الذين لم يستجيبوا لصوت العقل ولنداء الإنسانية؟".
وأضافت "بحت أصواتنا مطالبين بالسلام العادل الذي يحفظ الحقوق ويصون كرامة الناس ويرد مظالمهم ويعوضهم عن الحيف والأضرار التي لحقت بهم".