تجلس في ركن غرفتها أم محمد غالب (70 عاما) حزينة، تغيب عن وجهها معالم الفرح والسعادة التي كثيرا ما كان وجهها يشرق بهما، فلا ألوان للحياة بنظر تلك المرأة فكل فجميع اللحظات تتساوى.
في عيد الأم الذي يصادف 21 مارس/آذار من كل عام، لا مكان فيه للفرح في أغلب البيوت اليمنية، التي تعرفت على أحد أشكال المعاناة، وتعيش ضغطا نفسيا رهيبا، جراء انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع نسبة الفقر، والموت الذي طارد حتى أحلامهم.
هذا اليوم بدلا من أن تشعر أم محمد بسعادة كما كان يحدث كل عام، فهي تشعر بوجع لنزوح أبنائها داخل وخارج الوطن منذ دخول مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية تعز أواخر مارس/آذار 2015.
تقول أم محمد لـ"الموقع بوست" إنها فارقت أبنائها وتشعر بقلق كبير عليهم، خاصة من نزح منهم إلى أماكن غير آمنة، تجعلهم عرضة للموت أو الاختطاف.
وما يؤلمها أكثر هو عدم قدرتها على رؤية أبنائها الذين كانوا في المملكة العربية السعودية، ولم يتمكنوا من زيارتها بسبب الظروف التي فرضتها الحرب عليهم.
أوجاع أمهات
تتشارك أيضا في مثل اليوم الوجع أمهات المختطفين، اللائي يتألمن بمرارة، قلقا على مصير أبنائهن الذين حرمن من رؤيتهم، وغيبتهم السجون، وجعلتهن يعشن الألم كل يوم.
عشية عيد الأم نظمن وقفة احتجاجية طالبن فيها بالإفراج عن ثلاثة آلاف مختطف لدى الانقلابيين، يعيشون تحت التعذيب والإهمال الصحي في سجون الحوثيين، وفي أماكن مخصصة لامتهان كرامة الإنسان.
وذكر بيان صادر عن رابطة أمهات المختطفين، أن الاختطافات مستمرة والانتهاكات في حق المختطفين والمخفيين قسرا تزداد يوماً بعد يوم والابتزازات المالية والنفسية والسياسية تعصف بهن دون رحمة.
في ظل كل تلك النداءات لا حياة لمن ينادين، فالاختطافات مستمرة، وبغلت حتى نهاية 2016، 4800 معتقل، وهو رقم يكبر يوميا.
يعانق الحزن كل لحظة فرح تتسرب إلى أم الصحفي عبد الخالق عمران، القابع في سجون المليشيا منذ أكثر منذ عام ونصف.
فبينما يحتفل العالم بهذا اليوم، ويتم تكريم الأمهات، تذرف أم عبد الخالق الدموع، ولا تجد من يكفكفها سوى يد مرتعشة قد أعياها الألم والفراق والقهر.
تقول لـ"الموقع بوست" إنها وسائر أمهات المختطفين يعانين جراء القهر والظلم الذي طال أبناءهن، الذين تم أخذهم من أماكن أعمالهم وبيوتهم، دون أي مسوغ قانوني.
وتضيف "نحن كأمهات لا نبحث عن أي حق من حقوق المرأة، نبحث عن حق فطري، بأن يكون أبناؤنا معنا"، متسائلة بصوت متهدج "من يعي ويفهم معنى الأمومة المقتولة في اليمن؟".
البعد الذي مزق أرواح الأمهات
في هذا اليوم ذرفت كثير من الأمهات والأبناء الدموع، لفراق أهلهم الذين اضطرتهم الحرب إلى النزوح في مختلف المناطق، وعلى للشهداء الذين يتساقطون كل يوم.
أم آلاء المخلافي هي واحدة من أولئك النسوة الموجوعات، تتمنى لو كان بإمكانها أن ترى والدتها التي تقطن في السعودية، وتقدم لها هديتها التي تليق بمكانتها.
لكن ذلك -كما تقول لـ"الموقع بوست"- حلم بعيد المنال مع استمرار الحرب، التي أورثت قلوب الأمهات الخوف والقلق على مصير أبنائهن.
تغمض عينيها بصمت، وتتذكر السنوات الكثيرة الماضية التي جمعتها بوالدتها، واحتفلت مع إخوتها بعيد الأم الذي يقيمون فيه حفلة صغيرة في منزل والدتهم.
أما هذا العام فمنزلهم يخلوا من أصوات ضحكاتهم وأحاديثهم الممتزجة بشجن وحب كبيرين.
وتتمنى أم آلاء والأمهات في اليمن، أن يعم الأمن والاستقرار في اليمن، حتى لا يعانين من هذا الحرمان، الذي يمزق أرواحهن، ولتفرح كل أم بأبنائها الذين لن تختطفهم الحرب.
بصيص فرح
بعيدا عن كل تلك الآلام التي يعاني منها أغلب اليمنيين، التقى"الموقع بوست" بعديد من الفتيات اللائي خرجن للتسوق، من أجل شراء الهدايا لأمهاتهن في مثل هذا اليوم.
تذكر ناهد عبدالسلام لـ"الموقع بوست"، وهي طالبة في الصف السابع، أنه وبرغم عدم حصولها على مصروف للمدرسة بسبب عدم وجود مال مع والدها الذي لم يستلم راتبه منذ حوالي 6 أشهر، إلا أنها احتفظت بخمسمائة ريال منذ أسابيع، لتشتري لوالدتها هدية.
ويؤكد لنا محمد مهيوب، وهو تاجر بأحد محلات أدوات التجميل والعطورات بتعز، أن هناك حركة شراء ملحوظة بدأت من قبل يومين.
وعن نسبة إقبال المدنيين على الشراء في هذه المناسبة، قال لـ"الموقع بوست" إنها ضعيفة للغاية مقارنة بأعوام ما قبل الحرب.
ولم يكن يتوقع أن يجد من يشتري منه في هذه المناسبة، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، بعد أن أصبح 82% من اليمنيين بحاجة لمساعدات إنسانية.
الجدير بالذكر أن التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان رصد مقتل 597 امرأة، وإصابة 3092 امرأة خلال الفترة يناير/كانون الثاني ٢٠١٥ وحتى نهاية سبتمبر/أيلول ٢٠١٦.
كما قال وكيل وزارة حقوق الإنسان اليمني ماجد فضائل، في تصريحات صحفية، إن 4200 انتهاك طالت النساء، منها 626 حالة قتل، ونحو 2400 إصابة وتشريد.
وذكر أن الإحصائيات أكدت قيام المليشيا بالعديد من الانتهاكات والتجاوزات بحق المرأة اليمنية على مختلف الأصعدة، وذلك بسبب غياب الرقابة الأمنية وانتشار فوضى السلاح.
كما صنفت اليمن إلى جانب سوريا مؤخرا، من أقل البلدان سعادة في العالم، جراء الحروب التي تعيشها تلك الدولتين.