[ الرئيس هادي حاملاُ وثيقة الحوار الوطني - أرشيفية ]
في مثل هذا اليوم من العام 2013، دشن اليمنيون مؤتمر الحوار الوطني، الذي شاركت فيه مختلف المكونات السياسية وفئات المجتمع، سعيا للوصول إلى حلول للمشكلات التي يعاني منها البلد، وتمخض عنه الخروج بوثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي شاركت فيه كل القوى السياسية اليمنية.
وبدلا من أن يكون المؤتمر جسر عبور اليمنيين نحو الدولة الاتحادية، والاستقرار والبناء الذي يطمحون له، أراد الحوثيون عكس ذلك قبل بلوغ المرحلة الأخيرة، فاختطفوا الأمين العام لمؤتمر الحوار أحمد عوض بن مبارك، الذي كان في طريقه لتقديم مسودة الدستور إلى رئيس الجمهورية، ودخلت اليمن في نفق مظلم، أعقبه انقلاب سبتمبر/أيلول 2014.
وبرغم انحراف مسار الأزمة وتحولها إلى التفاوض والحرب بدلا من الحوار، إلا أن المجتمع الدولي أصدر القرار 2051 عبر مجلس الأمن الدولي تأييدا لمخرجات الحوار الوطني.
وطوال الأعوام الماضية ظل الرئيس هادي متمسكا بمخرجات الحوار الوطني، رافضا الحياد عنه، رغم العراقيل الكثيرة، والمبادرات المتعددة التي وضعت أمامه، وسعت لحرف مسار التطورات في اليمن نحو وجهات أخرى.
ومثّل مؤتمر الحوار جسر عبور نحو واقع جديد، بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام المخلوع علي عبدالله صالح، وشاركت كل القوى الوطنية في جلسات أعماله التي امتدت على مدى عام كامل.
الضرورة والوصول
يقول عضو مؤتمر الحوار الوطني سابقا، فريق الهيئات المستقلة، محمد المقبلي، إن مؤتمر الحوار الوطني كان ضروريا، ليس من أجل القضايا التي أثارتها ثورة الشباب، ولكن من أجل حل القضايا التي كان يتم تجاهلها وتنمو كالقضية الجنوبية، وإصلاح اختلالات ثورتين ووحدة (ثورتي 26 سبتمبر، و11 فبراير، والوحدة بين شرطي البلد التي تحققت عام 1990).
ووصف في حديثه لـ"الموقع بوست" وثيقة مؤتمر الحوار الوطني بوثيقة ألف عام، لصياغة مشرع يمني جديد، بناءً على تشريعات جديدة، مؤكدا أن ثورة الشباب هي من وضعت جميع قضايا اليمن على الطاولة، ونادت بنظام جديد، الذي كان يتطلب الحوار ودستور جديد.
ولتحقيق مخرجات الحوار الوطني يرى المقبلي أن ذلك يتطلب ثلاثة أمور، وهي الوعي العام بها، وكذا كتلة شعبية ضامنة، وتوافق سياسي لتحقيقها وفي مقدمتها الاستفتاء على الدستور الاتحادي المنبثق عن وثيقة المؤتمر، فضلا عن قيام دولة اتحادية تعمل على تحقيق ما انبثق عنه إلى واقع.
دلالة التوقيت
واعتبر عضو مؤتمر الحوار الوطني سابقا، في فريق الحقوق والحريات، منير الوجيه، إعلان انطلاق الحوار الوطني في 18 مارس/آذار أنه ليس محض صدفة من قِبل الرئيس عبد ربه منصور هادي.
ويحمل ذلك التاريخ دلالات كثيرة، فهو -كما يقول الوجيه لـ"الموقع بوست"- مخلد في ذاكرة الشعب اليمني، ففيه طوى صفحة المخلوع صالح حينما أراق دماء شهداء جمعة الكرامة، الذين ما إن حملت جنازاتهم إلى جوار ربهم زارعين بدمائهم جيلا حرا، ذهب صالح بجنازته إلى مزبلة التاريخ معلنا فناء نظامه العائلي، في نفس التوقيت الذ أعلن فيه الرئيس هادي بداية حقبة جديدة في تاريخ اليمن، وانتهاء أخرى سوداء.
استطاع مؤتمر الحوار الوطني -بحسب الوجيه- إعادة صياغة أهداف الثورة لتصبح دستورا للأجيال، بعد أن شاركت مختلف الفرق بصياغتها من كل الجوانب، سواء حل القضايا الوطنية، أو التوافق على شكل الدولة، وبناء دولة تقوم على اقتصاد قوي، وتؤمن بالحقوق والحريات دون تقييد.
ويرى أن الهدف الأبرز من مؤتمر الحوار، هو جمع اليمنيين على طاولة واحدة، من أجل التوافق على دستور تفصيلي يلبي طموحات الجميع، فتم تمثيل الأقليات السياسية، والمكونات الاجتماعية، فالدستور يجب أن يشعر الجميع أنهم سواسية تحت مظلته، فهو العمود الفقري للدولة التي يجب أن تلبي طموحات الجميع دون النظر إلى ثقلهم السياسي.
ووصف الوجيه مؤتمر الحوار الوطني بأنه يمثل المشروع الوطني الوحيد في تاريخ اليمن الحديث الذي يعبر عن الشكل الهندسي الجميل للبيت اليمني، وقال "هذه الوثيقة التاريخية التي تناولت كل قضايا اليمن والتي فتحت ملفات لم يكن أحد يجرؤ على فتحها، هذا الذي جعل من صالح والحوثيين يعلنون دفن هذه المخرجات بشكل صريح، لأنها أنهت مشروعاتهم الضيقة، وأنهت احتكار السلطة والثروة بيد شخص أو منطقة بعينها".
لقد بات تحقيق مخرجات الحوار الوطني أمرا واقعا، "ولا خيار لنا غير ذلك" -كما يؤكد الوجيه-، لافتا إلى أن عملية التحرير واستعادة الدولة والشرعية هي الخطوة الأولى نحو إيجاد الدولة الضامنة والمنفذة لتلك الوثيقة التاريخية التي تحظى بإجماع معظم القوى السياسية، وتؤكد عليها القرارات الدولية كمرجعية لأي حل سياسي.
عرقلة الانقلابيين
وقف الانقلابيون لمؤتمر الحوار الوطني بالمرصاد منذ انعقاد جلساته التي استمرت لعشرة أشهر، من 18 مارس/آذار 2013 وحتى 25 يناير/كانون الثاني 2014، برغم مشاركتهم فيه، فقاموا بعرقلة الخطوة الأخيرة الأبرز المتمثلة بالاستفتاء على الدستور، بعد تسليم الرئيس هادي مسودة دستور الدولة الاتحادية.
استمرت اليمن في حالة من الفوضى، ودخلت عقبها الحرب التي أشعلها الحوثيون في بعض المحافظات، وكانت اليمن مع موعد مع المأساة والصراع بعد الانقلاب الذي قام به الحليفان (المخلوع صالح والحوثيين)، وتم تتويجه بانقلاب سبتمبر/أيلول 2014.
عملت السلطة الشرعية جاهدة إلى جانب الشعب اليمني من أجل استعادة الدولة وتنفيذ مخرجات الحوار، إلى جانب المرجعيات الأخرى، لضمان الأمن والاستقرار في البلاد.
واجه الانقلابيون ذلك بشراسة وتحت مبررات واهية، رغبة في بقاء السلطة والثروة، ولم يتوانَ المخلوع صالح عن إعلان رفضه لمخرجات المؤتمر مطلع العام الجاري، وسعى جناحا الانقلاب إلى إثارة كثير من الخلافات والقضايا لإعاقة تنفيذها، وهو الأمر الذي استطاع اليمنيون إلى جانب السلطة الشرعية إفشاله، واستطاعت حتى الآن استعادة 85% من أراضي الدولة.