كشفت صحيفة واشنطن بوست، في تقرير جديد، أن الإدارة الأميركية عرقلت مشروع قرار لمجلس الشيوخ بعنوان "سلطات الحرب" كان سينهي الدعم العسكري الأميركي للحرب السعودية في اليمن، والتي استمرت لأكثر من سبع سنوات.
وكان من المفترض أن يعرض مشروع القرار للتصويت، إلا أن مجلس الشيوخ أعلن سحب التصويت لإجراء مباحثات مع البيت الأبيض، مساء الثلاثاء.
الصحيفة الأميركية لفتت إلى أن إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن، عارضت المسعى الذي يقوده السيناتور، بيرني ساندرز، "ما وضع الرئيس في موقف غير عادي، متمثلا في الوقوف ضد محاولة معاقبة النظام السعودي الذي لم يكن صديقا له".
وشهدت العلاقة بين واشنطن والرياض توترا بسبب قرارها في إطار أوبك بلاس (تحالف يضمّ 23 دولة هي الدول الـ13 الأعضاء في منظمة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" وفي مقدّمها السعودية، بالإضافة إلى عشر دول أخرى مصدّرة تقودها روسيا) خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً في محاولة لزيادة أسعار النفط.
وأدى هذا الخفض الكبير في الإنتاج إلى ارتفاع أسعار النفط الخام لصالح الدول المنتجة وبينها روسيا التي تحتاج إلى مبيعات الطاقة لتمويل غزوها لأوكرانيا، ومع ذلك عارضت إدارة بايدن مسعى ساندرز.
"عواقب وخيمة"
مساعدو بايدن قالوا للصحيفة إن الرئيس الأميركي عارض قرار "سلطات الحرب" لأسباب مختلفة عما فعله الرئيس السابق، دونالد ترامب، إذ يختلف نص المشروع الحالي الذي طرحه ساندرز عن الإصدارات السابقة من المشروع، لا سيما في تعريف تبادل المعلومات الاستخبارية وعمليات الدعم على أنها "أعمال عدائية".
وكان مجلس الشيوخ أقر قرارا مماثلا في 2018 و2019، خلال إدارة ترامب، وحظي بدعم من جميع أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، لكن ترامب عارض المسعى واستخدم حق النقض (سنة 2019) الذي يتيحه له القانون الأميركي.
ويقول بعض مساعدي أعضاء الكونغرس للصحيفة الأميركية إن تعريف تبادل المعلومات الاستخبارية وعمليات الدعم على أنها "أعمال عدائية" قد تكون له "عواقب وخيمة على العمليات الأميركية على مستوى العالم، بما في ذلك في مناطق ساخنة مثل أوكرانيا".
المحلل السياسي الأميركي، باولو فان شيراك، يرى أنه لا توجد علاقة مباشرة بين مشروع قرار ساندرز المناوئ للسعودية، والحرب في أوكرانيا، إلا أن للقرار تبعات غير مباشرة ليس فقط في أوكرانيا ولكن في باقي أنحاء العالم حيث تعمل واشنطن على دعم هذه الدولة أو تلك منذ عقود.
وفي حديث لموقع "الحرة"، أشار شيراك إلى أن النتائج غير المباشرة لمثل هذه القوانين التي تدين "حليفا للولايات المتحدة" من شأنها أن تثير الشكوك في قدرة واشنطن على الوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها، بمن فيهم أوكرانيا.
وقال: "نعم هناك تبعات غير مباشرة، كأن يقول الأوكرانيون: 'انظروا كيف أدارت أميركا ظهرها للرياض'، هذا يمكن أن يحصل معنا كذلك".
من جانبه، قال أحد كبار المساعدين الديمقراطيين، الذي تحدث لواشنطن بوست بخصوص "قرار ساندرز" بشرط عدم الكشف عن هويته: "لقد جعلنا ذلك قلقين حقا".
وأضاف أن تلك الصياغة "يمكن أن يكون لها تداعيات حقيقية على دعمنا لأوكرانيا في الوقت الحالي، أو دعمنا لإسرائيل" ثم أردف "هذه هي المرة الأولى التي يُطلب فيها من الكونغرس التصويت على تعريف العداء بأنه تبادل معلومات استخباراتية، وهذا أمر خطير".
فان شيراك أيّد هذا الطرح في حديثه لموقع "الحرة"، وقال: "لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار تبادل المعلومات مساعدة لأعمال عدائية".
ثم أضاف متسائلا: "هل يوجد نظام متكامل لا توجد فيه أي نقائص أو أخطاء؟ لا بالطبع، والسعودية وأغلب أنظمة العالم لا تخرج عن هذه القاعدة".
يذكر أن تقرير الصحيفة الأميركية كشف أن البيت الأبيض وزع نقاط حوار على أعضاء مجلس الشيوخ قبل التصويت، ليل الثلاثاء، قال فيها إن القرار من شأنه أن يعرض للخطر الهدنة الهشة بين الفصيل الذي تقوده السعودية في اليمن والمتمردين الحوثيين.
وجاء في تلك النقاط وفق ما نقلته "واشنطن بوست" :"نحن نعلم أنه قرار صعب بتغيير التصويت، لكن الظروف تختلف اختلافا جوهريا عما كانت عليه في عام 2019.. سيؤدي التصويت إلى تقويض إمكانية أن نتمكن أخيرا من إنهاء هذه الحرب والمعاناة الإنسانية للشعب.. إذا تم عرض هذا القرار على الرئيس، فإن موظفيه سيوصون الرئيس باستخدام حق النقض ضده".
واستشهد البيت الأبيض بوقف القتال لمدة تسعة أشهر وأشار إلى الدبلوماسية الأميركية المستمرة التي قال إنها لم تكن موجودة قبل ثلاث سنوات، أي خلال رئاسة ترامب.
وذكر البيت الأبيض في نقاط الحوار التي نقلتها الصحيفة الأميركية أن"خلاصة القول: هذا القرار غير ضروري وسوف يعقّد إلى حد كبير الدبلوماسية المكثفة والمستمرة لإنهاء الصراع".
هدنة هشة
إلى ذلك، يشير البيت الأبيض إلى الهدنة في اليمن، ويعزو ذلك الهدوءَ النسبي إلى "جهوده الدبلوماسية القوية"، وفقا لنقاط الحوار ذاتها.
وقال بعض المدافعين عن مشروع قرار "سلطات الحرب" إن الضغط المستمر من الكونغرس لعب دورا رئيسيا في إجبار السعودية على التراجع عن الضربات الجوية.
وذكرت نقاط الحوار الخاصة بالبيت الأبيض إن السعوديين لم يشنوا أي غارات جوية على الإطلاق خلال الأشهر التسعة الماضية"، مع التأكيد على أن إدارة بايدن "أوقفت جميع مبيعات الذخائر الهجومية" للسعودية بينما "تم فتح الميناء والمطار، مع تدفق الغذاء والوقود".
ويرى الأستاذ بجامعة جورج واشنطن، نبيل ميخائيل، أن بايدن يريد الحفاظ على درجة من العلاقات الجيدة مع الرياض، حتى في ظل الخلافات القائمة والتقارب السعودي الصيني.
وفي حديث لموقع الحرة، شدد ميخائيل، على أن "بايدن أظهر بأنه لا يسمح لأحد بأن يلوي ذراعه، سواء كان ذلك من الداخل أو من الخارج، بصرف النظر عن المشهد الاستراتيجي الذي تفرضه العلاقات الدولية في هذه المرحلة".
لكنه عاد ليؤكد عزم السيناتور بيرني ساندرز على "وقف المجهود الحربي للسعودية في اليمن".
وقال: "ساندرز أعرب مرارا أنه لن يكف عن جهوده لوقف الحرب في اليمن، وقال إن بايدن تعهد بدعم هذا المسعى، والآن يبدو أن طريقهما اختلفتا، فلا بد من أن ينعكس ذلك على العلاقات بين الديمقراطيين أنفسهم".
يذكر أن ساندرز قال للصحفيين الثلاثاء: "سأكون واضحا، إذا لم نتوصل إلى اتفاق، سأقوم مع زملائي بإعادة هذا القرار للتصويت في المستقبل القريب وسأبذل قصارى جهدي لإنهاء هذا الصراع الرهيب".
كما لفت ميخائيل إلى أن بايدن لا يريد مزيدا من الخلافات مع الرياض بينما تسعى إدارته لحمل إيران على العودة إلى الاتفاق النووي، "مع ما يمكن أن ينجر عن ذلك من عدم رضا في دول الخليج وعلى رأسها السعودية".
وأضاف "لا تستطيع إدارة بايدن أن تخاصم جميع القوى الكبرى في الشرق الأوسط" مشيرا إلى أن العلاقات الأميركية الصعبة، مع كل من تركيا ومصر والسعودية ولاحقا مع حكومة بنيامين نتانياهو في إسرائيل، "تملي على بايدن أن يستمر في سعيه لتحقيق التوازن بين مواقف حزبه عموما وما تفرضه العلاقات الدولية على أرض الواقع".
يذكر أن الخلاف حول مشروع قرار "سلطات الحرب" يأتي في وقت تشهد فيه واشنطن تدقيقا شديدا يحيط بعلاقات إدارة بايدن مع الحكومة السعودية.
وفي الأسابيع الأخيرة، تعرضت الإدارة الأميركية لانتقادات شديدة لمحاولتها إعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي تتمتع بنفوذ كبير في الأسواق الدولية بفضل احتياطياتها النفطية الوفيرة في وقت كانت فيه أسواق النفط والغاز مضطربة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وكانت زيارة بايدن إلى الرياض هذا الصيف بمثابة نقض لوعد حملته الانتخابية بجعل المملكة العربية السعودية "منبوذة ".
وعندما أعلن تحالف أوبك بلس، قبل أسابيع من انتخابات التجديد النصفي، أنه سيخفض إنتاج النفط، رأى البعض في دائرة بايدن ذلك بمثابة "حركة ضد الرئيس".
وفي أكتوبر الماضي، دعا السناتور بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الولايات المتحدة إلى تجميد التعاون مع السعودية، بعد دعم المملكة لخفض أسعار النفط.
وقال منينديز في بيان إنّه "ببساطة، لا مجال للعب على الحبلين في هذا الصراع: إمّا أنّك تدعم بقية دول العالم الحرّ في سعيها لمنع مجرم حرب من محو بلد بأكمله (أي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين) من الخريطة، أو أنّك تدعمه".