[ نقطة تفتيش لأفراد من المجلس الانتقالي الجنوبي (رويترز) ]
قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن السعودية تبحث عن مخرج مشرف من المستنقع اليمني، ولكن العديد من الصراعات والجبهات عبر الخريطة السياسية والعسكرية للبلاد الممزقة بعد خمس سنوات من الحرب، تقطع عليها الطريق، مما يجعل هذه المهمة شبه مستحيلة.
ففي الشمال -كما تقول الصحيفة- يتجاهلها الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ويواصلون هجماتهم، في حين تصاعد التوتر في الجنوب حول العاصمة المؤقتة عدن بعد إعلان المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا تقرير المصير أواخر أبريل/نيسان الماضي.
وأوضحت لوموند أن هذا المجلس يطمح إلى تحقيق مشروع دولة مستقلة، أو على الأقل إقليم مستقل داخل حدود ما كان يعرف -قبل توحيد البلاد عام 1990- بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، علما بأن الجنوبيين رسميا جزء من الجبهة التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين، إلا أنهم يعارضون الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي "اللاجئ" في الرياض، حسب الصحيفة.
وأشارت إلى أن تصريحات المجلس الانتقالي الجنوبي وإعلانه تقرير المصير وحالة الطوارئ، لا تغير شيئا على أرض الواقع، لأن ميزان القوى كان لصالحه على المستوى الأمني، ولكنه لا يمكنه السيطرة على المؤسسات الرئيسية للدولة رغم تحركات قواته قرب البنك المركزي في عدن.
ومع ذلك، فإن هذه التوترات الجديدة داخل المعسكر المناهض للحوثيين تشكل عبئا إضافيا على الرياض التي يبدو أن جهودها الدبلوماسية على الساحة اليمنية محكوم عليها بالفشل، كما يرى كاتب المقال ألان كافال.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حصلت السعودية -بعد اشتباكات بين أنصار حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي- على ما عرف باتفاق الرياض، الذي وصف بأنه غير دقيق وطموح بشكل مفرط، لأنه يسعى لتنظيم تقاسم السلطة بين الطرفين، إلا أنه بقي حبرا على ورق.
إحباط المهمشين
ويقول المتخصص في جنوب اليمن والباحث بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن ثانوس بيتوريس إن "تصريح الجنوبيين هو قبل كل شيء رمزي، ويهدف إلى تذكير السعوديين بأنهم لا يستطيعون إدارة الجنوب دون مراعاة مصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، وإجبار هادي على التنازلات".
وتحقيقا لهذه الغاية -كما يضيف الخبير- "يكفي الجنوبيين دعما، عدم شعبية الحكومة الرسمية في عدن وما حولها، والدعم الشعبي الذي يتمتعون به هناك، خاصة أن إعلانهم جاء بعد فيضانات غزيرة تُرك فيها سكان المدينة الجنوبية لحالهم، مما أثار إحباط من يرون أنفسهم في الجنوب مهملين ومهمشين ومسيطرا عليهم منذ توحيد البلاد".
ويتمتع المجلس الانتقالي بميزة أخرى -كما يقول الكاتب- هي أن قواته تتلقى منذ العام 2015 دعما لا يتزعزع من الإمارات التي انسحبت رسميا من الأراضي اليمنية، ولكن بعد أن رفعت القدرات العسكرية للجنوبيين وجهزتهم ودربتهم، مما سمح لهم بالسيطرة على المحافظات الجنوبية الغربية، حيث يمارسون نفوذهم في المؤسسات المدنية، رغم أن الموظفين فيها لا يزالون يتلقون رواتب من حكومة هادي.
ومع ذلك -يقول الكاتب- فإن الهيمنة لا تعني السيطرة، لأن المجلس الانتقالي الجنوبي بدون الإمارات، لا يملك الموارد اللازمة لدفع رواتب مقاتليه، كما أن إعلانه تقرير المصير لم يرحب به في جنوب البلاد، حيث لا يزال هادي يتمتع بدعم كبير، لا سيما في محافظة أبين التي نشأ فيها.
خيارات الخروج محدودة
ومع أن السعودية ورثت قضية الجنوب الشائكة بعد مغادرة الإمارات، فإنها لم تجد منها دعما سياسيا لحلها كما يرى الكاتب، بل إن أبو ظبي التي تؤوي قيادة المجلس الانتقالي وبإمكانها استخدام نفوذها عليه لثنيه عن إصدار مثل هذا الإعلان، لم تفعل شيئا، وتركت هذه الأزمة الجديدة تنمو داخل الأزمة اليمنية في أسوأ وقت بالنسبة للرياض.
وقالت الباحثة المختصة باليمن في مركز البحوث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إيلانا ديلوزيير إن "الأمل كان في دفع المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي للتوصل إلى اتفاق، ومن ثم جلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، ولكن الرياض فشلت في الأمرين".
من جهة أخرى، يعلم الحوثيون المدعومون من إيران، أن الرياض تريد الخروج من اليمن بأسرع وقت ممكن، ولذلك يغتنمون الفرصة لتعزيز أوراقهم عن طريق الحرب، رافضين وقف إطلاق النار الذي أعلنته الرياض يوم 9 أبريل/نيسان الماضي ومددته طوال شهر رمضان، معتبرين أنها لم تتشاور معهم.
ويريد الحوثيون -كما يرى الكاتب- فرض السلام على السعودية بشروطهم، لأنهم يسيطرون على صنعاء منذ العام 2014، ويطمحون إلى الاعتراف بهم كأصحاب الشرعية.
وتحت ضغط تقدم الحوثيين نحو مدينة مأرب، تقول ديلوزيير إن "السعوديين ليس أمامهم إلا خيارات محدودة للخروج من الحرب، إذ لا يمكنهم الانسحاب من جانب واحد كما فعلت الإمارات، لأن ذلك سيبقي الحوثيين المدعومين من إيران في السيطرة، وبالتالي ليس لديهم خيار سوى الدبلوماسية".
وفي هذه اللعبة التي لا يتقنونها -حسب الكاتب- لن يجد السعوديون من يعينهم، لأن حلفاءهم من الخليج إلى الولايات المتحدة إلى أوروبا، لديهم أولويات أخرى غير دعم الرياض.