[ تشارك السودان بقوات ضمن التحالف العربي في اليمن ]
في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2015، حطَّت سفينة عسكرية إماراتية، تحمل مئات الجنود السودانيين، معلنة انخراط القوات السودانية البرية في القتال على الأراضي اليمنية. قبلها بأشهر كان الرئيس البشير قد وافق على الدخول في التحالف الذي شكَّلته السعودية من 10 دول عربية وإسلامية لمواجهة الحوثيين، بعد سيطرتهم على العاصمة اليمنية.
لكن ربما يتغير الوضع، خصوصاً بعد تصريحات لوزير الدفاع السوداني، التي قال فيها إن وزارة الدفاع بالتعاون مع رئاسة الأركان "تعكفان على تقييم إيجابيات وسلبيات مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن".
السودان يشارك بقرابة 4000 جندي من القوات البرية، والتي تمثل جزءاً أساسياً من المشاركة البرية للتحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن. وبالتالي فإن فكرة سحب هذه القوات يمثل ضربة قوية لمشاركة التحالف. وحسب مصادر سودانية، فهناك توتر قائم بالفعل بين الخرطوم من جهة وبين الرياض وأبوظبي من جهة أخرى، في ظل وضع الأخيرتين لشروط صعبة أمام السودان، من أجل استمرار دعمهما الاقتصادي للسودان.
السودان يفكر في سحب قواته
حسب ما نشرته صحيفة أخبار اليوم المقربة من الحكومة، في عددها الصادر في 30 أبريل/نيسان، فإن مصادر حكومية كشفت لها عن اتجاه قوي لسحب القوات السودانية من حرب اليمن. وجاء في الأسباب أن الإجماع الشعبي الذي كانت تحظى به المشاركة في البداية اختفى، وأن الضغوط الشعبية لم يعد بالإمكان تجاهلها، بالإضافة إلى أن السودان يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، منعته حتى من صيانة مصفاته النفطية الرئيسية، ما تسبب في أزمة وقود حادة.
أضف إلى هذا ما وصفته بتجاهل من شركاء التحالف، المنشغلين بإنشاء القواعد العسكرية، وتأسيس الميليشيات، وسط خذلان واضح للشرعية اليمنية وللمقاومة اليمنية ضد الحوثيين، ما تسبب في أزمة إنسانية خطيرة في اليمن، وهو ما سيورّط السودان في أزمة مع المواطن اليمني المتضرر من الحرب، والنظر للسودانيين كغزاة. وحاول الإعلام الإماراتي والسعودي نفي هذه التصريحات، واتهام الإخوان المسلمين بفبركتها لضرب التحالف العربي.
لكن في خبر مفاجئ، أعلن وزير الدولة بوزارة الدفاع السودانية، الفريق الركن علي محمد سالم، من داخل قبة المجلس الوطني السوداني، أن وزارة الدفاع بالتعاون مع رئاسة الأركان "تعكفان على تقييم إيجابيات وسلبيات مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن"، معلناً أنهم بعد هذه الدراسة والتقييم سوف يتخذون ما يعود بالمصلحة على البلد وأمنه واستقراره وعزته، وفي نفس الوقت الوفاء بالالتزامات الإقليمية والدولية.
ما الأسبابُ الحقيقية لتغيُّر موقف النظام السوداني من حرب اليمن؟
كشف موقع أفريكان إنتلجنس الاستخباراتي قبل عدة أسابيع عن توتر كبير في العلاقات السودانية السعودية، فقد تحدَّث أن الحكومة السعودية تخاذلت عن دعم الاقتصاد السوداني، رغم تقديم الخرطوم لأربعة آلاف مقاتل لدعمها في حرب اليمن. وأرجع الخلاف إلى اعتقاد السعودية أن السودان لم يقطع علاقاته مع إيران بشكل كامل، ولأنه يتقارب مع تركيا وقطر، متحدثاً عن انتقام السعودية منه بإبعاد آلاف من العمالة السودانية من السعودية، والتباطؤ في تمويل مشاريع سدود متفق عليها في منطقة الشريك، مقابل منح السودان ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة.
من جانبه كشف الصحفي السوداني المتخصص في التسريبات ناصف صلاح الدين عبدالله، معلومات خاصة عما هو غير معلن في الخلاف السوداني السعودي الإماراتي. قال لـ"عربي بوست"، إنه في وسع السعودية والإمارات فكّ ضائقة الوقود في السودان من بنزين وجازولين وغاز، لكنهما آثرتا الانتظار بسبب "وضعهما شروطاً مسبقة أمام التطبيع مع النظام السوداني"، ما اضطره للمناورة باستخدام قواته في اليمن، وتهديدهما بتصدع التحالف الذي يقاتل هناك الحوثيين، ما يعني انهياراً كاملاً لعمليات التحالف.
وأضاف أنه قبل أسبوع زار الفريق صلاح عبدالله قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات السودانية دولة الإمارات، طالباً منهم الدعم، ومشيراً إلى أن "الأمور بلغت الحلقوم"، ليجد أمامه شروطاً إماراتية واضحة: "لا دعم بدون قطع العلاقات مع قطر، وموقف سوداني مؤيد لوجهة النظر المصرية بشأن سد النهضة، فأجابهم أن عليهم طرح هذه الأمور على الرئيس البشير مباشرة، عبر إرسال مندوب للرئاسة، وهو مساعد وزير الخارجية الإماراتي".
أما المملكة العربية السعودية فتطلب من البشير تصفية الإسلاميين، وعدم الترشح للرئاسة من جديد، حتى تستطيع إكمال مسار التطبيع الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية، وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
تغيرت أهداف المشاركين
انضم السودان إلى التحالف تحت شعار "حماية الحرمين الشريفين"، وبهدف إعادة الشرعية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ومحاربة النفوذ الإيراني في اليمن، وسط وعود سعودية بدعم سخي للسودان مقابل ذلك. المقابل كان رعاية الرياض لتقارب الحكومة السودانية مع الولايات المتحدة الأميركية، لرفع العقوبات عن الخرطوم، وعقد مؤتمر اقتصادي لدعم السودان.
لكن الحرب التي اعتقدها الجميع خاطفة، تعثّرت بسبب إصرار الحوثيين على القتال والدعم الإيراني غير المحدود الذي يقدم لهم، وهو ما تطلّب تحوّل القتال في اليمن من القصف الجوي فقط إلى عمليات برية متواصلة، دخلت عامها الثالث، دون إحراز أي تقدم سوى في محور جنوبي اليمن، والذي بات تحت السيطرة الإماراتية المباشرة. لكن بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب للبيت الأبيض، تغيَّرت أولويات المملكة العربية السعودية من محاربة النفوذ الإيراني، إلى الدخول في مواجهة مع دولة قطر عبر تحالف رباعي،
وهو ما ألقى بظلال سيئة على العلاقات السعودية السودانية. فالمملكة العربية السعودية غضبت من تأخر السودان في اتخاذ موقف تأييد مقاطعة قطر، ومن إعلانها بعد ذلك عن الحياد في هذا النزاع، ودعم المبادرة الكويتية للصلح الخليجي. ومما زاد العلاقات توتراً هو الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان للخرطوم، والتي نتج عنها اتفاقات هامة بين الخرطوم وأنقرة، كان أخطرها اتفاق منح السودان لتركيا الحق في إدارة جزيرة سواكن، لعدد غير معلوم من السنوات، ما أطلق عاصفة من الهجوم الإعلامي السعودي والإماراتي والمصري على هذا الاتفاق، وإن كان الهجوم السعودي على الاتفاق أقل حدة، ربما لأن الرياض لا تريد خسارة السودان، حليفها في حرب اليمن.
من حق السودان تقييم موقفه
"عربي بوست" تواصلت مع اللواء ركن معاش، يونس محمود محمد، الخبير العسكري والاستراتيجي، للحديث عما يعنيه الوزير. قال إن تجربة حرب اليمن عمرها الآن 3 سنوات، ومن حق الوزير أن ينحى بهذا الاتجاه، ليرى هل الأهداف التي بموجبها شارك السودان في عاصفة الحزم لا تزال قائمة، أم أنها تحوّلت إلى أهداف أخرى، وهل روح المشاركة الجماعية لا تزال باقية على نفس الأهداف التي بدأ بها التحالف يوم أعلنت عاصفة الحزم، أم ستجدّ في ذلك أمور أخرى.
واضاف أنه لا بد من تقييم ما إذا كانت شرعية اليمن، التي يفترض أن تساندها هذه العمليات، لا تزال هي قناعة هذه الدول، وهل العلاقة مع الحوثيين فعلاً مقطوعة؟ هل الغرض من الحرب هو استئصال الحوثيين، أم يتم التفاوض معهم بشكل سري عبر وسطاء؟ وأوضح أن هذه الأمور يجب دراستها بشكل جيد، لتقدير موقف السودان في مقبل الأيام، هل يستمر في المشاركة برغم الكلفة أم ينسحب رغم التأثيرات السلبية للخطوة.
هل يقبل البشير بهذه التنازلات أمام الإمارات والسعودية
ذكر الباحث السوداني عباس محمد صالح لـ"عربي بوست"، أن ما جرى يعكس مدى خطورة التسرع في اتخاذ قرارات مصيرية بطرق شخصية وغير مؤسسية، كإرسال قوات إلى الخارج بتفاهمات شفاهية بعيداً عن المؤسساتية. وأضاف أن القوات البرية السودانية في التحالف العربي لها أهمية للعمليات، وما عداها من تشكيلات أخرى ليست بذات الأهمية، فليس من الممكن سحب القوات البرية وإبقاء القوات الجوية على سبيل المثال، لأن قيادة التحالف لن تقبل بشعرة معاوية، وهي محاولة القيام بسحب القوات البرية فقط.
وأوضح أن "القادة الجدد للخليج غير مبالين بأي عواقب، وليست لهم إرادة لتحقيق النصر أو لحسم الأوضاع في اليمن"، مضيفاً أنهم شرعوا في استدعاء قوات بديلة، إذا ما انسحب الجيش السوداني، وأسَّسوا ميليشيات موالية كقوات الحزام الأمني. وتابع "هم غير مستعدين للوفاء بأي التزامات اقتصادية، كونهم لم يعد لديهم الأموال التي وعدوا بها السودان، وهم يعانون من أزمة اقتصادية خانقة، لأن الحرب استنزفت خزائنهم".
من جانبه قال اللواء ركن يونس محمود، الخبير العسكري، إن هذا النوع من المشاركات كان من الضروري أن يخضع لدراسة متأنية، ولقراءة متأملة لجملة المتغيرات التي ستحدث، وهي أمور لم تكن لتغيب عن أهل الاختصاص في التخطيط الاستراتيجي العسكري.
وأضاف أن مشاركة السودان في حرب اليمن جاءت على عَجَلَ، دون التأني اللازم، ودون التمحيص ومعرفة شروط المشاركة، والعائد من هذه المشاركة على المستويات كافة. "كل هذه الأمور لم تُقتل بحثاً في مشاركة السودان، فجاءت المشاركة بهذه الصورة الباهتة".
وأوضح "الآن طال مجال الحرب وزمنها، وتأثر الوضع الإنساني، والسودان قطعاً لا يريد أن يكون شريكاً فيما يحدث في اليمن من مآسٍ، ويتحمل عبئاً جديداً أمام منظمات حقوق الإنسان". وقال إن الخروج من هذه المشاركة قطعاً لن يكون كالدخول فيها "حتى تستطيع أن تخرج بأقل الخسائر الممكنة، يجب أن تعرف ماذا ستخسر مبدئياً، فما دمت قد شاركت لحماية أمن إقليمي، فما الذي استجدَّ لكي تنسحب".