لو اجتمعت المجالس المعلنة في اليمن لأصبح لدينا مبنى من عشرين دورا، وفي كل دور مجلس، وفي كل مجلس متشاكسون، وقضايا، ومطالب، وشتات.
إن أحد وسائل التمزيق الناعم لأي بلد يكون في تحويله إلى مجموعة من الشظايا والرؤوس المتعددة.
في هذه الحالة يصعب لملمة أبناء هذا البلد، وتغيب المسؤلية، وتنعدم الروح الوطنية، ويتعمق الشرخ، وتبرز العدوات والأحقاد، والمشاريع الصغيرة، بل يصبح ترسيخ التمزيق أسهل وأيسر، وحينها يغيب المشروع الكبير، ويتصارع أبناء البلد الواحد داخل بلدهم.
ليس هناك داع لكل هذه المجالس المتناسلة، والتي باتت تعمق المناطقية في اليمن أكثر، وتضاعف حالة الاحتقان، وتبدد الهم الكبير لكل اليمنيين.
مجلس رئاسي يتربع في قائمة هذه المجالس، ويتكون من ثمانية أعضاء متناحرين، ثم مجلس لكل محافظة على حدة، ثم عدة مجالس في المحافظة الواحدة، وأحاديث عن استمرار تصدير هذه التجربة لمحافظات أخرى قادمة، تلملم نفسها لإعلان مجلس خاص بها.
هذه الحالة من الشتات لا يستفيد منها اليمن في شيء، بل تسمح لمن يسيطر عليه ولأعدائه وخصومه تمرير أجندتهم، وجعل الجميع يصارعون بعضهم.
لماذا هذه الموضة المدمرة، ومن يسعى ورائها، ويرسخ استنساخها، وإلى أين يتجه المشهد في خضم هذه المجالس المتعددة والمتناقضة والغارقة في وهم الضحية، وخيالات المكاسب الوهمية، والحلول الخائبة.
خلف كل مجلس هناك رقاب تشترى، وولاءات تقدم، وأجندة يتم تمريرها، وأهداف يسعى مهندس هذا المشهد لتحقيقها.
يحدث هذا كله في المحافظات التي تقع تحت سلطة الحكومة في عدن، ومن خلفها الداعمين الخارجين، الذين يمولون هذا الشتات، وكأن الحكومة ينقصها هذه المجالس حتى يتم اغراقها في خضم كل هذه الفوضى.
تغيب المدن التي تحت سيطرة جماعة صنعاء، من هذه الأوبئة الفتاكة، وتظهر اليوم في جسد واحد، وذلك ما كان يتوقع أن يتم في محافظات الحكومة، لتصبح كيانا واحدا قادر على المواجهة والثبات، وتقديم النموذج الأفضل.
لكن للأسف نعيش اليوم تمزيق غير مسبوق، تفتيت المفتت، وتجزأة المجزأ، وإذا أردت أن تدرك الأبعاد والتداعيات ففتش عن المستفيد من هذه الفوضى المدمرة.