على عكس العالم الذي يغادره الصيف حاليا ويعيش خريفا، بدأ موسم الربيع في أستراليا، ولم يكن ينقصه سوى قدوم أيقونة الربيع العربي توكل كرمان إلى سيدني للمشاركة في المؤتمر الأول في سيدني للحائزين على جائزة نوبل برفقة عالمين حائزين على جائزة نوبل في الفيزياء لنظريتهم التي أثبتت تسارع توسع الكون.
في طريقي إلى المؤتمر بالأمس أتصلت برفيقي الثورة والإغتراب عزام العمري وهيثم الزبير ، وكما كنت متوقعا سيأخرنا الرفيق هيثم عن الموعد كعادته في التباطئ وأخذ الأمور على أقل من مهله وهي عادة صحية في عالم متسارع.
وصلنا إلى قاعة المؤتمر في جامعة نيو ساوث ويلز، وكانت المقاعد على وشك الامتلاء، أتخذنا مقاعدنا لنستمع لما سيقوله ضيوف المؤتمر وما ستقوله توكل العالمية للعالم وكان ترقبنا أكثر لما ستقوله توكل حقنا لنا بعد المؤتمر.
تحدثت توكل في مداخلتها وردودها على أسئلة المحاور الذي بدأها بالسؤال الذي يطرحه كل الناس ماذا صنع الربيع العربي وهل ما يحدث حاليا في الوطن العربي هو ما كان يرجوه أبناء الربيع حين خرجوا في ثورات سلمية لتغيير الأنظمة الاستبدادية؟ هل هذا هو التغيير الديمقراطي للربيع؟
بدأت توكل للإجابة عن السؤال بالقول أني كإمراة وأم لأربعة أطفال أدرك جيدا صعوبة الولادة وكل الآلام التي تسبقها وترافقها، ربيعنا العربي يشبه هذه الولادة لكن ولادة الشعوب والأمم تأخذ عشرات السنين وليست أيام أو أشهر، حينما توجهون الإتهام واللوم للربيع العربي تتناسون كم أستغرقت التحولات السياسية والديمقراطية في الغرب وما رافقها من صراعات وثورات مضادة وحروب وانتكاسات ولكن النهاية كانت تحول ديمقراطي عاشته هذه المجتمعات لمئات السنين.
تابعت حديثها،أليس الأجدر بكم لوم الثورات المضادة وداعميها ، تعيش دول الربيع العربي بين أنظمة ملكية وشمولية تخاف من الديمقراطية واي تحول ديمقراطي يحدث بجوارها تعتقد أنه سيهدد وجودها ويحرر شعوبها لهذا وقفت ضد الثورات السلمية وتشاركت السعودية وإيران والإمارات في القضاء على التحول السلمي ودعمت الصراعات المسلحة والانقلابات والميليشيات الطائفية، ثم أن الأنظمة الديمقراطية الغربية ساهمت في الثورات المضادة بدعمها وسكوتها لهذه الأنظمة الاستبدادية بل ودعمها بالسلاح، وهذه الأنظمة الديمقراطية الغربية هي اليوم تعاني أيضا تهديد حقيقي للديمقراطية في مجتمعاتها نتيجة هذه الممارسة فالعنصريين والشعبويين أتخذوا مشكلة اللاجئين الوافدين من منطقة الشرق الأوسط كوسيلة لنشر الكراهية والعنصرية وهذا ليس نتيجة مشكلة اللاجئين بل نتيجة تقاعس وخذلان هذه الأنظمة الديمقراطية من نصر ودعم التحولات الديمقراطية في العالم بل مناصرتها للأنظمة الاستبدادية هو من سبب مشكلة اللاجئين.
أسهبت توكل وبل وكانت حادة جدا في نقد الأنظمة الغربية التي ترفع شعار الديمقراطية لكنها تخلت في حقيقة الأمر عن الدفاع عن قضية الديمقراطية والعدالة والا لما كان العالم يشاهد الآن إبادة غزة دون أن يحرك ساكنا، نحن في مرحلة نشاهد الأنظمة الاستبدادية تتوحد ، بينما الأنظمة والمؤسسات الديمقراطية تتشتت وتضعف وتتخاذل.
وفي اجابتها لسؤال ماذا يمكن أن نفعل الآن؟ قالت أولا يجب على كل فرد فينا أن لا ييأس ويكفر بالديمقراطية بل ويستمر في النضال، أني شخصيا أعتبر محاربة الاستبداد في العالم قضيتي الشخصية ليس فقط في بلدان الربيع العربي بل في العالم كله من بوتين إلى ترامب. ثم أنه يجب على المؤسسات الداعمة للديمقراطية والأنظمة الديمقراطية أن تعيد التفكير بحقيقة إيمانها بقيم الديمقراطية والعدالة وتفعيل قيمة المحاسبة لكل مسؤول مخطئ، لا يعقل مثلا أن يكون شخص مثل ترامب في قلب العالم الديمقراطي المتهم بالتحريض على العنف وممارسة العنصرية ومهدد حقيقي لقيم العدالة نجده يفر من المحاسبة بل يعود كمنافس قوي للرئاسة.
كانت توكل تتحدث بشموخ وتفاؤلية شباب الربيع العربي المؤمن بحتمية الإنتصار وقد أعادت بعث روح التفاؤل فيا وأعادتني إلى أجواء ساحة الحرية والتغيير، بعد أن كان الإحباط بدأ في التسلل إلي كأغلب شباب الربيع ، بل أن بعض هؤلاء الشباب بسبب إحباطهم أنقلبوا لمهاجمة ذواتهم الثورية القديمة ورفاقهم في الساحات ومنهم توكل ويسلطون عليهم سيل النقد اللاذع أكثر من توجييها لزعماء الميليشيات والثورات المضادة الذين دمروا أحلامهم وأوطانهم.
كانت توكل تتحدث بلكنتها الإنجليزية اليمنية البسيطة النسخة اليمنية الأكثر إشراقا وتفاؤلية-بعض الشباب اليمنيين ينتقدوها حد السخرية بسبب لكنتها الإنجليزية وهم لا يستطيعون الحديث بنفس مستواها اللغوي رغم دراستهم البكالوريوس والماجستير والدكتوراة في جامعات إنجليزية في الخارج-أما أنا وكل الحاضرين الأجانب في القاعة كنا نستمع لإيمانها وثقتها بالمستقبل المتدفق من حديثها الصادق وتدوي القاعة بالتصفيق مع كل عبارة تفاؤلية ومؤمنة بشباب المستقبل.
مع نهاية المؤتمر أصطف متحدثي المؤتمر في المنصة لإلتقاط صورة جماعية، تقدمنا للقرب من المنصة ثم فجأة ناداها الرفيق هيثم بلهجته اليمنية "وااتوكل" ألتفتت بكل شغف كأنها عادت إلى اليمن ووقعت نظرتها علي لترد أهلا يا سامعي.
أخذناها هي وزوجها النبيل الأستاذ محمد لأقرب مطعم لبناني كما نأخذ أي زائر يمني بسيط دون ألقاب عالمية،في طريقنا من القاعة إلى السيارة كان طلاب وطالبات الجامعة الذين حضروا المؤتمر يبتسمون لها ويصافحونها مرددين شكرا لقد أبليت حسنا.
بدأ المطر يهطل قبل وصولنا إلى المطعم لتناول وجبة العشاء وتبادل أطراف الحديث مع توكل اليمنية حقنا، أوقفنا السيارة في الإتجاه المقابل للمطعم وكان ممر المشاة بعيدا وأغلب المارة يقطعون الشارع بين السيارات بسبب المطر، حاولنا أن نفعل الأمر نفسه لكنها رفضت ومشت بنا إلى ممر المشاة قائلة يجب أن نكون نموذج لإتباع النظام العام، ثم أني ألبس الحجاب ويتوجب علي أن أكون جديرة بتمثيله بأفضل صورة،لاحظت أنها فعلا في أغلب ظهورها العام لا زالت مرتدية الحجاب والبالطو اليمني الأسود-شخصيا لا أعتقد أن هذا الأمر بذلك الأهمية،لكنه ربما يحمل رسالتين ،الرسالة الأولى للنساء اليمنيات، حقوق المرأة وحريتها ليس فقط بنوعية اللباس الذي تلبسه بل بكونها فرد فاعل وواعي في المجتمع وليست مجرد تابع، الرسالة الثانية للعالم الغربي الذي يتخذ من حجاب المرأة المسلمة كوسيلة لوصمها بالتخلف الحضاري-توكل تخبرهم هاهي المرأة المسلمة لم يمنعها الحجاب من أن تصبح رمزا عالميا للنضال ومقاومة الاستبداد والسلام.
في المطعم،تحدثنا نحن وهي أستمعت، عزام يحدثها عن مآلات الربيع العربي، هيثم يحدثها عن تجربته في وظيفته في جوجل والفيس بوك ويطرح عليها فكرة حماية الشخصيات المهمة في السوشيال ميديا ، أنا أراقب تصرفاتها وردودها كممارسة حديثة أتخذها لتكوين نظرياتي الخاصة عن الشخصية اليمنية بشكل عام، ثم أحدثها بين الفينة والأخرى عن إمكانية مساهمتها في رفع مستوى الوعي لدى أبناء الجاليات اليمنية في المهجر ليصبح لهم دور حقيقي خصوصا النساء.
أكملنا تناول وجبة العشاء وجاءت نادلة المطعم لرفع الأطباق وتنظيف الطاولة وبتلقائية المرأة اليمنية التي تخدم نفسها بنفسها ودون تصنع ألتقطت توكل الأداة شاكرة النادلة وقامت بمسح مكان طبقها.
أوصلنا توكل ومحمد اليمنيان الشرعبيان إلى الفندق الذي يقطناه وقبل أن يودعانا، قالت توكل أريد منكم أن تعيشوا فاعلين في المجتمع الأسترالي وكأنكم وأبناءكم ستحكموه في المستقبل حتى تدور الدائرة في بلداننا وإن عدتم تكونوا أنتم وأبناءكم جاهزين ومؤهلين لبناءه.