[ نائب المبعوث الأممي معين شريم في صنعاء ]
ما بعد الزيارة التي يقوم بها نائب المبعوث الأممي إلى اليمن، معين شريم، إلى العاصمة اليمنية صنعاء، ليس كما قبلها، وفقاً لأنصار الحوثيين، الأمر الذي يتعزز، بتوقيت الزيارة، بعد التطورات الكبيرة التي شهدتها البلاد، خلال الشهر الماضي، والجمود الذي أصاب مسار السلام، الذي ترعاه الأمم المتحدة. ويبدو أن المرحلة المقبلة ستتضمن إما العودة إلى المفاوضات، أو التوجه إلى موجة جديدة من التصعيد العسكري، على أكثر من جبهة في البلاد، فيما حدد الحوثيون البحر الأحمر، مجالاً للرد على أي تصعيد مقبل.
وللمرة الأولى منذ تصاعد الحرب في البلاد، أظهر الحوثيون، خلال زيارة نائب المبعوث الأممي، الذي يزور صنعاء، منذ يوم السبت الماضي، ترحيباً لافتاً بالجهود الأممية الرامية لاستئناف مشاورات السلام، وألقوا بفشل الجولات السابقة، على المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وأظهروا، في الوقت ذاته، أقصى درجات التعاون والترحيب المعلن، على الأقل، مع نائبه المعين منذ شهور.
ووفقاً لمصادر في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، فإن تعاون الحوثيين مع شريم لم يقتصر على الترحيب، بل شرعت الجماعة في خطوات تحاول من خلالها تهدئة الضغوط التي تواجهها، إذ أطلقت، خلال اليومين الماضيين، سراح أكثر من 209 معتقلين من أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام والرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، بعد أن كانوا محتجزين على خلفية أحداث مطلع الشهر الماضي، والتي قتل خلالها صالح، واستولى الحوثيون إثرها على منازله ومنازل أقاربه، واعتقلوا المئات من أنصاره.
وكان رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، الذي يمثل واجهة أعلى سلطة، في مناطق سيطرة الحوثيين، ويذكر اسمه في وسائل إعلامها، مسبوقاً بوصف "الرئيس"، صالح الصماد، أطلق تصريحات غاية في الأهمية، على أكثر من صعيد، خلال اللقاء بنائب المبعوث الأممي، أول من أمس، بما فيها الترحيب غير المسبوق بجهود الأمم المتحدة. وقال الصماد "نحن سعداء بهذه الزيارة في هذا الظرف الاستثنائي والحساس".
وعبر عن أمله في أن "تمثل هذه الزيارة بداية انفراجة للعملية السياسية"، قائلاً "نحن جاهزون بمنتهى التفاهمات والحرص على السلام ومد أيدينا للسلام، وما بعد هذه الزيارة ليس كما قبلها"، وهي لغة غير معتادة من الجماعة، خلال العام الماضي على الأقل، بعد أن كانت ترفض مجرد الدخول في نقاش المقترحات الأممية. ويحمل حديث الصماد، عن أن ما بعد زيارة الوفد الأممي لصنعاء ليس كما بعدها، أكثر من تفسير. فمن جهة اعتبر محللون سياسيون يمنيون أنها قد تكون مؤشراً على تنازلات قدمتها الجماعة، بشكل غير معلن، وباتت ترى أنها كافية لتحريك مسار المفاوضات، كما ظهر من خلال تصريح القيادي البارز وعضو الوفد المفاوض عن الجماعة، حين تجاوز الحديث عن مسألة قبول الدخول في مفاوضات من عدمها، إلى الحديث عن أن الوفد المفاوض المقبل، سيكون وفداً واحداً برئيس واحد "يمثل الشعب وقيادته وليس الأحزاب"، في إشارة إلى أن الجماعة ستتولى هي تأليف أعضاء أي وفد مفاوض في المرحلة المقبلة، وليس كما حصل في المشاورات السابقة، إذ كان الوفد مؤلفاً من فريقين بالمناصفة بين الحوثيين وحزب صالح، ولكل فريق رئيسه.
وعلى الرغم من النبرة الترحيبية من الحوثيين، بإحياء مسار المفاوضات والعودة إلى الحل السياسي، إلا أن الصماد، وأثناء اللقاء مع شريم، أبدى تحفظاً على مقترح الأمم المتحدة الخاص بميناء الحديدة. وقال إن "أي خطط جزئية كما هو مطروح في موضوع الحديدة ضياع للحلول والوقت"، مؤكداً رغبة الجماعة "في السلام والدخول في أي مفاوضات"، ولكن ذلك مشروط "في حال لمسنا رغبة وجدية" من الأمم المتحدة وما أسماها بـ"دول العدوان" في تحقيق السلام. وأضاف إن "أول المؤشرات إثبات حسن النوايا برفع الحصار وفتح مطار صنعاء الدولي وإيقاف الضربات الجوية وطلعات الطيران".
وكان واضحاً من خلال تصريحات قيادات الجماعة، أنها ترى في الزيارة التي يقوم بها الوفد الأممي إلى صنعاء، بمثابة محطة سياسية غاية في الأهمية، في ظل المستجدات التي شهدتها البلاد في الشهرين الأخيرين. وهي بالفعل بالنظر إلى التوقيت والمعطيات الميدانية والسياسية المختلفة بالبلاد، على قدر كبير من الأهمية، إذا نجحت برفع فرص العودة إلى المفاوضات وتهدئة الجبهات العسكرية. وفي المقابل، فإنه من المتوقع أن يكون فشلها بداية لموجة جديدة من التصعيد العسكري، تستعد لها قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية بدعم وإشراف من السعودية والإمارات، مثلما يستعد لها الحوثيون، بحملات تجنيد شبه مستمرة، والإعلان عن أساليب جديدة في الرد على التصعيد، على غرار استهداف مقاتلات حربية للتحالف أخيراً.
وفي السياق، كانت أبرز رسالة أوصلها الحوثيون، خلال لقاء الصماد مع شريم، التحذير من أنه وفي حال واصل التحالف التصعيد باتجاه مدينة الحديدة الساحلية، والتي يقع فيها المرفأ الأول في البلاد، فإن الجماعة ستلجأ إلى "خيارات استراتيجية"، منها تعطيل الملاحة في البحر الأحمر. وقال الصماد إن "هناك خيارات، سيتم استخدامها في طريق اللاعودة، وأثناء وصول الحل السياسي إلى طريق مسدود ومنها خيارات قطع البحر الأحمر والملاحة الدولية". وقد اضطر الحوثيون، في وقت لاحق، إلى حذف الفقرة الخاصة بتهديد الملاحة، من موقع وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ)، على ما يبدو، نتيجة لانتقادات توجهت للجماعة، على خلفية التهديد، خصوصاً أن الحديث عن "طريق اللاعودة" يُفهم منه كذلك ضيق أفق الخيارات أمام الجماعة في مقابل التصعيد.
وتوقع الحوثيون، كما كشف عن ذلك الصماد، خلال اللقاء مع شريم، تصعيداً عسكرياً كبيراً من التحالف في المرحلة المقبلة، كما حصل بالترافق مع جولات سابقة من جهود المفاوضات و"الهدن"، التي أشرفت عليها الأمم المتحدة. وأكدت، في السياق، مصادر مقربة من الحكومة الشرعية، لـ"العربي الجديد"، وجود استعدادات لتحركات عسكرية في الفترة المقبلة، من المتوقع أن تتم على أكثر من محور، بعد أن تمكن الحوثيون، خلال الأيام الماضية، من استعادة زمام المبادرة نسبياً وإيقاف وتيرة تقدم القوات الموالية للشرعية في بعض الجبهات، والانتقال إلى الهجوم في أحيان أخرى.
من جانبه، كان واضحاً تركيز نائب المبعوث الأممي، على المقترحات الأممية الخاصة بميناء الحديدة، والتي تتضمن تسليم الميناء لإدارة طرف محايد، مقابل استمرار عمله باستقبال المساعدات والواردات الحكومية، ومنع تصعيد التحالف والشرعية الهادف لإغلاق الميناء.
ولعل الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان شريم، الذي يزور صنعاء للمرة الأولى منذ تعيينه نائباً لمبعوث الأمم المتحدة إلى البلاد، في سبتمبر/أيلول الماضي، سيتمكن من إحياء مسار المفاوضات والتهدئة على الأقل، أو يعود التصعيد العسكري من جديد، كما كان يحصل، عقب، أو بالترافق مع فشل أي جولة مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة.