[ مزارع يمني في احدى مزارع القمح المحلية ]
تعتري الأوساط الدولية المعنية بالشؤون الزراعية، مخاوف من انتشار فطر صدأ ساق القمح عبر اليمن، ليصيب مناطق إنتاجه الرئيسة في العالم، مدمرًا مساحات هائلة من زراعات المحصول، بالغ الأهمية للأمن الغذائي.
صدأ ساق القمح -أو الصدأ الأسود- هو مرض يصيب بعض المحاصيل الزراعية الأساسية، مثل القمح والشعير، ويسببه فطر من فصيلة البوشينية، ويصيب كل الأجزاء الخضرية بالنبات، إلا أن معظم الضرر يكون بسوقه.
وفق تأكيد صلاح الحاج حسن، ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في اليمن، فإن ”كونه بوابة لقارة آسيا [من جهة الجنوب الغربي] جعله إحدى المناطق المهمة للبحث والدراسة وتكثيف الجهود فيما يتعلق بانتشار المرض“.
فالقمح مصدر الغذاء والمعيشة لأكثر من مليار شخص بالدول النامية، ووفقًا لتقديرات ’فاو‘ فإن 31 بلدًا -في شمال وشرق أفريقيا والشرق الأدنى وغرب ووسط وجنوب آسيا- تمثل موطنًا لنحو 37% من الإنتاج العالمي للقمح، وجميعها عرضة للإصابة.
وفقًا لدراستين أصدرتهما مجموعة من العلماء بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، مطلع عام 2017، فإن سلالات جديدة من الصدأ الأصفر (الشقران) والأسود، ظهرت في عدة مناطق من العالم في عام 2016، مع انتشار استمرار السلالات القديمة، إذ شهد مرض صدأ القمح المزيد من الانتشار في كلٍّ من أوروبا وأفريقيا وآسيا.
لتتبعهما دراسة أخرى نُشرت خلال الربع الأخير من العام المنصرم، في دورية نيتشر للنباتات، اهتمت بتحديد وتتبُّع مسارات انتشار الفطر المسبب لصدأ ساق القمح عبر القارات، لتؤكد أن ”اليمن مفتاح أساسي لانتشار المرض“.
و”اليمن يشكل جسرًا أخضر لعبور تلك الأمراض إلى كبريات الدول الزارعة للقمح“، كما يقول لشبكة SciDev.Net وجيه المتوكل، الخبير في الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي باليمن.
زميله عبد الله سيلان -منسق أبحاث القمح بالهيئة- يوضح المسار المتعارَف عليه في انتشار أمراض صدأ القمح؛ إذ ينتقل المرض بدءًا من أوغندا ثم كينيا ثم إثيوبيا ثم اليمن، ومنها إلى الدول الآسيوية وحتى أستراليا وأمريكا الشمالية.
و”الرياح الموسمية هي السبب الرئيس لانتقال الفطر المسبب للمرض من أفريقيا إلى اليمن. فبمجرد ظهور أية سلالة جديدة في إثيوبيا، وبسبب حركة الرياح، تظهر مباشرةً في اليمن“، وفق سيلان.
ويشير المتوكل إلى أنه منذ ظهر الفطر لأول مرة في اليمن عام 2006، رُصدت موازنات كبيرة لمواجهته، ونُفذت مشروعات كثيرة في هذا الجانب.
يوضح سيلان أن الكواشف الدولية التي زُرعت في منطقة جهران بمحافظة ذمار وسط البلاد، تمكنت وقتها من اكتشاف السلالة الشرسة من فطر صدأ ساق القمح، التي سُمِّيت من قبلUg99 ، حيث اكتُشفت في أوغندا عام 1999.
وتحمل هذه السلالة أنماطًا فريدة من القدرة على التكاثر والإمراض، إذ استطاعت التغلب على الأصناف المقاومة للآفات.
فالانتشار المتواصِل للمرض وظهور مُتغيّراتٍ من سلالات الفطر زادت من إضعاف مقاوَمة الجينات الرئيسة التي صَمَدت له من قبل، بل وحطمتها على نحوٍ يُؤْذِن بتفاقُم التهديدات التي يشكِّلها.
لذا، فإن ديفيد هادسن -الخبير لدى (الفاو)- يحذر منذرًا: إذا كانت الظروف مواتية، ”فإن مرض الصدأ الأسود، قادر على إحداث خسائر تصل إلى فقد المحاصيل بنسبة 100٪ في غضون أسابيع“.
وتُسهم الرياح في انتشار المرض بسرعة عبر مساحات واسعة. . وإذا لم يُكتشَف ويعالَج مرة واحدة، فإنه يتلف المحاصيل ذات المظهر الصحي قبل أسابيع من حصادها، ويحولها إلى محض أوراق صفراء واهية، وسيقان سوداء، وحبوب هزيلة ذابلة عند الحصاد.
وفي ظل هذه الخطورة كثـفت الفاو -بالتعاون مع شركائها- الجهود المبذولة في تدريب المختصين في الدول المتضررة، وخصوصًا اليمن، لتعزيز قدرتهم على اكتشاف سلالات الصدأ وإدارتها.
يقول سيلان: ”حاليًّا، وفي ظل الظروف التي يمر بها اليمن، انخفض مستوى التواصل إلى حد ما، ومُنع وصول المواد المهمة لمتابعة تطور المرض“.
بيدَ أن الهيئة تعمل على متابعة زراعة الأصناف المقاومة لأمراض الصدأ (أسود وأصفر وبني)، وتمت دراستها في الأعوام السابقة، ما يَحْجُمها كثيرًا، وعند الشك في الإصابة الشديدة للمحصول مستقبلًا يُرَش بمبيدات فطرية تقلل من اشتداد المرض وتحد من انتشاره.
ورغم أن الخطر ما زال محدقًا، يستعد مزارعو اليمن للتوسُّع في زارعة القمح خلال الموسم الصيفي في فبراير المقبل، خصوصًا في محافظات صعدة والمحويت وعمران والجوف، ما يُبقي التهديدات لزراعات القمح في شتى الأنحاء، ويجعل المخاوف والقلق بشأن الأمن الغذائي العالمي قائمين.
وفي رأي حسن فإن ”الحل يكمن في تبادل المعلومات والمواد والتنسيق المستمر بين المنظمات والجهات المعنية، بما يساعد على تجاوُز الخطر قبل استفحاله“.
*نشرت المادة في موقع بوابة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا بشبكة العلوم و التنمية SciDevNet و المهتمة بتغطية قضايا العلوم و التنمية فى الدول النامية.