لم يكن الزمن يشير الى أن ثورة تلوح في الأفق.
وعلى الرغم من أن كل ظروف الثورة كانت متوفرة منذ سنوات طويلة، الا أن صالح كان قد سد جميع منافذها، وجعل من فكرة سقوطه تبدو مستحيلة وتحتاج إلى معجزة.
كانت الجمهورية قد صارت ملكاً له ولعائلته، ففي يده كل الأجهزة الأمنية، والجيش، الذي من المفترض أن يكون على رأس أي تحرك للإطاحة بصالح وعائلته بعد أن فشلت العملية السياسية بالقيام بذلك، لم يعد جيشاً، بل صار تشكيلاً مسلحاً لحماية إرث العائلة وتأبيد حكمها، وإلى جانب السيطرة المحكمة على كل المنافذ المالية والإعلامية، فقد كان من شأن كل ذلك جعل التفكير بمنافسة صالح أو مواجهته مغامرة لن تقود إلا إلى الخسارة التامة، وكان الجميع في انتظار ما الذي سيجود به صالح نفسه من إصلاحات تجمل وجه سلطته، وتوزع بعض من فتاتها على أقوى من في ساحة مقابل سكوته.
في المجال السياسي كانت الديمقراطية الصورية المعمول بها منذ مطلع التسعينات قد وصلت إلى خط النهاية الذي أراده المخلوع، وبعد تجربة تنافسية وحيدة في العام 2006 اكتشف صالح أن المضي في هذا الطريق، والتمادي في هذه اللعبة الخطرة، سيجعل من الأمور تفلت من يده، وتصل به إلى النهاية التي يخشاها كل ديكتاتور فهلوي.
بالمجمل، ما إن حل العام 2010 إلا وكان صالح قد وصل إلى مرتبة الألوهية، لم يعد يرى أحداً في البلد سواه، ولم يعد يفكر بشيء سوى توريث سلطته وتقسيم تركته بين الأبناء، وكأن أكثر من 25 مليوناً من اليمنيين ليسوا سوى متاع بانتظار نقل الملكية!
ولكن المعجزة حدثت، باغته الشارع في فبراير 2011.
الشارع كان هو الفضاء الوحيد الذي لم يحسب صالح حسابه، مطمئناً إلى ما فعله خلال ثلاثة عقود، والذي كان يمضي نحو تأكيد أن فكرة ثورة شعبية لن تحدث، ولكنها حدثت.
خرج الشعب، منذ الوهلة الأولى أمام جامعة صنعاء، يرفع شعارات ثورية لا لبس فيها على غير العادة، والتي تقرر أن يبدأ أي تحرك شعبي بمطالب إصلاحية، تجرها ردة فعل الأنظمة الديكتاتورية نحو التصعيد باتجاه الثورة.
صعق صالح، وأدرك من تلك اللحظة، ربما حتى قبل أن تدرك القوى السياسية المعارضة لنظامه، أن لحظته قد أزفت، وحان وقت الرحيل.
كان الرحيل غير مقبول، ولا وارد في حسابات رجل كان قد تحول الى إله صغير يحكم (ضيعة) لا قوي فيها سواه، ومن هنا جاءت ردة فعله العنيفة فيما بعد.
بعد أكثر من ثلاثين عاماً في سلطة جاءت له على طبق من ذهب، وقبل سنوات قليلة من تحقيق حلمه التالي (نقل ملكية الشعب إلى نجله) يأتي من يقول لرجل كهذا: انتهى الوقت!
كان هذا أمراً قاسياً، ولا يمكن تصوره نفسياً من الشخص المعني بالخطاب، خصوصاً إذا كان يمتلك ما يراه قادراً على إخراس من يجرؤ على قوله للأبد.
في اللحظة التي أدرك فيها صالح أنه ذاهب إلى مكان لن يجد فيه سوى أمثاله من المستبدين والقتلة، كان قد قرر إحراق البلد، وهو ما يفعله الآن بعد 6 أعوام من تلك اللحظة، على الرغم من كل الكرم الذي لاقاه من شعب لم يكن يريد الوصول إلى هذا المآل.
منذ ستة أعوام لم يعد صالح سوى جثة، لكنها جثة ملعونة سببت خراباً شاملاً سنحتاج إلى عقود طويلة لانتشال ركامه.
كمال حيدرة - ناشط شبابي وإعلامي في الثورة الشبابية.
المقال خاص بالموقع بوست