[ من اعتصامات ثورة فبراير 2011 ]
أتت الحركات الثورية والتغييرية في اليمن تحقيقاً للمطالب التي انبرى الشباب يناضل بصدورٍ عارية من تحت ركام الظلم والقهر والاستبداد من أجلها، أولئك الفتية الذين تفجرت أصواتهم من حناجرهم المبحوحة في وجوه الظلم، يحدوها أمل التغيير وانتزاع حقها المشروع في العمل والمشاركة في الثروة وصناعة والقرار، مقتحمة العقبات المعيقة لها إلى الحد الذي عند شواطئه هانت أمامها التضحيات والقربات الروحية المستمرة دون انقطاع.
ذلك إن خنوع الشعوب يؤدي إلى الفقر، والفقر يقودها إلى بيع إراداتها السياسية لحكامهم الفاسدين، بزهيد من المال يستخف بهم حكامهم فيبيعون مصادر أقواتهم لنخبٍ اقتصادية، وشركات تجيد اللعب على أوتار الفساد المرضي للنخب الفاسدة، الأمر الذي يليه في العادة الاستحواذ على مقدراتهم المادية، فيُحرَم على إثرها الشعوب من تلك الحقوق، فُيدركون في غفلة من زمن أن وطنهم صار ملكاً لغيرهم، وتصبح أزِمَّة عقولهم بأيدِ اللصوص، تسيرها حاجيات أقواتهم، حينها تنتهك كل الحقوق حتى في أبجديات العيش والمواطنة المتساوية.
ومن ثم يأتي استنهاض الشعوب للتلاحم والاندفاع نحو المطالبة بالحقوق والحريات والوقوف في وجه الدكتاتوريات المحتكرة للسلطة على أساس مذهبي عرقي أو طائفي، واجب وسنة من سنن العالم الافتراضي القائم على مبادئ العدل والمساواة الركيزة الأساسية لرغد الشعوب وأمنها وسموها كما قُدِرَ لها أن تعيش.
وعليه فقد انطلقت ثورة فبراير 2011 من قلوب كل شباب اليمن، حاملة معها مرايا الزمان، التي عكست كل التضحيات والمبادئ الخالدة، فكانت امتداداً وتصحيحاً للثورات التي قام بها الأولون، التي لم تكتمل بسبب عدم الفهم الحقيقي لصحة أهدافها، وتفرق القائمين بها عندما طفت على السطح مستبطنات الأمور فشتت رفقاء السلاح بعد انهزام العدو.
ثورة الشباب كانت الملحمة الثورية الحقيقية الناضجة على كل الصعد، كانت الحلم الذي تماهت فيه كل الإرادات وكل التباينات وكل القُبُل في كرنفال ثوري مجتمعي شامل، فكانت إلهام هذا الزمان المليء بالعنف والكبر والجبروت، الذي واجهته بالسلم والصدور العارية ذلك السلاح الوحيد الذي كان لا يمكن لها أن تتحقق إلا به، مقترناً بصدق الهمم العالية.
ثورة شباب اليمن أبهرت كل العقول وغيرت كل المفاهيم السيئة، العالقة في ذاكرة بعض الشعوب، عن شباب هذا الوطن عن علمه وطهر طموحه اللامحدود، محت كل الصور القاتمة عن حبنا للوطن وعن إخلاصنا للعقيدة، وأثبتت أنَّا بلاد الحضارات وصنَّاعها، إذ لا زالت تجري في عروقنا كما تجري الدماء في شرايينها تغذي الجسد.
كانت ثورة فبراير نجاحاً لنا وللأعداء والموهومين الفقراء إلى الصدق من أهلنا، كانت تطهيراً لأرواحهم رغماً عنهم، وعن الإرادات المبنية على المصلحة الآنية، أمام ضمائرهم المسحوقة بفعل النظام الهالك الناكث للعهد المرتمي في أحضان الكهنوت، الذي سحقته ثورة الشباب السلمية الخالدة ومحته من ذاكرة الزمان، وتاريخ اليمن الإتحادي الحديث.
وتباعاً لابد من التطوير الذاتي الدائم للشباب ونهوض الشعب لمواجهة كل التحديات التي لا زالت ماثلةً للعيان، ومراجعة كل الأخطاء التي رافقت قيام الثورة وأعثرت نتائجها والتي إن أنكرناها نكون قد تجازونا الصواب وجانبنا الحقيقة، أخطاء كل التيارات السياسية والحزبية وخصوصاً أولئك الذين عاشوا وهم القوة الصاعدة المتمثلة بالحركة الحوثية، حد تعبير أحد الموهومين بزيف الحقيقة، الأخطاء التي مارستها كل القوى لاحقاً كيداً بالبعض ونكاية وخوفاً من تولي وسيادة البعض الآخر.
ولابد أيضاً من يقظة السير واستمرار الثورة في كل الميادين الثقافية والعلمية والاقتصادية التصحيحية الشاملة، وإزالة الشكوك وزراعة الآمال وبناء الثقة بين كل الشركاء في بناء الوطن وتقديم مصلحة الأمة اليمنية على كل ما دونها من المصالح الشخصية الحزبية أو الطائفية والابتعاد عن مربع الأنانية الضيقة التي أشعلت الحرب وأوردتها المهالك التي لن تنتهي آثارها عن قريب.
* دمحمد شداد اكاديمي يمني في ماليزيا.
المقال خاص بالموقع بوست