[ صواريخ صادرتها القوات الأمريكية وقالت إنها كانت في طريقها للحوثيين ]
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تصنيف جماعة الحوثي اليمنية منظمة إرهابية، وأدرجتها على قائمة الإرهابيين الدوليين، وهو ما يمثل عرقلة كبيرة للجماعة، ويقيد وصولهم للأموال، ويوجب معاقبتهم على أعمالهم.
ويعد هذا التصنيف الثاني للولايات المتحدة، بعد تصنيفها في العام 2020م، خلال الأشهر الأخيرة لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وألغته إدارة جو بايدن عقب وصولها للسلطة.
يعد هذا الإجراء أرفع خطوة للولايات المتحدة في استهدافها للحوثيين، وجاء بعد سلسلة هجمات نفذتها الجماعة على سفن أمريكية، وأخرى دولية، وسفن تابعة لإسرائيل بحجة مناصرتها لقطاع غزة الذي يتعرض لحرب إسرائيلية منذ السابع من أكتوبر الماضي.
الخطوة الأمريكية اشتدت وتيرتها مع مهاجمة الحوثيين لسفن أمريكية في البحرين الأحمر والعربي، ووصل حد الاشتباك المباشر بين الطرفين، ما دفع واشنطن للتحرك وإنشاء تحالف عسكري يعرف بـ "حارس الازدهار"، ويتكون من عدة دول أبرزها بريطانيا وهولندا وأستراليا وكندا والبحرين، ثم شنها هجمات جوية على اليمن في الثاني عشر من يناير الجاري.
القرار الأمريكي حدد ثلاثين يوما لدخوله حيز التنفيذ، وهو ما يشير إلى أن واشنطن لاتزال تأمل مراجعة الحوثيين لأنفسهم، والتوقف عن مهاجمة السفن، قبل أن يصبح ساريا، ما سيولد العديد من التداعيات الإنسانية في المقام الأول، وتنبهت واشنطن لهذه النقطة، وقالت في نص القرار إنها ستعمل على ضمان وصول الشحنات التجارية للموانئ اليمنية، وذلك ربما تهربا من الضغط الذي تبديه منظمات العمل الإنساني الدولية، التي كان لها الدور الأكبر لدفع واشنطن نحو التراجع في المرة السابقة.
من شأن القرار الأمريكي أن يعيد تصفير المشهد في المنطقة بشكل عام، وفي اليمن بشكل خاص، إلى اللحظات الأولى، قبل أكثر من عشر سنوات، إذ أن القرار سينسف كل الجهود المبذولة للسلام، ويعيد فرز الأطراف المحلية والإقليمية، وفقا لقاعدة مع أو ضد، سواء بالنسبة للجانب الأمريكي، أو للحوثيين.
هذا القرار جاء بعد سلسلة قرارات سابقة اتخذتها الإدارة الأمريكية، بحق قيادات في جماعة الحوثي، وأخرى متعاونة معها، داخل وخارج اليمن، خاصة في الجانب المالي، في خطوة استهدفت التضييق المالي على الجماعة، وتقييد وصولها للمال.
وليست المرة الأولى التي تتعرض جماعة الحوثي لعقوبات أمريكية أو أممية، فمنذ العام 2014م، وهو العام الذي أسقطت فيه الجماعة العاصمة صنعاء، فرضت الأمم المتحدة سلسلة عقوبات علي قيادات في الجماعة، على رأسهم زعيمها عبدالملك الحوثي، وأبوعلي الحاكم، وعبدالخالق الحوثي، وشخصيات أخرى، ولاتزال القرارات سارية، ويجري تجديدها كل عام.
لذلك يأتي القرار الأخير بلا أي وزن بالنسبة لجماعة الحوثي، فكل تلك العقوبات السابقة لم تؤثر في بنيتها التنظيمية، أو تحد من تحركاتها، أو تنال منها، بل إنها تمكنت من التوغل داخل اليمن، وحسم الكثير من المعارك، وبناء دولتها الخاصة، ووصلت لدرجة الندية الكاملة، للحكومة الشرعية، بل وتفوقت عليها.
والواضح من سياق وتطورات الأحداث أن كلا من الحوثيين وواشنطن دخلا مرحلة جديدة من المواجهة، بعد فشل الخيارات الدبلوماسية، والمواجهة العسكرية، وتوجت بالقرار الجديد، الذي يعكس رغبة أمريكية بإنهاء الاحتقان في الملاحة الدولية، وبنفس الوقت يشير إلى استنفاذها للخيارات المتاحة في التعامل مع الحوثيين، وإبقائها أيضا الباب مفتوحا للمراجعة والتفاوض.
ويوحي الأمر أن واشنطن لا ترغب في تفجير حرب شاملة في اليمن، وتعتمد حتى اللحظة على خيار محدود للتفاوض، ونافذة أصغر للحسم العسكري، وتقتصر عملياتها على عدة مظاهر، منها: التصدي المستمر للهجمات الحوثية، ثم الرد السريع بغارات على مواقع معينة لجماعة الحوثي، ولايزال وضع الدبلوماسية والقنوات الخلفية مجهولا، ولم تظهر ملامحه بعد، في حال سلكت واشنطن طريق التفاوض مع دول في المنطقة للتفاوض، خاصة مع سلطنة عمان، التي قالت وسائل إعلام رسمية تابعة لها إن واشنطن لم تصغ لنصيحة السلطنة، واتخذت قرار التحرك العسكري.
هذا الوضع من الشد والجذب بين الحوثيين وواشنطن يثير التساؤلات عن حقيقة الدور الأمريكي، الذي يتحدث ربما للمرة الأولى عن اتخاذ واشنطن وضعية الدفاع في تنفيذ الهجمات، وتظهر فيه الولايات المتحدة في صراع ندي مع جماعة محلية، بالتزامن مع هجمات تطال قواعدها من جماعات شيعية في العراق.
لذلك فمثل هذا القرار سيكون له العديد من التداعيات بمستويات مختلفة، فمن جانب الحوثيين لن يكون القرار رادعا لهم، بل سيشكل لهم حافزا إضافيا للتصلب في مواقفهم، خاصة أن العمليات الهجومية التي تنفذها، واستوجبت عليها العقوبات جاء بدوافع نصرة فلسطين، وهو أمر يجعلهم مقبولين شعبيا، داخل وخارج اليمن، وحرصت الجماعة على تقديم نفسها عقب القرار كضحية لتوجهها المناصر لفلسطين، وحرصت أمريكا أيضا على نفي أن يكون لقرارها أي علاقة بالوضع في فلسطين.
الرد الحوثي على القرار الأممي جاء في وقت قياسي، إذ نفذت الجماعة هجمة بحرية على سفينة أمريكية في خليج عدن، بعد ساعات قليلة من صدور القرار، وهي رسالة أرادت من خلالها الجماعة أن توصلها للجانب الأمريكي بأنها غير مبالية بالقرار، وظهر هذا بوضوح في تصريحات الناطق العسكري للجماعة يحيى سريع في البيان الذي ألقاه عقب تنفيذ العملية.
سيؤثر القرار على عملية السلام الأممية، وسيضاعف الاحتقان، وفقدان الثقة بين الأطراف اليمنية، وتداعياته ستطال أيضا التحركات الإقليمية، خاصة الوساطة العمانية، والرغبة السعودية المتطلعة لإنهاء الحرب في اليمن، والدخول في مرحلة سلام، كان المبعوث الأممي قد أعلن عنها، وروجت لها وسائل إعلام سعودية بشكل كبير.
وتبدو الخيارات ضيقة في مؤشرات الحلول، فالتصعيد الأمريكي يواجه بتصعيد مماثل من قبل جماعة الحوثي، ويبدو واضحا أن الحوثيين يستغلون نقاط الضعف لدى واشنطن جيدا، ومن ذلك الانتخابات الرئاسية المبكرة، ومحاولة بايدن عدم الانخراط في حرب مباشرة وباهظة في اليمن.
لذلك لن يضيف التصنيف الأمريكي أي تأثير يذكر على جماعة الحوثي، مالم يستهدف بنيتها التنظيمية، ويقوض قوتها العسكرية، ويفقدها مقومات القوة، ويجردها من عوامل التأثير، وهي أهداف تحتاج لعمل عسكري واستخباراتي واسع، وتحالف عريض إقليميا ودوليا لتحقيقه، وذلك ما تفتقد له واشنطن في الوقت الراهن.