[ صورة نشرها الجيش الأمريكي لإحدى طائراته المشاركة في ضرب اليمن ]
نفذت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا هجوما على مواقع بعدة مدن تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي في اليمن، باستخدام مدمرات وسفن وطائرات، ردا على الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي منذ نوفمبر الماضي في البحر الأحمر.
لم تكن تلك الضربات مفاجئة، فقد جاءت بعد تهديد الدولتين بتوجيه ضربات خاطفة، وصفتها بالإنذار، وبمبرر الدفاع عن النفس، وبعد إعلان مسبق بعملية الاستهداف، وتحديد الأماكن المستهدفة، وفق ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، قبيل الضربات بساعات.
دلالة المكان
تلك الغارات استهدفت أكثر من عشرة مواقع، في محافظات صنعاء، وحجة، وصعدة، وذمار، وتعز، والحديدة، وهي المدن التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وتمثل امتدادا جغرافيا لتحركاتها، وتمثل مراكز حيوية من الناحية العسكرية، وقربها من مسرح العمليات الحربية في البحر الأحمر.
ومن طبيعة الأهداف التي تعرضت للغارات، يتضح أنها ركزت على استهداف الطيران الحربي لجماعة الحوثي بشكل أساسي، فأغلبها استهدفت مطارات، أو مواقع متصلة بعمل الطيران، كمطار صنعاء، وقاعدة الديلمي المجاورة له، ومطار في مديرية عبس، ومطار في تعز، وكذلك مواقع قريبة من أهم ميناء يسيطر عليه الحوثيون، وهو مطار الحديدة.
تلك المواقع سبق لها أن تعرضت لغارات من قبل التحالف العسكري الذي قادته السعودية من قبل، ما يعني استناد الضربات الجديدة على نفس بنك الأهداف الذي تعرفه السعودية جيدا، والمبرر ذاته في الاستهداف السابق والراهن يكمن في أن تلك الأهداف تتواجد فيها الرادارات العسكرية، والآليات التي يمكن تشغيل الطيران المسير منها، وهو السلاح الذي باتت جماعة الحوثي تمتلكه، وتشن هجماتها بواسطته.
خلفيات الهجوم
هذا الهجوم الذي تصفه أمريكا وبريطانيا بالرد المباشر يعد أحدث تصعيد عسكري للدولتين في اليمن والمنطقة، منذ عقود، ويعد مؤشرا على التنسيق الكامل بين الدولتين، وجرى تنفيذه تحت يافطة التحالف البحري، أو ما عرف بعملية "حارس الازدهار" التي أعلنتها واشنطن من قبل، وانضمت لها عدة دول، من ضمنها استراليا، وكندا، وهولندا، والبحرين، التي تعد الدولة العربية الوحيدة المشاركة في التحالف وفي الهجمات، ويصنف البعض مشاركتها بأنها تنوب عن السعودية، وتتواجد فيها مقرات للقوات الأمريكية، التي تتحرك في المنطقة.
يأتي الهجوم بعد تصاعد الوضع في باب المندب والبحرين الأحمر والعربي، واستهداف جماعة الحوثي للسفن المتجهة إلى إسرائيل، أو المتعاونة معها، ونتج عن ذلك استيلاء الحوثيين على السفينة "جلاكسي ليدر"، وإطلاق الهجمات على سفن أخرى، ووصل الأمر حد الاشتباك المباشر عندما استهدفت واشنطن زوارق عسكرية للحوثيين نتج عنها مقتل عشرة أفراد من عناصر الجماعة، ثم المواجهة الأخيرة التي شن فيها الحوثي أكبر هجوما مسير، تصدت له كلا من واشنطن ولندن في البحر الأحمر.
تقول واشنطن وحلفائها إن الهجمات تأتي ردا على عمليات الاستهداف للسفن، وإيقاف الأخطار المحدقة بالملاحة الدولية، بينما تعتبر جماعة الحوثي الأمر انتصارا لغزة التي تعاني من حرب وحشية تنفذها إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما تصر عليه قيادات الجماعة، بينما تعتبر واشنطن الأمر خطورة ملاحية، تؤثر على التجارة العالمية، والتي بدا أنها متأثرة بالفعل، من تلك الهجمات، خاصة على الكيان الإسرائيلي، الذي يعد المستفيد الأول من تلك الهجمات.
دلالات الهجوم
يشير هذا الهجوم إلى أن لغة القوة هي الوسيلة التي تفضلها أمريكا وحلفائها في التفاهم مع الحوثيين، وأن المخاوف التي كانت تخشاها واشنطن لم تعد قائمة، من قبيل التكلفة الباهظة للحرب، والتأثير على الانتخابات الأمريكية المقبلة، وتوسع الصراع في المنطقة.
ولذلك سارع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الخروج في مؤتمر صحفي عقب الهجمات تحدث فيه عن مبررات تلك الهجمات، وأهميتها، وهو ما يشير أيضا إلى توحد المواقف بين الولايات المتحدة وبريطانيا تجاه قضايا المنطقة، فهما الأكثر حضورا وانتشارا في البحار الدولية وقرب اليمن تحديدا، وهما أيضا أكثر الدول تصديا للهجمات، التي أطلقتها جماعة الحوثي.
لكن من الواضح غياب دول تأثرت شركاتها من الهجمات، وفضلت الابتعاد عن المواجهة، رغم خسائرها، كالدانمارك واليابان، وغيرهما، بالإضافة لإسرائيل التي لم تظهر أي معلومات عن مشاركتها، رغم تصريح قيادات فيها عن وجوب توجيه ضربة عسكرية للحوثيين في اليمن.
ماذا عن الحوثيين؟
بالنسبة لجماعة الحوثي، فالمؤشرات تبدو قليلة حول ما إذا كانت الجماعة تتوقع هذه الغارات، وربما اعتبرت التهديدات الأمريكية البريطانية نوعا من الحرب الإعلامية، ومن الوارد أيضا أنها توقعت حدوثها، ويتبين هذا من تصريحات قياداتها التي أكدت مرارا وتكرار استعدادها لاي هجمات حربية.
وبالتأكيد فإن ضربة كهذه تعد موجعة، لكن تكاليفها وأضرارها، وحجم ما خلفته من خسائر لم تتبين بعد، غير أن للأمر أبعاد أخرى، فالجماعة لديها سجل عريق وطويل من التعامل مع الغارات الجوية، والعدوان المباشر، ولن تؤثر هذه الضربات عليها، وسبق لها التعرض لعمليات عسكرية مماثلة من قبل التحالف الذي قادته السعودية، وما لبثت أن خرجت من تحت الركام من جديد، وتحولت تدريجيا من موقف الدفاع إلى الهجوم.
إن هذه الضربات ستمنح الحوثي الوقود المناسب الذي يحركه، فهي من جهة تكسبه تعاطفا شعبيا واسعا على مستوى اليمن، والمنطقة العربية، ودوليا أيضا، خاصة أن الأمر يتعلق بقضية مركزية وجوهرية لدى اليمنيين والعرب والعالم، وهي قضية فلسطين.
هذا التعاطف بدا واضحا لدى جهات وفئات وأطراف يمنية، كانت إلى وقت قريب ترى بجماعة الحوثي خصما مباشرا، ولكنها منذ اللحظة الأولى لتلك الغارات بدت بقناعة مختلفة، فاليمنيون لديهم تجربة في تأييد التدخل الخارجي الذي بدأته السعودية في مارس من العام 2015م، ضد جماعة الحوثي، والذي انتهى بالإخفاق، ودفع الكثير لتغيير قناعتهم، وهم يرون صعود الحوثيين، وتراجع السعودية من قتالهم وعدائهم إلى فتح المفاوضات معهم، واستقبالهم، والاعتراف بهم كطرف فاعل على الأرض.
ستدفع هذه الضربات الحوثي لتعزيز نفوذه أكثر في الداخل، وسيمكنه هذا من تجييش السكان في مناطق سيطرته، وتعزيز هيمنته ونفوذه، وسيصبح الطرف المحلي الأكثر حضورا وتأثيرا وقوة.
لكن هل سترغم هذه الضربات الحوثي على العدول عن استهداف السفن، ذلك أمرا لا يبدو أنه واردا في ذهن وتفكير الجماعة، والتصريحات الأولية لقيادات فيه أبانت عن استعداد لمعركة انتقامية، والتجهز للرد، فليس لدى الحوثي ما يخسره فعلا، ولديه الخبرة والتجربة التي تجعله قادرا على مواصلة الحرب.
ويمكن قراءة ردة الفعل المتوقعة لجماعة الحوثي بأنها ستواصل استهداف السفن، وقد يطال انتقامها دول عربية مشاركة في الغارات عليها، أو متواطئة، ومن الوارد أيضا أن يدفعها هذا الوضع لمراجعة مواقفها، في حال كان هناك تدخل خارجي، لاحتواء الموقف، والاكتفاء بتلك الضربات، التي تعد بمثابة إنذار.
هل يتأثر اليمن؟
من الواضح جدا أن هذه التطورات ستؤثر على مسار السلام في اليمن، والذي كان المبعوث الأممي قد أعلن عن ملامحه الأولى الشهر الماضي، والذي في مضمونه يعالج ويركز على تداعيات الحرب التي قادتها السعودية من قبل، فكيف سيكون الوضع في الوقت الراهن، وسبق لناطق جماعة الحوثي محمد عبدالسلام التأكيد في تصريحات لوكالة رويترز أن هجمات جماعته في البحر الأحمر لن تؤثر على السلام المرتقب، ولكن الأمر سيختلف مع الهجمات الأخيرة.
إن هذه الهجمات من شأنها أن تخبر مدى تلاحم اليمنيين، وستدفع إما نحو تلاحم يمني أكثر يعزز التقارب بين المكونات اليمنية، أو يسهم في تعزيز الانقسام والتشرذم، خاصة مع تبعية الأطراف اليمنية في مواقفها للدول المتصلة بها.
وإذا ما اتجهت الأحداث نحو مزيد من الصراع والقتال والمواجهة، فإن ذلك سيسهم ويؤدي لزيادة عزلة اليمن، والتأثير عليه إنسانيا واقتصاديا، خصوصا أن أمريكا وحلفائها يسوقون التهم لإيران في دعم الحوثيين، لكنهم يتجنبون مواجهة طهران، وفضلوا الرد المباشر في اليمن.
من الوارد والمتوقع أيضا أن تفتح هذه الهجمات بابا للنقاش والحوارات مع الحوثي، أو ستزيد من حدة التأزيم، وتقود لهجمات جديدة، في حال الإصرار والتصلب لأي طراف، وهذا سيقود أيضا لتعزيز الانقسام الدولي، والذي بدأ مع دعوة روسيا مجلس الأمن للانعقاد ومناقشة الضربات الأمريكية البريطانية في اليمن، وهنا سيظهر دور المجتمع الدولي وحقيقته في التعامل مع الأحداث، وموازين القوة.
تداعيات أخرى
وبات واضحا أن هذه الغارات أعادت اليمن لواجهة الأحداث على مستوى العالم، وسحبت بشكل كبير الأضواء على العدوان الإسرائيلي على غزة، وستحدث زلزالا جديدا في المنطقة، خاصة مع الدول المحيطة باليمن، فالسعودية لا ترغب بعودة النار مجددا داخل اليمن، وسلطنة عمان ستدرك أن جزء كبير من وساطتها سيذهب أدراج الرياح، بينما لن ينسى الحوثيون خصومهم الذين يعتقدون أنهم فتحوا الأجواء أمام الطيران الأمريكي البريطاني لضربهم.