[ الزبيدي خلال لقائه وزير الخارجية لدولة جنوب السودان ]
منذ أكثر من أسبوع يواصل عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي، وهو أيضا رئيس المجلس الانتقالي المطالب بانفصال اليمن حملة للترويج لمطالبه بالانفصال في وسائل إعلام دولية، وذلك على هامش زيارته للمرة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، التي يزورها كعضو ضمن وفد الجمهورية اليمنية للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يرأسه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي.
ظهر الزبيدي في أكثر من حوار صحفي مروجا لأجندة انفصال ما يصفه بالجنوب عن الشمال اللذان استعادا الدولة الواحدة في الـ22 من مايو 1990م، بعد حقبة طويل من التشطير خلقها الاحتلال البريطاني للشطر الجنوبي من اليمن، أثناء فترة احتلاله للبلد، والتي وصلت لـ129 عاما.
استغل الزبيدي مرافقته لرئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، للترويج لمطلب الانفصال، وظهر هذا في مجمل لقاءاته الصحفية حتى كتابة هذه المادة، وهي امتداد للهدف الذي أعلنه المجلس الانتقالي ووسائل إعلامه قبيل الزيارة، بأن مهمة الزبيدي ستكون لكسب الموقف الدولي وتعريفه بأهداف المجلس المتطلعة للانفصال، والعودة للوضع التشطيري.
تصريحات للجارديان
كان أول ظهور للزبيدي في تصريحات صحفية مع صحيفة الجارديان البريطانية، والتي ظهر بها معبرا عن تذمره من الموقف السعودي، حين قال إن السعودية همشته ومجلسه، ولم تدعه للمفاوضات الأخيرة التي جرت بينها وبين الحوثيين، بوساطة عمانية، بل وإن الرياض استدعته من عدن، ثم تركته ليومين دون أن يلتقي أيا من المسؤولين السعوديين، ولم يعرف ما جرى بالضبط سوى من وسائل الإعلام.
الزبيدي في حديث للجارديان البريطانية رفض التسوية السعودية المقترحة بصرف رواتب موظفي الدولة عبر الإيرادات من المحافظات الواقعة تحت سيطرة مجلس القيادة الرئاسي، وتقاسمها مع الحوثيين، واعتبرها ملكا لا يمكن التصرف به، لكن موقفه الأكثر وضوحا فيما يتعلق بالانفصال فقد بدا واضحا في حديثه عندما طالب بقوات تابعة للأمم المتحدة في اليمن للإشراف على انفصال البلد بعد استفتاء عام في مدن الجنوب، مطالبا بأن تؤول محادثات السلام في اليمن إلى قسمة اليمن لقسمين، رافضا خروج قوات التحالف العربي من اليمن، وهو الشرط الذي تتمسك به جماعة الحوثي، للدخول في تسوية سياسية شاملة.
حوار مع بي بي سي
في اليوم التالي ظهر الزبيدي على شاشة تلفزيون بي بي سي البريطاني بنسخته العربية مكررا ذات الأمر، عندما أكد عدم عمله بتفاصيل المفاوضات بين السعودية والحوثيين، ولكنه هذه المرة قدمها باسم مجلس القيادة الرئاسي، وليس باسمه وصفته كما صرح للجارديان.
وبدا الزبيدي موضحا أكثر لتصريحاته السابقة للجارديان حين برر عدم لقاءه بالجانب السعودية لضيق الوقت، وأن اللقاء مع السعوديين تأجل حتى العودة من أمريكا، مذكرا بموقف الأمم المتحدة من احترام إرادة الشعوب، وهي تلميح لذات الأجندة الانفصالية التي يطالب بها، وبدت واضحة في تحركاته خلال زيارته لأمريكا.
تصريحات أسوشيتدبرس
لم يختلف الأمر كثيرا في تصريحات الزبيدي لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية، والتي جدد فيها مطالبته باستعادة ما يصفها بالدولة الجنوبية، من خلال مفاوضات قادمة سيجريها مع الحوثيين لانفصال اليمن.
وتوقع أن تكون تلك المفاوضات طويلة، لكنه وصفها بالاستراتيجية، معولا من جديد على دور أممي في هذا الأمر، وتلك التصريحات للوكالة الأمريكية لا تختلف كثيرا عما صرح به لتلفزيون بي بي سي.
تحركات عيدروس
تكشف تصريحات الزبيدي المتتالية الوضع الذي وصل إليه المطالبة بانفصال اليمن، لكنه هذه المرة تبدو أكثر لفتا للانتباه وهي تصعد على أكتاف الحكومة اليمنية التي يعد الزبيدي ومجلسه أحد أقطابها، ويجري نقل تلك المطالب للمجتمع الدولي، باستغلال مواقع تأثير بحجم الأمم المتحدة، للترويج لأجندة الانفصال، وبدا وكأنه في مهمة جرى التمهيد لها سلفا، وفق جدول مرسوم، وعبر لوبي مؤثر، وفي ظل ضوء أخضر يتيح له هذا الحديث والتحرك من قبل قوى إقليمية وربما دولية.
يستخدم الزبيدي سلطة الحكومة اليمنية، وحول لقاءاته ضمن وفدها الرسمي، إلى فرص للتعبير عن خيار الانفصال، وبدا في حديثه التلفزيوني أكثر حرصا في توجيه الرسالة التي يريد، خلافا لتصريحاته للصحف ووكالات الأنباء، بل وظهر وكأنه وحده في الجولة الخارجية، وليس ضمن الوفد اليمني الحكومي، وتصرف كما لو أنه رئيسا فعليا يحكم بلدا مستقلا، وظهر ذلك في تغريداته، واللقاءات التي أجراها، بما في ذلك التي ظهر بها تارة ممثلا لليمن كلقائه مع وزير الخارجية الإماراتي، التي تجاهلها موقع الانتقالي الرسمي، بعد ظهور الزبيدي وإلى جواره على الجمهورية اليمنية.
تصريحات لهدف واحد
وتشير كل التصريحات التي أدلى بها الزبيدي خلال تواجده في نيويورك إلى مطلب واحد، وهو تحقيق الانفصال، معتبرا ذلك الهدف الرئيسي له ولمجلسه، ولكنه هذه المرة قدم بعض التفاصيل، والمؤشرات أكثر من أي وقت مضى.
أول تلك المؤشرات مطالبته بإشراف دولي أممي، وقوات خارجية لتحقيق الانفصال، وإجراء استفتاء شعبي في محافظات جنوب اليمن، حول الوحدة أو الدولة الاتحادية او الانفصال الذي رجح أنه الأكثر ورودا.
ثانيا تأكيده على الدخول بمفاوضات مباشرة مع الحوثيين لبحث موضوع الانفصال لاحقا، بعيدا حتى عن مجلس القيادة الرئاسي، وثالثا كشفه عن اتفاق مع مجلس القيادة الرئاسي على مناقشة مسألة القضية الجنوبية في وضع لاحقا، ثم تعويله على استخدام القوة لفرض الانفصال بالسلاح من خلال الجيش التابع له، في حال عارضت بعض الدول ذلك، وذلك وفقا لإجابته عن سؤال مماثل في حواره مع بي بي سي.
أما رابعا فيعول الزبيدي في فرض خيار الانفصال على ما يصفه مواثيق الأمم المتحدة، التي قال بإنها تحترم إرادة الشعوب، وحقها في الاستقلال، مستشهدا في ذلك على تجربة جنوب السودان، وكوسوفا، وتيمور الشرقية، وهي الدول التي التقى مسؤولين منها، خلال زيارته الجارية لنيويورك.
ويمكن القول إن تلك التصريحات للزبيدي قد كشفت عن أجندة واضحة للآليات التي سيعمل ويعمل الانتقالي من خلالها، وهي مؤشرات يمكن البناء عليها، واتخاذ موقف حازم منها، سواء من قبل الأطراف اليمنية، أو الدول الخارجية المؤثرة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
تصريحات الزبيدي بدت متناقضة في كثير من الأحيان، بين مهمته كعضو في الحكومة اليمنية، وبين رئاسته للمجلس الانتقالي المطالب بالاستقلال عن اليمن، ولم يجد الزبيدي حرجا من الجمع بين النقيضين، كما لم يراها مشكلة في حد ذاتها، بل إنه اعتبر ذلك مهمة واحدة، مقدما ولائه للانتقالي الذي قال أنه هو من وضعه في مجلس القيادة الرئاسي، على مهمته في الحكومة اليمنية نفسها، وتلك التصريحات بتناقضاتها وجدت لها صدى في الإعلام الإماراتي، الذي ذهب ليفسرها، ويروج لها في وسائل الإعلام التابعة له، ويحملها بما لم تحتمل، ويتضح هذا من سلسلة المواد التي تنشرها صحيفة العرب التابعة لأبوظبي.
دلالة هذه التصريحات
تعكس هذه التصريحات والمواقف للزبيدي كيف أنه يمضا في اتجاه مغاير لمجلس القيادة الرئاسي، الذي ظهر في مهمته الرسمية بنيويورك وكأنه برأسين اثنين، ويعكس هذا حجم الهوة والتحدي الذي يواجهه مجلس القيادة الرئاسي، ويعد امتدادا لطبيعة الأزمة التي تعصف بمجلس القيادة، جراء التأجيج المستمر للانتقالي، الذي يضع يدا في السلطة، وأخرى في المعارضة.
ارتفعت حمى المواقف للزبيدي والانتقالي حول الانفصال بشكل لافت، بعد مفاوضات السعودية مع الحوثيين مؤخرا في الرياض، وتعتبر هذه التصريحات الأخيرة للزبيدي تطورا لافتا في نقل المطالبة للانفصال للمجتمع الدولي، وتوسيع دائرة هذا المطلب، للعلن، ويأتي هذا في وقت تعتزم فيه السعودية إنهاء الحرب، وفي ظل علاقة متوترة مع الإمارات ورغبة أمريكا حل الخلاف بين الدولتين.
إن هذا الانقسام والوضع من شأنه أن يشوش على أداء الحكومة اليمنية، ومهمة العليمي، في الوصول لحل نهائي للوضع في اليمن، كما انه يعتبر تحديا للسعودية وتحركاتها في إحلال السلام باليمن، وهو رفض ضمني لتحركاتها في اتجاه حلحلة الوضع، وانفتاحها على الحوثيين، بغية الوصول لحل شامل، بل ويعد تموضعا على التضاد من توجهها، ولا يخفى هنا أن قيادات في المجلس الانتقالي أعربت عن رفضها الصريح للتقارب السعودي الحوثي.
يشير كل هذا إلى أن اليمن ربما يتحول في قادم الأيام لساحة معركة بين السعودية ودولة الإمارات، من خلال الانتقالي، وجماعة الحوثي، التي سبق له الإعلان عن رفضها أي مطالب بانفصال اليمن، وتمسكها بالوحدة اليمنية، وبالأرض اليمنية كاملة، وهو موقف ينسجم مع التوجه السعودي، والدور العماني الوسيط.
لكن تبقى هناك جملة من التساؤلات، هل توافق السعودية على انفصال الجنوب مقابل التحالف مع الحوثيين؟ ووضعهم في دولة أخرى بالشمال؟ خاصة أن الموقف السعودي لم يتضح حتى اللحظة من تصريحات الزبيدي، وما موقف رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي من تصريحات الزبيدي، وهل ثمة تواطؤ في إيصال الزبيدي إلى نيويورك لتنفيذ هذه المهمة الترويجية لمطلب الانفصال حصل على دعم من أي طرف محلي أو خارجي.
ربما يبدو من المبكر الإجابة على مثل هذه التساؤلات، لكن الانتهاء من مهمة نيويورك والعودة إلى الرياض مرة أخرى، ربما ينبئ عن ماذا ينتظر اليمن واليمنيون، والمجلس الانتقالي أيضا.