[ أحمد علي عبدالله صالح ]
وصل محافظ إحدى المحافظات إلى الإمارات بموجب استدعاء رسمي له من أبوظبي، وهناك التقى بضباط إماراتيين، وناقشوا معه الوضع في المحافظة، واشتكى الجانب الإماراتي من فشل وإخفاق وكلائه الميدانيين من كيانات ومشائخ.
خصصت الإمارات ضباطا لإدارة الوضع في اليمن، ويحتفظ هؤلاء بعلاقات مع كثير من القيادات اليمنية، ويعدون بمثابة البوابة الرئيسية للدخول إلى أبوظبي، وإدارة ونقاش الملفات معها.
خلال اللقاء بالضابط الإماراتي، عرضوا على المحافظ (نتحفظ هنا على هويته ومحافظته) لقاء أحمد علي عبدالله صالح في مقر سكنه بأبوظبي، لم يجد المحافظ فكاكا من الهروب، ولم يكن الأمر وارد في حسبانه، أو جزء من برنامج زيارته، ولم يكن أمامه خيار سوى الذهاب.
في المنزل التقى المحافظ بنجل الرئيس السابق، وتطرق الحديث لعدة قضايا، بما فيها التطورات الأخيرة في اليمن، وتشكيل المجلس الرئاسي، وحزب المؤتمر الشعبي العام، ووفقا لشخصية إعلامية مقربة من المحافظ، فقد تحدث أحمد علي عن المؤامرة التي تستهدف حزب المؤتمر الشعبي العام، وأنه حانق بشدة من شخصيات تستغل الحزب لتقديم نفسها باسم المؤتمر.
قبل ذلك اللقاء بأيام نشر الاعلام التابع لأحمد علي بيانا هاجم فيه من يستغلون حزب المؤتمر، ولم يشير لأولئك المستغلين بالاسم، وذهبت حينها التأويلات لاتهام طارق صالح بأنه المقصود في بيان أحمد علي، على الرغم من أن طارق فعليا يستفيد من شخصيات الحزب، وتراثه وإرثه، ولكنه فعليا ذهب باتجاه آخر، وأوجد لنفسه كيانا جديدا، وإعلاما خاصا به، وقوات تتبعه.
يشير المحافظ الزائر في حديثه إلى أن المقصود بذلك التصريح لم يكن طارق صالح، بل رشاد العليمي، فأحمد – وفقا للمحافظ – غير مطمئنا لتحركات رشاد تحت يافطة حزب المؤتمر، يرى أحمد علي أن رشاد العليمي يريد تجذير نفسه بالحزب، واتخاذه ذراعا ومتكئا بعد تصعيده كرئيس للمجلس الرئاسي، تكرر الأمر من قبل مع هادي، حين حاول أن يتربع على رأس الحزب بعد انتقاله للسعودية، وفصله من قبل صالح، ولكنه أخفق في ذلك، وظل قياديا مؤتمريا، دون أي قاعدة حزبية تتبعه، سوى قيادات الحزب في محافظات جنوب اليمن، وساهم تواجد صالح على رأس الحزب، في عدم ذهاب قيادات الحزب مع هادي، وعند رحيل صالح توزع الحزب إلى تيارات عديدة، وظل هادي كما كان عندما صعد إلى السلطة، رئيسا بلا حزب، وفق توصيف مجلة أمريكية في العام 2012م.
وافقت اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام بنسخته المتبقية في العاصمة صنعاء في الثاني من مايو 2019على اختيار أحمد علي عبدالله صالح نائبا لرئيس الحزب، بعد حوالي عامين على مقتل والده على يد الحوثيين في الرابع من ديسمبر 2017م.
لم يعترض الحوثيون على تعيين "أحمد" بذلك المنصب الحزبي، وهو الحزب الذي ظل والده يتربع على عرشه طوال فترة حكمه الممتدة لأكثر من ثلاثة قرون، ويرأسه في صنعاء القيادي المؤتمري صادق أمين أبو راس، ويعمل في ظل سيطرة كاملة للحوثيين على الدولة، بمشاركة شكلية للحزب في المجلس السياسي المتشكل بالمناصفة بين الطرفين في الثامن والعشرين من يوليو 2016، وتحت انخراط أغلب قيادات الحزب الميدانية في المحافظات والمديريات بالعمل مع الحوثيين، وكانوا ركائز أساسية لتمدد الحوثيين في المحافظات، منذ قبل وعقب سقوط العاصمة صنعاء في سبتمبر من العام 2014م.
نعود للمحافظ الذي التقى بأحمد علي، فقد أبلغه نجل الرئيس السابق بثقة أنه لن يسكت إزاء هذا الوضع، وأنه يتطلع للعمل مع شخصيات في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن، لكن الأكثر غرابة في حديث المحافظ أن أحمد علي غير (مرتاح) لما تفعله الإمارات في اليمن، وربما كان هذا الحديث جزء من محاولة إيحاء مقصودة عن نجل صالح، تشير للمستقبل أكثر من الماضي.
غادر المحافظ الذي ينتمي لحزب المؤتمر الشعبي العام الإمارات، ولديه شعور مختلف، يوحي بتطورات ربما قادمة، لكنه – وفقا لتعبيره – توصل لنتيجة بأن ملامح اللعبة واضحة، مكتفيا بهذا التوصيف، كخلاصة لما دار من نقاشات.
لا يقدم أحمد علي نفسه لأنصاره ولوسائل الإعلام بأنه القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، أو نائبا لرئيسه في صنعاء، بل باعتباره السفير السابق، وهو آخر منصب تولاه بقرار من هادي يحمل القرار الجمهوري رقم (84) لسنة 2013م، وصدر في العاشر من أبريل 2013، وعزل من منصبه هذا في السابع من ديسمبر 2015 بقرار من الرئيس هادي يحمل الرقم رقم 34 لسنة 2015م، ولكن صفة السفير ظلت المفضلة لديه.
في أبوظبي يعيش نجل صالح المطوق بعقوبات أممية كأحد معرقلي السلام في اليمن، مع تسعة من أولاده (وفق ويكيبيديا)، وظل طوال الفترة الماضية، وتحديدا منذ تعيينه سفيرا صامتا، وقليل الظهور في وسائل الإعلام، وأصدر خلال التسع سنوات من بقائه داخل الإمارات بيانات محدودة حول بعض القضايا، وجميعها موجهة لأنصار المؤتمر، - الأخوة أعضاء وقيادات المؤتمر - كما يأتي في مطلعها، وصادرة عن مكتبه، وأغلبها حول قضايا تمسه بشكل شخصي، كما جاء في بيانه حول تصريحات الفسيل لقناة بلقيس عن تسليمه السلاح للحوثيين، ولم يتطرق من قريب أو بعيد لمقتل والده على يد الحوثيين حتى اللحظة.
لا يبدو أن ذلك الصمت من نجل صالح يعود كله لضعف شخصيته، كما يردد البعض، وعدم قدرته على اتخاذ الموقف، بل إن ذلك – استنادا لمن زاروه – يأتي في سياق تجنيبه من الخوض في أي قضية يمنية، ومنعه من اتخاذ موقف يظهر فيه منحازا مع أحد الأطراف، وأن مصلحته الشخصية تقتضي أن يبقى غامضا.
في الآونة الأخيرة ظهرت نغمة جديدة تضع المعيار الأهم لشاغلي الوظائف الحكومية لأولئك الأشخاص الذين لم يصدر عنهم أي موقف سابق تجاه أيا من الأطراف اليمنية المحلية، أو تجاه التحالف ممثلا بالسعودية والإمارات، ووفقا لهذا فضل الكثير من المسؤولين والنخب السياسية الصمت، وتلك أكبر عملية تلجيم تستهدف الوعي الجمعي في أوساط اليمنيين، تجاه ما يحاك ضد بلدهم، خاصة في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ اليمن.
في مكتبه بأبوظبي يمتلك أحمد علي سكرتارية كاملة لإدارة شؤونه الخاصة والعامة، ولقاءاته مع ضيوفه والمترددين عليه، وللإشارة هنا فإن الفترة التي قضاها نجل صالح سفيرا لدى الإمارات مثلت حينها ذروة التصعيد الداخلي في اليمن ضد نظام هادي، وتقدم الحوثيين نحو صنعاء، واسقاطهم لها، بتواطؤ إماراتي سعودي، ولا يُعلم بعد ما هي مبررات هادي في تعيين نجل صالح بذلك المنصب، وفي دولة الإمارات تحديدا، وهل تخلص هادي من نجل صالح بتعيينه سفير، ليتخلص من صداعه في صنعاء وقتذاك، أم أن هناك من طلب من هادي ذلك، ليصبح "أحمد" قريبا من وكر المؤامرة في أبوظبي، وهي المؤامرة التي انتهت بقتال قوات الحرس الجمهوري التي كان يراسها نجل صالح إلى جانب الحوثيين ضد هادي نفسه، وإسقاطهم للعاصمة صنعاء، ووضع هادي قيد الإقامة الجبرية، ثم فراره بقصة غامضة من صنعاء، واندلاع حرب التحالف باليمن، أما قرار هادي بإقالته فقد جاء ذلك بإيحاء سعودي، بعد غضب الرياض من نجل صالح، الذي عرض على الرياض خوض حربا ضد الحوثيين، لكن بن سلمان رفض العرض حينها – وفقا لقناة العربية - تحت تأثير نشوة تفجير الحرب التي أطلقها في اليمن.
يستقبل أحمد علي عبدالله صالح العديد من الضيوف في مكتبه ومنزله بأبوظبي، عبر سكرتاريته الخاصة، وبتنسيق كامل من الإمارات، التي تحرص على إحياء دور نجل صالح بهدوء، وتبني من جديد علاقاته مع رجال صالح السابقين، في سبيل تقديمه من جديد، زار كلا من البركاني وعثمان ومجلي وآخرين "أحمد" في أبوظبي، وظهرت قيادات مؤتمرية تطالب برفع العقوبات عليه، كما حدث مع القيادي في الحزب أحمد عبيد بن دغر، وآخرين.
آخر تلك الزيارات لنجل صالح في الإمارات كانت من نصيب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الذي وصف زيارته تلك بأنها زيارة عمل غير رسمية، وأثارت الكثير من الجدل.
تقول المعلومات – وفقا لزملاء مقربين من أحمد علي – أن العليمي التقى بأحمد في مكتبه، بتنسيق من الإمارات، وأن حديثا ونقاشا جرى بينهما حول عدة قضايا، بما في ذلك وضع حزب المؤتمر الشعبي العام، وهذه المعلومة تؤكد حديث المحافظ كما تطرقنا له أعلاه، ولحساسية المعلومات التي دارت في النقاش، اعتذر هؤلاء المتحدثين عن كشف مزيد من التفاصيل حول مخرجات اللقاء، حفاظا على هويتهم.
المعلومات ذاتها تطرقت لها قناة بلقيس، والتي كشفت ما وصفته بنتائج زيارة رشاد العليمي إلى أبوظبي، وذكرت أن العليمي بحث مستقبل حزب المؤتمر الشعبي العام في ظل التوجهات الإماراتية لتعيين قيادة موحدة له، وأن الإمارات تخطط لإعادة أحمد علي عبدالله صالح إلى المشهد من بوابة حزب المؤتمر مقابل تحول لافت لتهميش حليفها طارق صالح، وتضغط على مجلس القيادة الرئاسي لمخاطبة المجتمع الدولي برفع أحمد علي عبدالله صالح من قائمة العقوبات.
تشير هذه المعلومات إلى الدور الذي يلعبه أحمد علي من أبوظبي، والتهيئة التي تقوم بها الإمارات لإيصال اليمنيين إلى القناعة التامة بعودة نجل صالح للحكم من جديد عبر بوابة المؤتمر الشعبي العام، كمُخلص لكل ما حدث في اليمن، بعد كل هذا الإنهاك الذي أصابهم، والكلفة الباهظة التي دفعها اليمن شعبا وأرضا، والذي وقفت خلفه الإمارات والسعودية، ليصبح خيارا مفضلا، بل وإجباريا لتلافي ما يمكن تلافيه، بدلا من الغرق في مستنقع الحرب الجارية، دون أي نتائج.
تقدم الإمارات نفسها اليوم صانعة للزعماء والحكام في المنطقة، وهي المهمة التي كانت تضطلع بها السعودية طوال العقود الماضية، وتنافسها اليوم، بل وتسحب البساط من تحت قدمها أبوظبي، التي ترى أن عودة نجل صالح للحكم في اليمن انتصارا لها على الربيع العربي الذي حولته لخصم، وجندت نفسها لوأده، والقضاء على كل الأطراف التي انخرطت فيه، في أكثر من دولة عربية، بل وتذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بإعادة ذات الأنظمة لواجهة الحكم من جديد، كما يحصل في اليمن، أو إنتاج أنظمة جديدة موالية لها، وتنفذ أجندتها في مواجهة شعوبها المغلوبة، منعا لتكرار أي ثورة شعبية مستقبلا، كما هو الحاصل في مصر.
لذلك يبدو نموذج أحمد علي وإعادته إلى الواجهة مجددا في اليمن أمرا مفضلا للإمارات، وربما تتفق معها السعودية التي تبحث هي الأخرى عن مخرج لها من حالة الغرق في اليمن، وهذه العودة إن تمت ستوفر لأبوظبي الكثير من الوقت والمال والجهد، وتجعل من نظام نجل صالح مجرد تابع لها، ومن خلاله ستتمكن من الوصول لكلما تريد.
هذه التهيئة الإماراتية لنجل صالح تمتلك اليوم الفرصة بشكل أكبر لتعزيزها، والتخلص من القيود والعقبات التي واجهتها سابقا، ففي عهد هادي أخفقت كل المحاولات لرفع العقوبات عن "أحمد علي"، وتصلب هادي بهذا الموقف، ولذلك كان محل غضب إماراتي ومؤتمري أيضا، أما في الوقت الراهن، ومع الإتيان بمجلس القيادة الرئاسي، وتخويله باتخاذ قرارات بعيدا عن الدستور والقانون والبرلمان، وفي ظل حالة الضعف التي يظهر بها رشاد العليمي، فإن اتخاذ قرار رفع العقوبات يبدو أمرا سهلا، وأدبيات مجلس الأمن تشير إلى أن رفع العقوبات يتحقق في حال قدمت الجهة المتضررة من الشخصيات المُعاقبة أمميا – وهي هنا الحكومة اليمنية - بطلب رفع العقوبات، أو في حال ثبوت ابتعاد تلك الشخصيات المعاقبة من مزاولة أي نشاط مرتبط بالأعمال التي ارتكبتها، واستوجبت عليها العقوبات.
وبالنظر للحالة الراهنة التي يعيشها اليمن فإن عملية الممانعة من رفع العقوبات عن نجل صالح من الحكومة اليمنية أمرا غير وارد، قياسا لحالة التبعية والارتهان التي يعيشها مجلس القيادة الرئاسي، كما أن الأحزاب اليمنية ومنظمات المجتمع المدني ومجلسي النواب والشورى اليوم لا يستطيعون أيضا التعبير عن رفضها، فهي أيضا في حالة ضعف واستلاب، وستفتح بوابة الجحيم على نفسها، بل إنها اليوم باتت في حالة التبعية الكاملة خارجيا.
وليس الأمر من الصعوبة، فرجال صالح وقيادات المؤتمر التي توزعت على عدة كيانات بما في ذلك المجلس الانتقالي، لن تكون في حيرة من اتخاذ القرار، والانطواء من جديد تحت راية المؤتمر، وأثبتت الأحداث المتتالية أنها لا تبالي في الانتقال من الضد إلى الضد، دون أدنى شعور بمسؤولية الموقف، وتداعيات تغير القناعات، وفقا لكل مرحلة.
أما عن الشعب فهو الآخر، لم يعد بيديه شيء، فقد أُنهك شمالا تحت حكم الحوثيين الذين لا يبدون أي ممانعة أو حساسية تجاه نجل صالح، مثلما جرى اخضاعهم جنوبا في ظل حكم الانتقالي وغيره من القيادات المحلية، والحقيقة المُرة أن كل الأفعال التي ارتكبها تحالف السعودية والإمارات في اليمن طوال السنوات الماضية أوجد مناخا سلبيا جعل اليمنيين يتطلعون لمن ينقذهم، حتى ولو كان الشيطان، وتلك هي أسوأ النتائج حينما يتم تدجين الشعوب، ودفعها لاتجاهات معينة، وجعلها في وضع القابلية المطلقة والقسرية لمن يحكمها، مستغلة الذاكرة القصيرة والمثقوبة للشعوب.
وإن حدث هذا السيناريو في اليمن، وعاد نجل صالح وعائلته للحكم، فإن اليمن حينها يكون قد وضع نفسه خارج سياق التاريخ والسيادة، وزرع بذور دورة قادمة من الاضطراب، ودخل بوابة مختلفة ومنعطف جديد في تاريخه، وسيسال البعض وهم قليل: هل عقمت النساء أن يلدن رجلا يمنيا يعيد لليمن مكانته وقيمته، وينتصر لتضحيات أجيال من الحركة الوطنية التي قدمت الدماء والتضحيات لبناء يمن مستقل، معتد بنفسه، معتز بهويته، مالكا لقراره، متحررا من أي وصاية خارجية، أو هيمنة محلية للون واحد، وجغرافيا محددة.
يقول المثل العربي: "من أكل من مائدة الملك حارب بسيفه"، ومن يصنع الحاكم – أي حاكم - بالطبع فلن يكون ذلك الحاكم سوى موظف لدى سيده، وهنا يتضح الفارق بين حاكم يحكم انطلاقا من ضرورة وطنية واختيار شعبي، وبين حاكم جاء به آخر، أو فرض نفسه قسرا على شعبه.