[ عناصر من مليشيا الحوثي في ذكرى انقلابها على الدولة ]
لم يكن انقلاب الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي صالح، في 21 سبتمبر 2014، مجرد انقلاب على سلطة شرعية حاكمة، كما هو حال مختلف الانقلابات العسكرية عبر التاريخ، وإنما انقلاب على أكثر من نصف قرن من النظام الجمهوري، وارتداد كثير من القوى والشخصيات السياسية والعسكرية عن الجمهورية، وانخراطها في مشروع الحوثيين الاستبدادي الكهنوتي لدرجة لم يكن الحوثيون أنفسهم يتوقعونها.
ورغم بشاعة الانقلاب الحوثي، وما آلت إليه الأوضاع في البلاد بعد سبع سنوات من الحرب، لكن يبدو أن الجميع لم يستوعبوا الدرس، والسؤال المُر الذي يفرض نفسه هنا: لماذا تتعمد مختلف الأطراف المناهضة للحوثيين عدم تحريك كل الجبهات والتعجيل بالحسم العسكري؟ ومن المستفيد من إطالة أمد الحرب كل هذه المدة؟ ولماذا لا تتوقف الخدمات التي تُقدم للحوثيين منذ الانقلاب وحتى اليوم؟
- دلالات الخيانة العظمى
كان دخول الحوثيين العاصمة صنعاء وانقلابهم على السلطة الشرعية مجرد نزهة، ذلك أن ما حدث حينها كان فقط تسليم واستلام للمعسكرات ومخازن السلاح بين الرئيس السابق علي صالح وحلفائه الحوثيين، ولولا تراكم الأخطاء والأحقاد والخيانات التي كانت سائدة حينها، وما زالت مستمرة حتى اليوم للأسف، لما تمكن الحوثيون من فرض سيطرتهم على مناطق الكثافة السكانية في البلاد.
وتكشف تلك الأحقاد والخيانات عورة الصف الجمهوري إن جاز التعبير، والتقدير الخاطئ لما سيترتب عليها من كوارث ستطال الوطن أجمع بلا استثناء، بل وستطال دول الجوار أيضا، يضاف إلى ذلك عدم معالجة الجمهوريين للأخطاء التي تراكمت خلال العهد الجمهوري، وتحديدا خلال مدة حكم الرئيس السابق علي صالح، الذي فخخ البلاد بمعسكرات كبيرة ذات انتماءات مناطقية وطائفية وعائلية متجانسة مذهبيا واجتماعيا مع مخلفات الإمامة البائدة، مما سهل للإمامة بنسختها الجديدة (مليشيات الحوثيين) الاستحواذ بكل سلالة ويسر على الميراث السياسي والعسكري الذي خلّفه علي صالح.
تبدو جماعة الحوثي محظوظة أكثر من أسلافها الأئمة السلاليين الذين أقاموا حكما استبداديا في مناطق شمال البلاد خلال مدة زمنية تزيد على 230 عاما، موزعة خلال ألف ومئة عام، ذلك أن جماعة الحوثي سيطرت على مناطق الكثافة السكانية في البلاد سلميا، ووجدت من يلمعها ويصفها بأوصاف ناعمة ويسلمها كل شيء مجانا، بدءا من الجيش ومخازن السلاح وانتهاء بالمال العام والإعلام العام ومؤسسات الدولة كافة، وفي نفس الوقت هناك تدخل عسكري أجنبي يقدم الخدمات للحوثيين من خلال إضعاف خصومهم والحيلولة دون الحسم العسكري، وانبرت كثير من النخب السياسية والإعلامية وغيرها إما تلمع الحوثيين أو تشيطن خصومهم، وهذا ما لم يحدث في عهد الأئمة الكهنوتيين السابقين (أسلاف الحوثيين).
والأمر المحيّر في الخيانات التي مهدت لعودة الحكم الإمامي البغيض، أنها جاءت في وقت يفترض فيه أن الوعي الوطني بخطر الإمامة الكهنوتية السلالية قد بلغ ذروته، ورغم إدراك الجميع لفداحة الأخطاء التي مهدت لسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، خصوصا أن كل طرف دفع الثمن بما يفوق حجم الخطأ الذي ارتكبه، لكن ما زالت "النكايات" والأحقاد تطغى لدرجة تحرف أصحابها عن إدراك الحقيقة المرة التي ستؤول إليها البلاد، ويعني كل ذلك أن هناك أزمة وعي وطني وشلل بمعرفة خطورة ما قد تفرزه تلك الأحقاد والنكايات من نتائج كارثية سيكتوي بنيرها أنصار الحوثيين ومقاتليهم وملمعيهم أكثر من الأطراف الأخرى التي لديها مواقف صلبة مناهضة للحوثيين وتقدم التضحيات لاستعادة الدولة والنظام الجمهوري.
وتبدو صورة اليمن شديدة القتامة بعد سبع سنوات من انقلاب 21 سبتمبر 2014، خصوصا أن ذلك الانقلاب تبعته انقلابات أخرى، فبعض الأطراف المحلية شاركت -بشكل أو بآخر- في الانقلاب على السلطة الشرعية أو التوافق السياسي أو حقوق المواطنة والقبول بالآخر، وبعضها انقلبت على مبادئها وتحولت إلى مجرد كيانات ملمعة لأطراف خارجية ومجرد أدوات هدم تعمل تحت إمرتها، كما أن بعض دول الجوار التي تدخلت في اليمن عسكريا بذريعة مساندة السلطة الشرعية، انقلبت أيضا على ذرائع تدخلها العسكري في اليمن وعلى حقوق الجوار.
- الحصاد المر لعودة الإمامة
بعد سبع سنوات من انقلاب الحوثيين وحليفهم السابق علي عبد الله صالح على السلطة الشرعية والتوافق السياسي، طالت أضرار ذلك الانقلاب مختلف المدن والقرى اليمنية، أما تلك التي لم يطلها ضرر الانقلاب مباشرة، فقد طالتها أضرار ما كان لها أن تحدث لولا نكبة 21 سبتمبر 2014، كما هو الحال في محافظتي المهرة وسقطرى، وما من قرية أو مدينة يمنية إلا وشهدت مأتما وعويلا بسبب ذلك الانقلاب المشؤوم، وما زال حصاد الجنازات يتوالى، خصوصا في المناطق التي تمثل حاضنة اجتماعية للحوثيين، وهناك مصادر محلية تفيد بأن بعض القرى في ريف محافظتي صنعاء وعمران تكاد تخلو من الرجال باستثناء الأطفال، وازداد عدد الأرامل والأيتام لدرجة غير متوقعة، وسط توسع في افتتاح وتوسيع وتسوير المزيد من المقابر في مناطق عدة.
كما أن ضرر جماعة الحوثي طال مختلف فئات المجتمع، من سياسيين وعسكريين وصحفيين وتجار وأساتذة جامعات وأطباء وناشطين حقوقيين وطلاب وعمال ومزارعين ومغتربين، وازدادت أعداد السجون السرية وحالات الإخفاء القسري والتعذيب حتى الموت أو الإصابة بأمراض مزمنة والمحاكمات الهزلية وأحكام الإعدام الجائرة، وسط تزايد مخيف في أعداد المخبرين والجواسيس الذين يتم توزيعهم وتكليفهم بمهام متنوعة وتقسيم جميع مناطق سيطرة الحوثيين إلى مربعات سكنية صغيرة وفقا لمهام وأعداد المخبرين والجواسيس، ومراقبة الاتصالات الهاتفية ورسائل الإس إم إس والحوالات المالية وحركة النقل بين المحافظات والتدقيق في بيانات المسافرين ونزلاء الفنادق والموظفين وطلاب وطالبات المعاهد والجامعات الحكومية والخاصة، وغير ذلك من وسائل التضييق على المواطنين بأسلوب يتجاوز القبضة الأمنية إلى العبث والمهازل والابتزاز وإذلال الآخرين بمختلف الوسائل.
أيضا، طال ضرر انقلاب الحوثيين مختلف القطاعات الخدمية، حيث انهار التعليم والصحة وشبكات الطرق والمواصلات والمياه والكهرباء، ونهب رواتب مختلف الموظفين الحكوميين، ومصادرة وظائف عدد كبير منهم بمبرر الانقطاع عن العمل أو عدم الولاء أو الذهاب إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، مما فاقم من الأزمة المعيشية التي يزيد من وطأتها النهب والسلب لممتلكات المواطنين وفرض الإتاوات الجائرة على التجار والمزارعين وارتفاع الضرائب والجمارك، ويتحمل أعباء كل ذلك المواطنون البسطاء، كون التجار يضيفون رسوم الجمارك والضرائب والإتاوات باسم "المجهود الحربي" إلى أسعار المواد الغذائية وغيرها، وتتعدد أشكال المعاناة في مناطق سيطرة الحوثيين لدرجة صعوبة حصرها.
والأخطر في الأمر تنامي جهود تطييف المجتمع، ومحاصرة الآخرين المختلفين مع الحوثيين مذهبيا، خصوصا بعد الحملات الأخيرة التي استهدفت ما بقي من خطباء وأئمة مساجد من التيار السلفي وسجنهم، والاستحواذ على ما بقي من مساجد وفرض مؤذنين وخطباء فيها من أتباع مذهب الحوثيين، بالإضافة إلى تفخيخ المجتمع بالأفكار الطائفية العنيفة من خلال تغيير المناهج الدراسية، وإنشاء مراكز صيفية تستقطب المليشيات إليها الطلاب وتعلمهم العنف والكراهية والطائفية وثقافة القتل والخرافات، وتشجيعهم على الذهاب إلى جبهات الحرب للقتال، وتعبئتهم بأفكار خاطئة دفعت عددا منهم إلى قتل آبائهم وأمهاتهم وبعض أقاربهم بعد عودتهم من جبهات القتال أو بعد تلقيهم دورات طائفية، وهكذا كلما طال عمر الانقلاب، فإن الوضع من سيئ إلى أسوأ.