[ رئيس الدائرة السياسية في الحزب بتعز أحمد عبد الملك المقرمي ]
يحتفل حزب التجمع اليمني للإصلاح بالذكرى الواحدة والثلاثين لتأسيسه (13سبتمبر/أيلول 1990) في ظل سبع سنوات من الحرب المدمرة، وكارثة إنسانية تصنف على أنها الأسوأ عالمياً.
الحرب التي قضت قبل كل شيء على الأحزاب والتعددية السياسية لم تنل من حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي كان القضاء عليه واحداً من سيناريوهات الحرب الرئيسية، وما زالت نجاته من تلك المصيدة محل إعجاب ودهشة الكثير من المراقبين.
ثلاثة عقود منذ تشكيل الأحزاب اليمنية دكت فيها الهزات العنيفة جميع الأحزاب وخلفتها أشلاء بلا حياة، وحده الإصلاح الذي سار في حقل ألغام السياسة بخطوات ثابتة، وخرج سليماً بعد هزات ومنعطفات والتي كان أخطرها بعد ثورة 11 فبراير/شباط2011 ليحتفل اليوم بذكرى تأسيسه وحيداً.
"الموقع بوست" حاور رئيس الدائرة السياسية في الحزب بتعز أحمد عبد الملك المقرمي، ولأن تجربة الإصلاح السياسية وقدرته على ترويض المكائد والدسائس أضحت محل اهتمام أغلب المراقبين، يتحدث أحمد المقرمي عن تلك التجربة وأسرار الصمود والبقاء وسط ركام وأنقاض بقية الأحزاب.
نقطة الانطلاق
عن خلاصة ثلاثة عقود من عمر التجمع اليمني للإصلاح السياسي والحزبي وما تخللها من تجارب يقول أحمد عبدالملك المقرمي إن هذه تجربة خاض فيها الحزب تجارب عدة، وتجارب الأحزاب السياسية في اليمن في الحقيقة هي تجارب حديثة العهد، باعتبار أن التعددية السياسية كانت ممنوعة بشكل عام سواء في الجنوب الذي كان لا يعلو صوت فيه فوق صوت الحزب أو في الشمال حيث كانت الحزبية محرمة أيضاً.
بدأت التعددية السياسية في اليمن بعد إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو/أيار 1990 وهي فترة قصيرة نسبياً، ومع ذلك خاضت الأحزاب السياسية ومنها الإصلاح تجربة إزالة التوجسات والشكوك التي تحكمت بالعملية السياسية، وبدأ الحزب يوطد علاقاته مع مختلف الأحزاب وصولا إلى مرحلة تشكيل اللقاء المشترك وهو التكتل الذي ضم أبرز الأحزاب الفاعلة في الساحة اليمنية، وخاضوا جميعاً تجارب إيجابية عديدة من أجل إيجاد مناخ يسمح بممارسة ديمقراطية حقيقية بصرف النظر عنما كان يشوب العمليات الانتخابية من تشويه ومصادرة، فترسيخ عملية ديمقراطية حقيقة مع مرور الزمن لتصبح حقاً شعبياً تفضي لتداول سلمي للسلطة هو كان الهدف الذي ناضل من أجله الإصلاح بالشراكة مع بقية الأحزاب السياسية وصولاً لثورة 11 فبراير الشبابية السلمية، ومن ثم مؤتمر الحوار الوطني الذي أجمعت على مخرجاته مختلف القوى والكيانات والأحزاب اليمنية، كل تلك التجارب خاضها الإصلاح إما بالشراكة مع الأحزاب الأخرى أو من خلال وسائله الخاصة، وهي بالمجمل تجارب إيجابية قياساً بحداثة الممارسة السياسية في اليمن.
علاقة الإصلاح بجماعة الإخوان المسلمين
وعن الاتهامات الموجهة للإصلاح بأنه امتداد لجماعة "الإخوان المسلمين" التي يرددها خصوم الحزب من السياسيين، أكد المقرمي أن هوية وثقافة وعقيدة الشعب اليمني ثقافة عروبية إسلامية، وبالتالي ليس غريباً أن تكون هوية ومرجعية التجمع اليمني للإصلاح مأخوذة من البيئة التي نشأ فيها ويحيا فيها ويمثل ويتمثل بها.
ونوه المقرمي إلى أن الإسلام ليس حكراً على جماعة أو فئة بعينها والذين يحاولون حصر حزب الإصلاح في إطار ضيق تحت أي مسمى يجهلون أو يتجاهلون هذه الحقيقة.
صلابة وثبات
وعما كسبه الحزب وما خسره خلال ثلاثة عقود من عمره تعرض خلالها لمحن ومؤامرات كانت تستهدف القضاء عليه، اوضح المقرمي أن تلك العقبات والمعوقات والمؤامرات بقدر جسامتها وشدتها وخطورتها في بعض الأحيان وخصوصاً في فترة ما بعد ثورة 11 فبراير/شباط 2011، إلا أن الإصلاح تجاوزها بحكمة وصبر وجلد، مستطرداً "أستطيع القول إن الإصلاح تجاوزها بانحيازه المطلق للشعب اليمني والوطن، وبنهجه السلمي الحضاري في التعبير عن أرائه ومطالبه".
وأضاف "زادت تلك العقبات والعوائق والمؤامرات حزب الإصلاح قوةً وصلابة وثباتاً وإصراراً على الاستمرار، وهذا الكلام لا أقوله بدافع رفع الجانب المعنوي لأعضاء الإصلاح ومناصريه، ولكنها حقائق تؤكدها التطورات على الساحة اليمنية، فالإصلاح ما يزال هو صاحب الصوت الأقوى والحاضر الأبرز في مواجهة المشروع الإمامي الكهنوتي الذي يستهدف الشعب اليمني وتاريخه وثقافته، فالحزب أعلنها منذ البداية وبأعلى صوت بأنه سيواجه المشروع الإنقلابي الظلامي، قالها وهو يدرك شراسة المعركة وجسامة التضحيات، لكنه انحاز للشعب وللوطن وللمبادئ، الأمر الذي زاده ثباتا وقوة وصلابة والتفافاً شعبياً خيب آمال المتربصين والذين تواروا أو جبنوا عن المواجهة وكانوا يتوقعون أن لحظة الإجهاز على الحزب قد حانت.
التآمر الخارجي على ثورة فبراير
وحول سؤال "الموقع بوست" عن مدى صوابية رأي واسع في أوساط الشارع اليمني يحمل ثورة 11 فبراير كل الحروب والمآسي التي غرق اليمنيون فيها، ويذهب أصحاب ذلك الرأي لأبعد من ذلك باتهام ثورة فبراير بأنها قضت على مكتسبات الثورة الأم 26 سبتمبر/أيلول 1962.
نفى المقرمي صحة تلك الأطروحات متهماً مروجيها بالجهل بحقائق التاريخ، فثورة 11 فبراير أسقطت نظام الحكم العائلي كما أسقطت ثورة 26 سبتمبر 1962 الحكم الإمامي، لكن ثورة فبراير تعرضت لمؤامرة خارجية من قبل القوى الاستعمارية، وتلك التي لا يروق لها وجود يمن ديمقراطي موحد مستقل وقوي، وحين تنظر لما حدث لثورة فبراير من مؤامرات وتسترجع ما تعرضت له ثورة 26 سبتمبر قبل ستة عقود ستجد كيف يعيد التاريخ نفسه بطريقة مدهشة وما أشبه الليلة بالبارحة، شيطن المتآمرون ثوار سبتمبر والجمهورية وقدموا الدعم والسلاح لفلول الإمامة لوأد الثورة والجمهورية وفي نهاية المطاف انتصرت الجمهورية.
واستدرك المقرمي "اليوم نفس المؤامرات والمتآمرون عادوا لوأد ثورة 11 فبراير التي مثلت ضمن ثورات الربيع العربي ترجمة لتطلعات الشعوب العربية بالحرية والمساواة والعيش الكريم".
وبحسب المقرمي فإن ثورة فبراير كانت تعبيراً حضاريا عبر من خلالها الشعب اليمني عن خياراته وتطلعاته ومطالبه المشروعة، وهي المطالب التي تضمنتها وعبرت عنها مخرجات الحوار الوطني، لكن القوى الاستعمارية حركت أدواتها وعملائها للقضاء على حلم اليمنيين.
وأكد المقرمي أن الشعب اليمني مدرك لتلك المؤامرات ومراميها ومن يقف وراءها وهو قادر على إفشالها والانتصار لإرادته كما انتصر وأفشل مخططات فلول الإمامة بالقضاء على ثورة 26 سبتمبر 1962 وإعادة الإمامة البائدة، فعجلة التاريخ لن تعود للوراء ما دام في اليمنيين عرق ينبض.
نحتاج لدعم كل الأشقاء
تدخل الحرب في اليمن عامها السابع، لم يحقق التحالف العربي شيئاً من هدفه الذي تدخل لأجله وهو إنهاء الانقلاب وإعادة سلطة الرئيس هادي الشرعية التي طالت أقامتها في الخارج، بات جلياً أن للتحالف العربي بقيادة السعودية أهدافاً بعيدة عن القضاء على الانقلاب الحوثي وإعادة الشرعية، فهل ما يزال الرهان على التحالف العربي اليوم قائماً؟
يجيب المقرمي بالقول إن الشعب اليمني بحاجة لدعم كل أشقائه ومساندتهم له في معركته المصيرية لاستعادة دولته وسيادة وطنه وحرية أبنائه.
الإصلاح ليس حاكماً
تشهد محافظة تعز منذ أسابيع ثورة شعبية تطالب بإقالة المسؤولين الفاسدين، وتوفير الخدمات شبه المنعدمة، بالتزامن مع فوضى أمنية وتفشي للعصابات الإجرامية المسلحة، وسط تساؤل الكثيرين في تعز عن أسباب خفوت صوت حزب الإصلاح القوي عما تعانيه محافظة تعز؟
نفى رئيس الدائرة السياسية لحزب الإصلاح بتعز أي خفوت لصوت حزب الإصلاح عما تعانيه محافظة تعز والمناطق المحررة بشكل عام من فشل حكومي وغلاء في الأسعار وغيرها من القضايا التي تمس معيشة المواطن وأمنه.
وأردف أن الإصلاح ليس غائبا عن معاناة أبناء تعز فهو جزء منهم ويعاني مثلهم، وما زال صوته قوياً في مطالبة الحكومة بالقيام بمسؤولياتها.
تعز -بحسب المقرمي- هي أكثر المحافظات المحررة كثافة سكانية وأكثرها معاناة فهي علاوة على إهمال وتجاهل حكومة الشرعية غير المبرر لمعاناتها لا تزال تعيش تحت حصار خانق تفرضه المليشيات الانقلابية عليها منذ بداية الحرب.
ونوه المقرمي إلى أن الإصلاح ليس حاكما فلا السلطة ولا القرار بيده هو حزب سياسي يؤدي دوره وفق القانون، الإصلاح يطالب بأن تولى محافظة تعز اهتماماً خاصاً من قبل الحكومة والتحالف أيضاً، من يعود لدور الإصلاح وبياناته سيجد أن صوت الإصلاح عالياً مجسداً لمسؤولياته وواجباته ومعبراً عن معاناة تعز التي بات السكوت عنها مساهمة في تفاقمها واستمرارها.
وأضاف أن الإصلاح طالب بعودة المحافظ لممارسة عمله من داخل المحافظة، وطالب بإحالة كل ملفات الفساد الموجودة لدى فرع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الى النيابة ومحاسبة كل فاسد، كما طالب بتفعيل دور القضاء والنيابات وتعزيز الجانب الأمني والقبض على الخارجين على القانون وبسط هيبة الدولة وسلطتها.
وأشار المقرمي إلى أن هناك مبالغة وتضخيما لما يجري في تعز رغبة في تحقيق مكاسب سياسية لا علاقة لها بما يعانيه أبناء تعز، كما أن بعض الأحزاب والناشطين يلعبون دوراً سلبياً مع الأسف من خلال شيطنة تعز وتصويرها على أنها وكر للإرهاب وللفساد ويزيفون الحقائق ولأغراض يعلمها جميع أبناء تعز المدركين تماماً ما يجري في تعز ويعرفون أكثر من غيرهم أين يتواجد الإصلاح ويقف.
دور أممي مختل
مع تلاشي الآمال بإمكانية حسم التحالف العربي وقوات الشرعية للمعركة عسكرياً في اليمن، وبدأت الأنظار تتجه صوب الحل السلمي الذي تروج له الأمم المتحدة، الذي عين أمينها العام "أنطونيو غوتيرش" السويدي "هانز غروندبرغ" مبعوثا جديداً له في اليمن خلفاً للبريطاني "مارتن غريفث".
عن تقييم الإصلاح لدور الأمم المتحدة ومبعوثيها في اليمن لإنهاء الحرب وإحلال السلام قال أحمد المقرمي إن دور الأمم المتحدة منذ بداية الحرب اتسم بالغموض وساوى بين الجاني والضحية، مبدياً عدم تفاؤله بأن يحقق المبعوث الجديد أي شيء ذا قيمة.
وتابع "لن يختلف دور المبعوث الجديد عن سابقه الذي استطاع إيقاف عملية تحرير ميناء الحديدة وعجز عن إلزام المليشيات الانقلابية بالسماح بصيانة خزان صافر العائم الذي بات يهدد سلامة البيئة البحرية، بالإضافة إلى ذلك فشل المبعوث السابق في فك الحصار عن تعز كقضية إنسانية صرفة إو إطلاق المعتقلين".
واختتم المقرمي حواره مع "الموقع بوست" بالتأكيد على فشل أي جهود للسلام كون المليشيات الانقلابية تدعي الحق الإلهي في حكم اليمنيين والتحكم بمصيرهم، داعيا كافة اليمنيين لتوحيد الصف والاعتماد على الله قبل كل شيء ومواصلة المعركة حتى النصر، حسب وصفه.