[ الناشطة اليمنية زهراء خالد باعلوي تتحدث عن فرص السلام في اليمن ]
تحدثت الناشطة الحقوقية اليمنية زهراء خالد باعلوي عن قضية السلام في اليمن وإشكالياته في البلد الذي مزقته الحرب منذ قرابة سبع سنوات.
وقالت باعلوي في حوار مع "الموقع بوست" إن المجتمع المدني في اليمن ضعيف والمؤسسات المدنية الداعية للسلام هزيلة وحضورها ضعيف، ولا يوجد شخصيات بارزة ومنظمة تشتغل بطريقة منهجية ولديها قدرات تعبوية وقادرة على فرض السلام وتحقيق حلم الشعب بالسلام.
وأضافت "ما لم يتم تجريد القوى المتصارعة من السلاح والقوة فأي حل سيفشل، لأن بقاء القوة يمكن لأي طرف يرى نفسه الأقوى ينقلب ونعود لمربع البداية، فتحييد القوة النارية والسلاح سيضمن عملية السلام الدائم".
نص الحوار:
* كيف تنظرين للحرب في اليمن حقيقتها وتوصيفاتها من وجهة نظرك؟
** أدق توصيف لما يحصل اليوم في اليمن هو أن أطراف الصراع أدوات لصراع لا علاقة له باليمن.
* هناك في اليمن ما يمكن تسميته أزمة أصوات السلام بمعنى أن أصوات السلام تكاد تكون قليلة، لماذا برأيك هناك أزمة في أصوات السلام في اليمن وبدلاً من ذلك هناك فائض بأصوات الحرب؟
** عدم سماع أصوات السلام لا يعني أن هناك فائضا لدعاة الحرب، في الحقيقة لو نظرنا للواقع لوجدنا غالبية الشعب يريد السلام وإنهاء الحرب بشكل كامل، هناك أصوات وتكتلات كثيرة محلية ودولية منادية للسلام وتتحرك وفق هذا الإطار، لكن صوتها ضعيف وغير مسموع، والسبب الذي جعل صوت الحرب أقوى أن القوى المتصارعة منظمة، بمعنى أنها كتل سياسية لها نوافذ إعلامية من صحف ومواقع وقنوات كلها محرض للحرب، شحة أصوات السلام نتيجة العمل الفردي، لا يوجد أطر ونوافذ قوية تصدح بالسلام.
* لماذا لا يوجد أطر ونوافذ تمثل الكتل الداعية للسلام؟
** نحتاج نوافذ قوية مواقع وقنوات وأدوات قوة تمثل المناديين للسلام ، وتضغط على أطراف الحرب بإتجاه الحوار والبدء بمفاوضات سلام حقيقية.
نأخذ تونس كمثال. عندما دقت طبول الحرب كان هناك الاتحاد العام للشغل، قوة اجتماعية محايدة غير سياسية، أصبحت قوة ضاغطة ، وضغطت على الأطراف وألزمتهم بحل سياسي.
نحن في اليمن المجتمع المدني ضعيف، حتى المؤسسات المدنية الداعية للسلام هزيلة وحضورها ضعيف، لا يوجد شخصيات بارزة ومنظمة تشتغل بطريقة منهجية ولديها قدرات تعبوية وقادرة على فرض السلام وتحقيق حلم الشعب بالسلام.
* ما هو أفق الحل والمعقول للأزمة اليمنية من وجهة نظرك؟
** باعتقادي دولة اتحادية من خمسة أقاليم بنظام فيدرالي لديها صلاحية الحكم الذاتي مع احتكار القوة والسيادة، وزارة الخارجية والدفاع، وإعادة توزيع السلطة والثروة على الشعب، هذا سيحدث تدريجيا.
مشكلة اليمن تكدس السلطة والثروة في المركز وتهميش الأطراف، إذا أعيد توزيع السلطة والثروة بالتساوي ستحل الكثير من المشكلات وتفك الكثير من التعقيدات، لأن أهم سبب للحرب هو السلطة والثروة.
وإحدى المشكلات أيضا أن أحد الأطراف يريد إعادة الصيغة القديمة لحكم اليمن، وهذا غير ممكن.
المقصود بالصيغة القديمة احتكار السلطة في المركز وبقاء بقية الأطراف ذات حضور هامشي.
الأن لدينا المناطق الوسطى مهمشة، الجنوب تعرض للتهميش ولكل منطقة لها مظلوميتها، لذا باعتقادي أن مخرجات الحوار الوطني لن يجد اليمنيون أفضل منها وباعتراف الجميع، والجميع شارك بصياغتها حتى الحوثيون أنفسهم.
مخرجات الحوار أعظم مهرجان سياسي خاضه اليمنيون منذ بداية ميلاد الدولة الحديثة، وأرى أنه يجب العودة إليها، وإن وجد خلاف على زوايا معينة يمكن مناقشتها والاتفاق حولها.
هذا أفق عظيم ورغم الصراع لأكثر من ست سنوات، ما تزال مخرجات الحوار الوطني تمتلك شرعيتها وصلاحيتها والحلول لكل الأزمات التي تمر بها اليمن.
* كيف تتصور زهراء باعلوي السلام في اليمن؟
** يمكن الحديث عن نقاط أساسية، إعادة تفعيل مجلس النواب، انتخاب رئيس توافقي لفترة زمنية محددة لترتيبات فترة انتقالية، تقاسم سياسي للمناصب الحكومية بين جميع الأطراف، حكومة انتقالية.
وأهم خطوة لضمان عملية السلام، رسم خارطة لدمج القوات العسكرية، هذه من الخطوات المركزية قوات الشرعية وجماعة الحوثي وطارق صالح والانتقاالي... إلخ.
ما لم يتم تجريد القوى المتصارعة من السلاح والقوة فأي حل سيفشل، لأن بقاء القوة يمكن لأي طرف يرى نفسه الأقوى ينقلب ونعود لمربع البداية، فتحييد القوة النارية والسلاح سيضمن عملية السلام الدائم.
عندما يكون لدينا جيش ضابط للبلاد وعقيدة وطنية خالصة، سيتحول الصراع لسياسي بالطرق السلمية وتحيد القوة النارية.
عودة لبداية الحديث، بعدها فترة انتقالية وإزالة آثار الحرب وإجراء انتخابات وكل قوة سياسية ستأخذ حجمها وفقا لما يقرره الشعب وليس ما تملكه من قوة.
الآن كل من يمتلك سلاحا يريد انتزاع مكاسب بحجم السلاح أو القوة التي يمتلكها، هذه نظرية مختلة وفكرة مدمرة ولا يمكن أن تصنع سلاما، كل قوة يجب أن تحظى بوزنها وفقا لما يقرره الشعب. أما إذا استمرينا بشرعية العنف والاحتكام للسلاح سننتج استقواءات وصراعات دائمة وثارات لن تنتهي.
* أي أطرف الحرب في اليمن أكثر انتهاكا لملفات حقوق الإنسان من بين جميع المكونات المتواجدة على الأرض؟
** كل الأطراف بلا استثناء من شرعية وتحالف وحوثي... إلخ مارست أبشع الإنتهاكات بملف حقوق الإنسان، ومسألة النسب والطرف الأكثر انتهاكا تعود للإحصاءات الدولية، لكن بنظري الجميع منتهك ومرتكب جرائم حرب بحق هذا الشعب الطيب الذي هو الضحية الذي يدفع ضريبة حرب لا علاقة له بها.
* من منطلق كونك ناشطة في المجال الحقوقي والإنساني، من هي الأطراف اليمنية التي تعرقل عملية السلام في اليمن؟ وما الفائدة المتوخاه من عرقلة عملية السلام؟
** باعتقادي كانت الأطراف جميعا تعرقل عملية السلام. في الفترة الأخيرة يمكن القول إن الحوثيين طرف معرقل للسلام، وهذا لا يعني انحيازي للشرعية على حساب الحوثي، أنا لا أتفق مع جميعهم، ولكن استنتاجي حسب الشهادات الدولية أنه الطرف المعرقل.
وبرأيي الحوثي يرى نفسه المنتصر لذا يريد انتزاع تنازلات أكبر من الشرعية، والمجتمع الدولي يريد بناء سلام على نتائج الحرب، وأعتقد أنه لا يمكن أن يبني سلاما على نتائج الحرب، بمعنى لا يمكن ترجمة القوة العسكرية لمكاسب سياسية، حتى لو كان الحوثي المنتصر لا يحق له فرض شروط مبالغ بها، لأن أي سلام يؤسس على نتائج القوة سيكون مفخخ ومؤقت.
* ما رأيك في من يطرح مسألة الجلوس مع جماعة الحوثي على طاولة المفاوضات بدون شروط أو تأييد الذهاب لمفاوضات بين الشرعية والحوثيين دون شروط ومرجعيات سابقة؟
** السلام الحقيقي والجاد يبنى على تصورات معزولة عن نتائج الحرب، سواء كان المنتصر الشرعية أو التحالف أو الحوثي. قلت التحالف منفردا، لأنه يعتبر طرف بالصراع ولم يأتِ لأجل اليمن أو دعم الشرعية.
دعوا نتائج الحرب، وناقشوا عملية سلام تضمن مستقبلا مستقراً للجميع بعيداً عن استحقاقات المعركة، السلام الحقيقي يؤسس على حقوق الأطراف، واشتراطات الدولة والدستور والقانون الذي يضمن أمن واستقرار الجميع.
* هل تمتلك أصوات السلام تصورات شاملة وواقعية عن السلام أم مجرد دعوات فارغة أشبه ما تكون بحلم رومانسي؟
** أعتقد أن دعوات السلام الداخلية والخارجية لا يملك أصحابها لائحة تفصيلية أو خطوات إجرائية حقيقية عن السلام. نعم ينادون بالسلام ويسعون لكن داخل الدائرة، لا يفكرون خارج الصندوق.
ما هو السلام ماهية السلام، كيف يتم، ليس هناك قراءة موضوعية للواقع وتعقيداته، ومحاولة رسم خارطة طريق تراعي تعقيدات الواقع، هناك دعوات كثيرة وفضفاضة للسلام.
حتى أطراف النزاع يريدون السلام، لن يقولوا إنهم لا يريدون السلام، جميعهم يرددون شعارات المطالبة بدولة وعدالة ومساواة، لكن ما الذي يملكونه إزاء هذه المطالب، ما هو التصور التفصيلي العملي الإجرائي الذي يحقق هذه الغاية.
لا بد من ابتكار حلول تتجاوز هذه الصراعات وتفكك التعقيدات والتناقضات داخل المجتمع، حلول عملية واقعية تفكك أسباب الصراع وتصنع سلاماً حقيقياً لهذا الشعب المكلوم.
* العمل الإنساني في اليمن هل هو فعلاً إنساني أم مجرد مشاريع سياسية بغطاء الإنسانية؟
** العمل الإنساني في اليمن قد يتحقق من ورائه عمل سياسي، طبعا هناك عمل إنساني وهو متعدد ومتنوع تقوم به بعض منظمات دولية ومحلية، وهذا أمر لا يمكن نكرانه.
قولنا إنها أعمال إنسانية هو نابع من الفائدة التي تتحقق للمواطن بغض النظر عن مستوى هذه الفائدة، وهناك منظمات تقدم خدمات للمواطن اليمني وتخفف قليلاً من آثار الحرب، بغض النظر عن الاختلالات التي ترافق العمل الإنساني.
طبعا أي جهة تقدم للشعب شيئا هي تبتغي شيئا مقابلاً بالضبط لكن بطريقة غير مباشرة، ولكن علينا ألا ندور في فلك المشككين بالعمل الإنساني ولا بد من تشجيع وتعزيز أي جهد يسهم في التخفيف من معاناة المدنيين والذين يركبون موجة العمل الإنساني لتحقيق أغراض لا تخدم أطراف الحرب بطريقة مختلفة.
* هناك دعوات للسلام في اليمن رغم قلتها، إلى أي مدى يمكن القول باستقلالية هذه الأصوات المنادية للسلام عن أي مشاريع تخدم الأطراف المتصارعة؟
** أصوات السلام يجب ألا تقابل بالغمز واللمز، كل الترحيب بها حتى وإن صدرت من قادة أطراف الصراع، ما يخيفنا هو اختفاء وخفوت صوت السلام.
وبالتالي يجب الاحتفاء بأي نشاط أو فعالية تعزز السلام وتلك المبادرات التي تبيّض جرائم المنتهكين للحقوق تموت في مهدها ولا يكتب لها النجاح، فالناس يميزون بين الحقيقة والتمثيل.