[ منشورات وزعها تنظيم القاعدة في اليمن ]
ردة فعل ملفتة وجريئة قام بها تنظيم القاعدة في اليمن على ما تعرض له منتصف شهر ديسمبر من العام الفائت 2020، وهو ما لم تتناوله وسائل الإعلام العربية والعالمية، التي تناولت الضربة التي تلقاها التنظيم في محافظة مأرب، وعلى إثرها قام التنظيم بردة فعله التي اختفت خلال الأعوام الماضية، وذلك إثر استهداف أحد قياداته بصاروخين متتاليين، من قبل طائرات الدرونز الأمريكية بمنطقة الحصون الخارجة عن سيطرة الدولة، والتي تحكمها القبيلة شرق محافظة مأرب الصحراوية.
وتعرض تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" لضربات متتالية خلال العام 2020 من قبل طائرات الدرونز الأمريكية لمكافحة الإرهاب، التي حلقت كثيرا في الأجواء اليمنية، ونفذت ست غارات جوية في مناطق مختلفة من اليمن تركزت أغلبها في محافظة مأرب، وشنت بقية غاراتها في محافظات شبوة والبيضاء وحضرموت.
وخلال العام 2020، تلقى تنظيم القاعدة في بداية ونهاية العام ضربات قاصمة له جعلته مشتتا ملاحقا ومتنقلا بين المحافظات الصحراوية الثلاث شبوة وحضرموت ومأرب، وكانت أبرز ضربة قضت على أمير تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قاسم الريمي، والتي يرجح أن الدرونز الأمريكية استهدفت الوحيشي في منطقة الرويك الصحراوية بين محافظة حضرموت ومأرب، بحسب مصادر محلية في منطقة الرويك مطلع يناير من العام الفائت.
شكلت تلك الضربة بداية العام شؤما على التنظيم الذي لم يعين خلفا للريمي كزعيم للتنظيم (مدة ست سنوات) إلا بعد مرور ثلاثة أشهر من مقتل الريمي على غير عادته، حيث إن تعيين الريمي جاء بعد أربعة أيام فقط من مقتل الوحيشي القائد السابق لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي قضى بغارة جوية بطائرة درون أمريكية أوائل عام 2015، بينما قالت الصحيفة الأمريكية (ذا واشنطن إنستيتيوت The Washington Institute) إنها علمت من مصادر جهادية إلكترونية بطرح بدائل للريمي لقيادة التنظيم، وجرى طرح أسماء أربعة قياديين كمرشحين محتملين ليخلفوا الريمي، وهم سعد العولقي، خالد باطرفي، إبراهيم القوسي، وإبراهيم البنا، لكن لم يظهر من تلك الأسماء حتى الآن أحد لقيادة التنظيم، وهو ما يرجح فزع التنظيم وتشظيه وتفككه، رغم محاولة التنظيم استغلال فوضى الحرب في البلاد ليستعيد أنفاسه وتنظيم صفوفه من جديد.
يقول الباحث في الجماعات المتشددة مشير المشرعي في تصريح صحفي إن أشهر القيادات في تنظيم القاعدة حاليا هو خالد باطرفي، وهو أمير تنظيم القاعدة في اليمن حاليا، وتم تعيينه بعد مقتل قاسم الريمي بفترة طويلة، مشيرا إلى أن باطرفي من قيادات الجيل الجديد لتنظيم القاعدة في اليمن.
ويلفت المشرعي إلى أن تنظيم القاعدة لم يعد له أي تواجد علني إلا في منطقة قيفة التابعة لمحافظة البيضاء، إضافة إلى تواجده في بعض الجيوب في جبال أبين وصحراء مأرب والتي تعتبر ملاذا آمنا إلى حد ما لمسلحي التنظيم.
ومثلت ضربات الدرون الأمريكية خلال شهري أكتوبر وديسمبر من العام الفائت في المناطق الشرقية الصحراوية بمأرب دليل كاف بأن الصحراء بين مأرب وشبوة وحضرموت باتت ملاذ القاعدة، وهدف الطيران الأمريكي الذي لا يفارق أجواء تلك المناطق لأيام عديدة ثم يعود بعد مغادرة قصيرة.
محاربة التنظيم
في بداية يناير من العام الماضي 2020، نُشرت دراسة بريطانية أعدتها الباحثة البريطانية كاميلا مونيلكس التي حملت عنوان "صنع في مأرب.. استجابة محلية لحالة العنف واللااستقرار"، والتي قالت إن إستراتيجية مأرب في مواجهة القاعدة عمدت لمعالجة الدوافع الأساسية لحالة اللااستقرار والتطرف العنيف، وقالت إن جملة من العوامل والسياسات الناتجة عن السلطة المحلية بمأرب نجحت في الحد من هجمات القاعدة، وأبرزها التركيز على الحكم الرشيد وتطبيق القوانين المحلية ودعم القضاء وتعزيز الشفافية، وتوصلت الدراسة إلى أن إستراتيجية أمريكا في مواجهة القاعدة في اليمن لم تعد صالحة لظروف مأرب.
إلى ذلك، دارت مواجهات عسكرية بين القوات الأمنية بمحافظة مأرب وعناصر من تنظيم القاعدة عدد من المرات خلال العام الفائت على مداخل مدينة مأرب، أثناء محاولات دخول عناصر التنظيم بشعاراتها وأسلحتها إلى مركز المدينة مما أدى إلى سقوط جرحى بين الطرفين، وأرغمت عناصر القاعدة من قبل قوات الأمن على التراجع ومنعها من الدخول إلى المدينة.
"الموقع بوست" رصد الضربات الجوية للطيران الأمريكي المسير في المنطقة الصحراوية المحاذية لمحافظات مأرب وحضرموت وشبوة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الفائت 2020، حيث استهدف الطيران الأمريكي عصر الثلاثاء 28 أكتوبر 2020 مركبة مدنية نوع صالون قتل فيها ثلاثة من قبيلة آل السويري يعتقد انتماؤهم لتنظيم القاعدة في منطقة الحصون شرق مدينة مأرب، بحسب مصادر محلية.
وفي مساء الخامس عشر من ديسمبر 2020، استهدف الطيران الأمريكي بصاروخين شخصا يعتقد انتماؤه لتنظيم القاعدة بضربة جوية، كان على متن دراجة نارية بالقرب من معرض للسيارات في ذات منطقة الحصون شرق محافظة مأرب، وقال مصدر محلي إ المستهدف حينها هو شخص من محافظة شبوة جنوبي البلاد انتقل إلى مأرب قبل عام تقريبا، وأنه كان يزاول عمل بيع العسل في محل تجاري في ضواحي محافظة مأرب، دون أن يوضح المصدر اسم المستهدف، وذلك ما يشير أيضا إلى أن اقتصاد التنظيم مستمر في ظل اعتماده على التجارة، وعدم تأثره باستهدافه مما يعزز دوره وتجدد أعضائه دون تأثر بمقتل قادته البارزين.
وكردة فعل للتنظيم على استهداف بائع العسل الذي يعتقد انتماؤه للقاعدة في اليمن، وبعد ساعة تقريبا من الاستهداف الأخير للطيران الأمريكي، خرجت عناصر ملثمة تحمل شعارات تنظيم القاعدة وأسلحة رشاشة نحو سوق الحصون الريفي وقامت بتوزيع منشورات ورقية على المحال التجارية كافة وعلى المارة في الشوارع والمركبات.
وحصل "الموقع بوست" على نسخة خاصة من البرشورات الموزعة من التنظيم على المواطنين في منطقة الحصون على خريطة اليمن، ورسم عليها لهب النيران التي تشعلها الطائرة الامريكية المسيرة التي رسمت أعلى الخريطة والمعنونة بـ"أمريكا تقصف المسلمين في اليمن".
وكان البرشور معرف بأنه "مطوية دعوية تصدر عن القسم الدعوي في أنصار الشريعة في اليمن"، ورسم على ورقة البرشور الدماء على أطرافها، في إشارة الى أنها دماء اليمنيين بسبب ضربات الطيران الامريكي.
ويأتي هذا التطور الملفت في ردة فعل جديدة وجريئة لتنظيم القاعدة في اليمن، الذي يرى البعض أنه بات على وشك النهاية والتفتت والتقسيم، لكن ما يثير تلك الرؤية التي تقلل من قدرات القاعدة حاليا هو عدم تنفيذ التنظيم أي أعمال أو هجمات معادية ضد من يدعي عدائه لهم كأمريكا وشركائها، أو الجهات المحلية أو من يدعي التنظيم عداءهم في الداخل أو الخارج اليمني.