[ هجمات الحوثيين بالصواريخ البالستية في الداخل ارتبطت بتحولات الموقف الإماراتي من الأزمة اليمنية وعلاقتها بإيران ]
في الوقت الذي تجري فيه دولة الإمارات محادثات مع إيران أفضت إلى توقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين لتأمين الملاحة في مضيق هرمز وتعزيز أمن حدودهما المشتركة، فاجأت مليشيات الحوثيين الجميع بقصف أصاب هدفه بدقة في العاصمة المؤقتة عدن، استهدف عرضا عسكريا لمعسكر تابع للحزام الأمني المدعوم إماراتيا، وكان أبرز ضحاياه قائد ما يسمى لواء الدعم والإسناد منير اليافعي، ولم يتضح بعد حجم الخسائر المادية والبشرية تماما جراء القصف الذي تبنته مليشيات الحوثيين، وأفادت بأنه كان بواسطة صاروخ بالستي وطائرة مسيرة.
القصف المذكور تزامن مع قصف آخر بصاروخ بالستي استهدف موقعا عسكريا في مدينة الدمام السعودية، بحسب مزاعم المليشيات الحوثية، وسبق كلا القصفين انفجار سيارة مفخخة في شرطة الشيخ عثمان في عدن، وصرح قيادي حوثي بأن جميع قادة المجلس الانتقالي أهداف مقبلة لجماعته، بعد أن شهدت مدينة عدن حمام دم أعاد للأذهان أجواء الشهور الأولى من عملية "عاصفة الحزم" عندما كانت المعارك تدور داخل مدينة عدن وضواحيها، بل فطبيعة الهدف وحجم الضحايا كان بشكل لم يسبق أن شهدته عدن حتى في بداية الحرب عندما كان الحوثيون ما زالوا في داخلها وعلى أطرافها.
دلالات التوقيت
ارتبطت الهجمات التي تنفذها مليشيات الحوثيين ضد خصومها في الداخل بواسطة الصواريخ البالستية، خلال المدة الأخيرة، بتحولات الموقف الإماراتي من الأزمة اليمنية وعلاقتها يإيران. فمثلا، عندما انسحبت الإمارات من محافظة مأرب، قصف الحوثيون بصاروخ بالستي منزل محافظ مأرب سلطان العرادة، كونه أبرز مسؤول في السلطة الشرعية هناك، وتحركت عصابات موالية للحوثيين وهاجمت نقاطا أمنية في مأرب وقتلت عددا من الجنود.
وبعد التقارب الإيراني الإماراتي، وزيارة وفد إماراتي لطهران، قصفت مليشيات الحوثيين عرضا عسكريا في عدن أسفر عنه قتل وجرح العشرات، وقتل قائد ما يسمى لواء الدعم والإسناد منير اليافعي، كونه أبرز قائد عسكري في عدن موالٍ للإمارات وله سطوة ونفوذ واسع هناك، وجاء القصف بعد انفجار سيارة مفخخة في شرطة الشيخ عثمان بعدن.
هذا التوقيت، في كلتا الحالتين، ونوعية الأهداف، تأكيد على بصمات المخابرات الإيرانية التي تعمل مع مليشيات الحوثيين، وإثبات بأن قرار استخدام الصواريخ البالستية بيد إيران وليس بيد الحوثيين. فمن جانب، فإن ارتباط توقيت مثل هذه الهجمات مع تحولات الموقف الإماراتي يعني بأن الهدف منها إحداث شرخ بين دولة الإمارات وبعض الأطراف المناهضة للحوثيين في الداخل، بمن فيهم أتباع الإمارات، كون توقيت مثل هكذا هجمات يشي بأن الإمارات باعت أتباعها للحوثيين، وبالتالي زعزعة الثقة بينها وبين أتباعها وغيرهم.
ومن جانب آخر، يرى الحوثيون والإيرانيون بأن هذه الهجمات -بزمانها ومكانها- ستشكل ضغطا وحربا نفسية على خصوم الحوثيين في الداخل، كونهم أصبحوا أهدافا هشة ومكشوفة للمليشيات، خاصة أنه يتبع ذلك تصريحات عنترية لقيادات حوثية، تستغل عامل اللحظة والتأثير النفسي لمثل تلك الهجمات، واستغلالها نفسيا وإعلاميا لأقصى حد.
وإذا كان "التقسيط" في استخدام الصواريخ البالستية قد يعكس محدودية مخزون المليشيات الحوثية من هذه الصواريخ، غير أن هذا "التقسيط" في استخدامها يعني بأنها ستخصص لتنفيذ هجمات نوعية وموجعة للطرف الآخر، وإيصال رسائل متعددة لمختلف الأطراف، ويعني ذلك أيضا بأن استخدامها من عدمه هو قرار إيراني وليس قرارا حوثيا، لاستخدامها في المكان والزمان المناسبين، لأنه لو كان استخدامها قرارا حوثيا لاستخدموها بشكل عشوائي.
رسائل مزدوجة
يعكس هجوم مليشيات الحوثيين على معسكر للحزام الأمني في العاصمة المؤقتة عدن، أثناء حفل بتخرج دفعة جديدة، وقتل أبرز قيادي عسكري هناك، يعكس العديد من الرسائل المزدوجة، فيما يلي أهمها:
- الرسالة الأولى: موجهة لمختلف الأطراف المعادية للحوثيين، مفادها بأن المليشيات انتقلت من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم، وأنها قادرة على تنفيذ ضربات موجعة وبدقة عالية في حق خصومها، وقادرة أيضا على تطوير قدراتها التسليحية، بما من شأنه تغيير معادلة الصراع لصالحها بشكل كبير.
- الثانية: موجهة للحزام الأمني والمجلس الانتقالي في الجنوب وكل دعاة الانفصال، مفادها بأن انفصال جنوب اليمن مستبعد، وأن المليشيات لن تدع الجنوبيين ينعمون بالانفصال في حال تم ذلك بدعم ورعاية إماراتية.
- الثالثة: موجهة للتحالف العربي والسلطة الشرعية، مفادها بأنكم تخوضون حربا لا نهاية لها ولا أمل لكم في النصر، وليس أمامكم سوى المصالحة مع الحوثيين وفقا لشروطهم وإملاءاتهم.
- الرابعة: موجهة لمقاتلي المليشيات في مختلف الجبهات، بغرض رفع معنوياتهم والإيحاء بأن المليشيات تمضي نحو التفوق العسكري وأنها ستحقق هدفها بالسيطرة الكاملة على البلاد.
- الخامسة: موجهة للسلطة الشرعية مفادها بأن المليشيات تمتلك الصواريخ والطائرات المسيرة التي لا يمتلكها الجيش الوطني وممنوع من شرائها من قبل التحالف العربي.
- السادسة: تسعى مليشيات الحوثيين، من وراء هكذا هجمات نوعية، لتحسين موقفها التفاوضي في أي مساعٍ أممية مقبلة لحل الأزمة اليمنية سلميا.
وأخيرا، نستطيع القول بأن ما حدث كان نتيجة طبيعية لتأجيل الحسم العسكري أو استبعاده إن جاز التعبير، وانحراف التحالف العربي (السعودي الإماراتي) عن أهدافه في اليمن، وغلبة منطق المؤامرات والمكائد على أداء الأطراف المناهضة للحوثيين، وتعدد أهداف وأولويات التحالف في اليمن، والتي يأتي على رأسها إضعاف السلطة الشرعية وحلفائها، وتدمير كل معالم الدولة، وتشكيل جماعات مسلحة ومليشيات قبلية ومناطقية وعائلية بدائية، لا تؤمن بمبدأ الدولة، ولا تعترف بقوانين، وتحكمها توجهات بدائية ومتخلفة تعود إلى مرحلة ما قبل الدولة.