[ انتهاكات الحوثيين في الأرياف غير المحررة في تعز ]
لم يكن علي الشابع (43 عامًا) يعلم أنه سيُعتقل داخل خزّان حديدي ساخن، لا يتجاوز ارتفاعه متر ونصف، وأنه سيقضي فيه ثلاث ساعات في ذروة الظهيرة، وسيعاني من الحرارة والاختناق داخل خزّان مُغلق إلا من ثقوب صغيرة أحدثتها رصاصات مشرف الحوثيين في منطقة الصرام، مديرية خدير، جنوب تعز، عبد السلام كُليب، حين قرر أن يستخدم ذلك الخزّان كسجن لاعتقال ضحاياه. أمضى المواطن علي الشابع ثلاث ساعات قائضة داخل الخزان، وهي المدة التي خصصتها النقطة التابعة للحوثيين لعقاب الشخص الذي يتم اعتقاله لأي سبب. انتقل الشابع بعد ذلك إلى غرفة السجن التابعة لذات النقطة في منطقة الصرام، ليخرج بعد ثلاثة أيام بعد أن افتدى نفسه بـ 100 ألف ريال، دفعها لمشرف النُقطة وغادر ساخطًا، كيف أنه تعرض لكل هذا الظلم بسبب شكوى تقدّم بها ضده المواطن عبد الرحمن سيف، على خلفية قضية محل خلاف بينهما.
ترهيب المجتمع
يصرح الشابع لـ"الموقع بوست" واصفًا الحدث الذي تعرض له بأنه أسوأ تجربة تعرض لها في حياته، ويقول:"ظللت محشورًا داخل الخزان لثلاث ساعات، كنت أتصبب عرقًا من شدة الحرارة، وأنفاسي تختنق، لقد شعرت بدنو أجلى لأول مرة". إنه أمر مثير للسخرية، يقول، حين تفكر بالسبب.
وقد تعرض الشابع، وهو من أبناء قرية السانية، عُزلة الصرام، مديرية خدير، للاعتقال بسبب خلاف بسيط على حدود لقطعة أرض يشترك فيها مع سيف. لكن هذا الأخير أراد أن ينتقم منه، فلجأ للشكوى لدى أفراد النقطة الحوثيين، سيئي السمعة في المنطقة، والمعروفين بالبلطجة والبطش، لهذا يلجأ إليهم بعض المواطنين الحاقدين، ويدفعون لهم الأموال بغرض الانتقام من الخصوم، وهي الطريقة التي انتشرت مؤخرًا في مديرية خدير، ويتّبعها الخصوم لتصفية الحسابات الشخصية العالقة بينهم، وغالبًا ما تتخذ شكل الوشايات، التي تهدف إلى توريط الخصم، دون أن تتضمن مطالب بالحل، الذي غالبًا ما يأتي من طُرق أخرى.
تعذيب مُبتكر
وتقع النقطة التابعة لجماعة الحوثي، في منطقة الصرام، على بعد كيلومترين من جبهة الأقروض، جنوبيّ تعز، وتملك سجنًا خاصًا، وتمارس البلطجة والابتزاز ضد أبناء المنطقة ومسافري تعز عبر خط الأقروض.
نشوان الربوعي، أحد حُرّاس مزارع القات المجاورة للنقطة، يروي لـ"الموقع بوست" قصة أحد المسافرين القاصدين مدينة تعز، حيث اعتقلته الجماعة في ذات النقطة، بسبب إبدائه اعتراضًا على طريقة التفتيش، فاحتُجز على الفور، في حين غادرت أسرته بسيارة النقل التي كانت تقلهم مع آخرين، ولم تجدِ التوسلات التي كان يطلقها، في الشفاعة له عند الجنود الذين رفضوا إطلاقه. يقول الربوعي إنه ألقى به الحوثيون في الخزان وأغلقوا، وكان عجوزًا في الستين من عمره، وبعد مرور ساعة كاد الرجل أن يموت من الاختناق والحرارة داخل الخزان، لولا سماع أهالي المنطقة لاستغاثاته، فهبوا لإنقاذه بعد عراك مع مسؤول النقطة، وقد أفرج عنه بعد يومين مقابل مبلغ من المال.
عناصر منفلتة
ويمارس متحوّثو مديرية خدير، الابتزاز بكافة أشكاله، وقد أنشؤوا سجونًا في عدد من النقاط المنتشرة في المناطق النائية بالمديرية، ومنحوا أنفسهم صلاحيات واسعة إلى جانب قيامهم بمهمة تفتيش المسافرين، إضافة إلى تدخلهم عنوة لفصل الخصومات بين الناس، ليس بهدف حلها وإنما من أجل ابتزاز الخصوم وتحصيل مبالغ مالية منهم. ويؤكد الربوعي، أن أفراد مليشيات النقطة، يقومون بأخذ إتاوات قسرية من سائقي السيارات، الذين يدفعون ألف ريال، في كل مرة يعبرون فيها. أما سائقو الشاحنات التجارية، فيضطرون لدفع ما لا يقل عن خمسة آلاف ريال كل مرة.
ويشكو سكان أرياف مديرية خدير، من هذه الممارسات التي أرهقتهم، لكن دون منصف. فمشايخ المنطقة متواطئون مع هذه العناصر، التابعة بشكل مباشر لمشرف الحوثيين في مديرية خدير، عادل شعلان.
مُداهمة الأعراس
من جانبه، يوضح الأستاذ محمد السلمي بأن سلوك المليشيات لا يتوقف عند ذلك الحد، فهم يتدخلون في كل موقف أو ظرف قد يتكسبون منه. ويشير إلى أنهم يلجؤون إلى مداهمة الأعراس ويأخذون العريس بحجة حدوث إطلاق نار في عُرسه، وهي ظاهرة على الرغم من سوئها، يقول السلمي، فإنها عادة اجتماعية ارتبطت بالأفراح منذ القدم، والمليشيات باتت تستغل الأمر بقصد خبيث، فبعد اختطافهم للعريس، يطلبون مبلغًا ماليًا ثم يعيدونه.
تمكين المُجرمين
أما الأستاذ عوض الصوفي، أحد أعيان منطقة الصرام بخدير، يصرح لـ"الموقع بوست" بقوله إن أفراد النقاط المتواجدين في بعض مديريات ريف تعز الخاضعة للحوثيين؛ غالبًا ما يكونون من أبناء هذه المديريات، لكنهم عناصر منفلتة، تمارس البطش أكثر من الحوثيين أنفسهم. وبحسب رأيه، فإنهم يقومون بالتعسف ضد أبناء مناطقهم، بهدف الانتقام، وليس تحمسًا للفكر الحوثي، ذلك أن التحاقهم بالحوثيين حدث لدوافع نفسية. ويشير إلى أن أغلب من انضمّ لصفوف الحوثي في تعز، هم من العناصر التي كانت منبوذة في المجتمع، إضافة إلى أصحاب السوابق الجنائية. كل هؤلاء وجدوا بُغيتهم في جماعة الحوثي، التي مكنتّهم من التسلط في مجتمعاتهم التي ينتمون إليها، يقول الصوفي.
ويوضح أن تلك العناصر التي أسماها بـ"المتحوثين"، لا يؤمنون بالفكر الحوثي، بقدر ما يمارسون سلطتهم الذاتية باسمه. يضيف: "لقد كانت تلك العناصر مُكبّلة بسلطة المجتمع الذي كان ينبذهم بسبب سوابقهم في الجرائم، واللصوصية، والبلطجة، قبل مجيء الحوثيين، الذين مكّنوهم من ممارسة انتقامهم على المجتمع.
إرهاب مُضاعف
يختتم الصوفي بالإشارة إلى أن جماعة الحوثي تواصل إرهاب مناطق ريف تعز الخاضعة لسيطرتها باستخدام أبناء تلك المناطق، وهو إرهاب مضاعف، يقول، باتت تتعرض له المناطق غير المحررة بتعز.
وتمعن جماعة الحوثي، في العبث، وإهانة حياة الناس، والبطش بهم لأتفه الأسباب، في نقاط التفتيش المنتشرة في القرى والعُزٙل النائية، بمديريات خدير، والصلو، وصبر الموادم. وهي سلوكيات ترهب حياة المواطنين القاسية هناك، التي لم يكن ينقصها إلا تواجد جماعة الحوثي، لتصبح أكثر بؤساً وقلقاً من ذي قبل.