[ علي عبدالله صالح والقيادي الحوثي صالح الصماد ]
اعتمد الرئيس السابق علي عبدالله صالح طوال سنوات حكمه على سياسة الاستقطاب للشخصيات السياسية والإعلامية المنتمية للأحزاب الأخرى، وجذبها نحو نظامه السياسي وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي ظل يرأسه حتى مقتله على يد حلفائه الحوثيين في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2017م.
كان حزب المؤتمر الشعبي العام بمثابة الوعاء الذي جرى نقل تلك الشخصيات إليه وتوطينهم فيه، وتعيينهم في عدة مفاصل ودوائر ومواقع تنظيمة في الحزب، كما كانت المناصب الحكومية والنفوذ هي المكافأة الأعلى لكل هؤلاء، الذين جاؤوا من مواقع سياسية مختلفة في أحزاب أخرى، بما فيهم أولئك الذين صدرت بحقهم أحكام إعدام أو نفي.
إن نظرة فاحصة لطبيعة الشخصيات التي تقلدت مواقع قيادية في حزب المؤتمر، أو الحكومات المتعاقبة طوال العشرين عاما الأخيرة من حكم صالح تظهر مدى ارتفاع مؤشر الهجرة والنزوح من تلك الأحزاب إلى المواقع الجديدة التي وزعها صالح على تلك الشخصيات.
أدت هذه العمليات إلى فقدان الكثير من الأحزاب السياسية اليمنية كحزب التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الناصري وأحزاب البعث لكوادر قيادية، وشخصيات سياسية ظلت تمثل واجهتها، ثم فارقتها لتستقر داخل حزب المؤتمر وحكوماته التي شكلها، طوال العقود الماضية لتولي صالح للسلطة.
حقق حزب المؤتمر ورئيسه ما يريد من تلك الشخصيات، وظل متربعا على عرش السلطة، ممسكا بكل خيوطها، لكن هذا الأمر أثبت عدم صحته وجدواه في التطورات الأخيرة التي شهدتها اليمن، خصوصا منذ العام 2011م، عندما انطلقت الثورة الشعبية، وخرج من جلباب صالح كثير من تلك الشخصيات.
وجاء العام 2014م، وحدث الانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي بالتحالف مع الرئيس السابق "صالح"، ومثل ذلك المحطة الثانية التي غادرت فيها شخصيات أخرى محيط صالح في صنعاء، وانتقلت إلى المملكة العربية السعودية، فيما بقي الكثير منها جوار صالح، ومع اندماج صالح وحزبه في تحالف واحد مع الحوثيين، فقد بات هؤلاء جزء من هذا التحالف الجديد، الذي مكن للحوثيين في إدارة الدولة، وتجييرها لصالح المشروع الحوثي.
كثير من هؤلاء باتوا يعملون لصالح جماعة الحوثي، متوزعين على عدة أشكال من المواقع والوظائف، وساهموا بشكل كبير في ترسيخ فكر الجماعة، وتسهيل تمددها، وتجذرها داخل المجتمع اليمني، بل وشكلوا الرافعة والدعامة الأهم لها.
نهاية العام 2017م لقي صالح مصرعه على يد الحوثيين الذين احتكروا الدولة، واستولوا على مختلف مؤسساتها، وتحكموا بها، وباتت السلطة في أيديهم، وهذا الوضع جعل حزب المؤتمر الشعبي العام متوزعا على مشارب شتى، وكان هذا دافعا لهجرة جديدة، لكن بعد فاتورة باهظة تسبب بها هؤلاء على البلد بشكل عام.
قفز الكثير من جوار صالح، وانطلق أغلبهم نحو التحالف العربي بشقيه السعودية والإمارات، بعد أن ظلوا يصفونه بالعدو والعدوان، ويصفون من سبقوهم بالمرتزقة والعملاء، وازداد الأمر بعد مقتل صالح بشكل كبير.
تنتمي أغلب تلك الوجوه إلى المؤسسة العسكرية، والإعلام، ومسؤولين في مواقع حكومية مختلفة، ويأتي هذا في وقت تعاني فيه الحكومة الشرعية من مظاهر ضعف وخلل متعددة الأوجه، الأمر الذي يضيف إليها أعباء جديدة، إذ لا قيمة لمعظم تلك الوجوه التي ستزيد الحكومة الشرعية أثقالا جديدة كرواتب ومناصب لا تحدث أي فارق، ولا تشكل أي قيمة ما دامت لا تمتلك معلومات حقيقية عن الثقل العسكري لجماعة الحوثي وتحديدا الصواريخ كما يرى الكاتب اليمني فتحي أبوالنصر في حديثه لـ"الموقع بوست".
وفي استعراض آخر يجسد أغلب هؤلاء المنشقين طابور من المنتفيعن الذين ظلوا يعملون في مختلف المحطات، ويجيدون سياسة القفز في الوقت الفاصل تبعا للعديد من المتغيرات والتطورات التي تفرضها الأحداث.
في الجانب الآخر يبدو واضحا وجود محاولات تسعى إلى إعادة لملمة صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام، عبر رفده بمختلف القيادات ليشكل ثقلا جديدا، وتجري الدماء في عروقه، بعد حالة الشلل التي أصابته جراء مقتل صالح، وهي محاولات تعمل عليها قيادات مؤتمرية بدعم واضح من السعودية والإمارات، ويجري تصعيد هؤلاء للواجهة، لكن من دون أي مشروع بعيد المدى.
لا تمثل هذه النماذج نوعا من الخلاص للمشاكل التي يعاني منها البلد في كل محطة، بل إنها تتحول إلى كتلة تتدحرج من وقت لآخر، تحركها مصالحها الخاصة، وتفترق وتلتقي بناء على تلك المصالح.
يأتي الخلل في هذا كله من السياسة التي اتبعها التحالف العربي، إذ إنه لم ينطلق في تعامله مع القضية اليمنية بناء على هويتها كانقلاب من طرف على طرف آخر، بل حولها إلى قضية طائفية بين مشروع إيراني وآخر عربي، وهذا الأمر جعل القافزين الجدد يحتفظون بذات أحقادهم وأمراضهم الجديدة المسببة للصراع في اليمن، معلنين فقط تأييدهم للخطوات التي يقوم بها التحالف العربي وليس الشرعية اليمنية، وهذا الأمر ساهم في مضاعفة الصراع داخل التيارات المنضوية في إطار التحالف نفسه.
تسعى الرياض وشقيقتها أبوظبي لخلق قوى يمنية تكون في يدها، أكثر مما تكون معبرة عن القضية اليمنية، ولذلك يزداد عدد المنشقين عن مركب الحوثي، لكنهم بلا تأثير حقيقي في ميزان القوة بين الحوثيين والشرعية اليمنية.
من كل هذا تثبت الأحداث أن الدوافع التي تدفع بهؤلاء نحو التموضع من جديد ناتجة عن تلك المصالح التي تحركها، وعن كثافة الاستقطاب الذي يستهدفهم، لتحقيق نصر معنوي أكثر منه مادي بالنسبة للتحالف، وبدون أي دمج حقيقي وانصهار لهؤلاء في مشروع واحد وبوتقة واحدة فإن استمرار استجرار الخلاف بين الفرقاء اليمنيين سيظل هو المسيطر.