[ تقرير لوكالة أمريكية اتهم التحالف بعقد صفقات مع تنظيم القاعدة في اليمن ]
انتقلت الخطورة التي يشكلها تنظيم القاعدة في اليمن إلى مراحل متقدمة، جراء الصفقات والاتفاقات السرية التي وقعها معه التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وأفضت إلى انسحابه من المناطق التي يسيطر عليها واشتراكه في القتال إلى جانب القوات العسكرية التي تقاتل جماعة الحوثيين المسلحة، بحسب ما كشفت عنه وكالة أسوشيتد برس الأمريكية في تحقيق صحفي نشرته مؤخرا.
وبهذه الصفقات والاتفاقات، يكون تنظيم القاعدة في اليمن محظوظا أكثر من فروع التنظيم الأخرى المنتشرة في عدة بلدان، الأمر الذي سيمكنه من الحصول على مكاسب تنظيمية وتعزيز قوته وانتشاره، والقدرة على عقد صفقات وتحالفات ستمكنه مستقبلا من تحقيق بعض أهدافه التي يصبو إليها، والتي من أهمها تحقيق اختراق كبير في صفوف الجيش الحكومي للبلاد، بعد اندماج بعض أفراده فيه للقتال ضد جماعة الحوثيين.
ويعد هذا الاختراق الثاني بعد الاختراق الأول الذي تم في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي استقبل ما عرف بـ"الأفغان العرب" الذين رفضت حكومات بلدانهم استقبالهم بعد عودتهم من القتال في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، واستوعب بعضهم في الأجهزة الأمنية، وسمح للبعض الآخر بتشكيل ما سُمي جيش عدن - أبين الإسلامي في جبال أبين، واستخدمهم في الاغتيالات التي طالت عددا من قيادات الحزب الاشتراكي اليمني، وكانت أحد أبرز أسباب الأزمة السياسية بين شريكي الوحدة التي انتهت باندلاع حرب صيف 1994 الأهلية.
- كواليس الصفقات
بعد أن تمكنت المقاومة الشعبية وقوات الجيش الوطني، التي تشكلت على عجل، من دحر القوات العسكرية الموالية للرئيس الراحل علي عبد الله صالح وجماعة الحوثيين من مدينة عدن ومدن جنوبية أخرى بعد الانقلاب، بدعم وإسناد من التحالف العربي، استغل تنظيم القاعدة حالة الفراغ الأمني وهشاشة الأجهزة الأمنية في بعض محافظات ومدن الجنوب، وعزز حضوره في بعضها، وسيطر على البعض الآخر بشكل علني، مثل محافظة حضرموت، ونفذ عمليات إرهابية في قلب العاصمة المؤقتة عدن، وتسبب ذلك بإحراج التحالف العربي والسلطة الشرعية، وشكل معضلة أمنية بدت عصية على الحل.
وأمام هذه المعضلة الأمنية، لم يجد التحالف العربي، أو بالأصح دولة الإمارات التي لها اليد الطولى في جنوب اليمن، سوى عقد صفقات واتفاقات سرية، تضمنت انسحاب تنظيم القاعدة من المناطق التي يسيطر عليها، وانخراط أفراده، أو بعضهم، في صفوف القوات العسكرية التي تقاتل جماعة الحوثيين المسلحة، مقابل الحصول على أموال طائلة دفعها التحالف العربي لقيادات التنظيم، تخلل ذلك تحركات عسكرية والترويج لمعارك وانتصارات وهمية ضد التنظيم من قبل تشكيلات عسكرية محلية موالية لدولة الإمارات، بهدف صرف الأنظار عن تلك الصفقات والاتفاقات، والترويج لانتصارات وهمية ضد التنظيم.
تعامل كل طرف مع هذه الاتفاقات والصفقات من زاوية مصلحته، فالتحالف العربي رأى فيها مخرجا مناسبا وأقل كلفة من حرب استنزاف مع جماعات إرهابية لديها خبرة في حروب الشوارع والقدرة على الانتشار والتخفي، وتنفيذ عمليات هجومية انتحارية ومباغتة، في بيئة جغرافية تتسم بالتعقيد، بينما رأى فيها تنظيم القاعدة فرصة لتحقيق مكاسب مادية وعسكرية، بدلا من خوض حرب غير متكافئة مع الطرف الآخر، سيكون هو الخاسر فيها حتما، لكن مثل هذه الصفقات والاتفاقات، فهي تتفق مع إستراتيجيته في التعامل مع خصومه، للحصول على أكبر قدر من المكاسب مقابل أقل قدر من الخسائر.
- أين الخطر؟
يظن التحالف العربي أنه حقق نجاحا واختراقا مكنه من حرف تنظيم القاعدة عن معركته وأهدافه في اليمن، واستمالته للقتال ضد جماعة الحوثيين، مستغلا البعد الطائفي وربما الجغرافي للصراع، غير أن ذلك ينطوي على مخاطر عديدة مستقبلا، قد تجعل التحالف العربي، ومعه السلطة اليمنية الشرعية وبعض التشكيلات العسكرية المحلية الموالية لدولة الإمارات والمؤيدة لانفصال جنوب اليمن، يندمون على مثل هذه الصفقات والاتفاقات، التي ستمنح التنظيم فرصة ثمينة للحصول على أموال طائلة سيستثمرها في الاستقطاب والتسليح، وتحقيق اختراق في صفوف الجيش اليمني سيمكنه من تحقيق بعض أهدافه مستقبلا.
لقد استغل التنظيم "الاختراق الأول" للجيش اليمني في عهد الرئيس الراحل علي صالح في تعزيز تحالفاته والحصول على معلومات مكنته من تنفيذ اغتيالات طالت كثيرا من كبار الضباط في الجيش والأمن، وتنفيذ عمليات إرهابية طالت مصالح حكومية وأجنبية، وزاد الطين بلة -حينها- تلاعب الرئيس علي صالح بملف الإرهاب بغية ابتزاز بعض الدول الشقيقة والصديقة، للحصول على أموال وأسلحة بذريعة مكافحة الإرهاب.
وبعد أن تراجع دور التنظيم داخل منظومة الجيش اليمني جراء الانقلاب، وما نتج عنه من إعادة تشكيل للجيش اليمني على أسس محددة، ها هو التحالف العربي يمنح التنظيم فرصة ثمينة لتحقيق "الاختراق الثاني" للجيش اليمني، وستكون نتائج هذا الاختراق أشد خطورة من الاختراق الأول، كونه اختراق معزز بتحالفات مجهولة، وصفقات مالية باهظة ستعزز قدرته على الاستقطاب والتسليح، واكتساب خبرات ميدانية في القتال.
وستزداد هذه الخطورة لعوامل أخرى معنوية، لعل أهمها عودة فروع التنظيم في البلدان الأخرى إلى واجهة الأحداث وتعزيز حضورها في مناطق معينة، بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي خطف الأضواء من تنظيم القاعدة لمدة زمنية محددة، خاصة بعد سيطرته على مساحات واسعة في سوريا والعراق، قبل أن يُطرد منها.
- إستراتيجية القاعدة
تعد الصفقات المربحة وعقد التحالفات المؤقتة أو الدائمة أحد أهم أساليب تنظيم القاعدة وإستراتيجيته في التعامل مع الآخرين، كما تعد من أهم عوامل بقائه واستمراره، بالإضافة إلى عوامل أخرى، مثل الانتشار التنظيمي الجيد، والتخلي عن أسلوب السيطرة على الأرض إلا في حالات نادرة، وتمتعه بشبكة تحالفات واسعة في مناطق قبلية أو معقدة جغرافيا، بحيث يتمكن من التخفي والانتشار بسهولة، والعمل تحت أقنعة تنظيمية، مثل "أنصار الشريعة" وغير ذلك. وقد جعلت هذه الإستراتيجية تنظيم القاعدة في اليمن، وفروع التنظيم في البلدان الأخرى، يحافظون على وجودهم واستمرار بقائهم.
وبعد انحسار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا، شهد نشاط تنظيم القاعدة تصاعدا ملحوظا في عدة بلدان، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وينتشر في تونس والجزائر وليبيا، أو ما يعرفة بمنطقة الساحل والصحراء، كما تصاعد نشاط التنظيم في الصومال (حركة الشباب المجاهدين)، وفي سوريا (هيئة تحرير الشام).
ويتميز فرع تنظيم القاعدة في اليمن عن غيره من الفروع الأخرى للتنظيم بخبرته الطويلة في عقد التحالفات والصفقات، سواء مع الأجهزة الأمنية أو الجهات الحكومية، أو مع رجال القبائل وغيرهم، الأمر الذي مكنه من مراكمة النفوذ، لدرجة أن الولايات المتحدة صنفته بأنه من أخطر فروع تنظيم القاعدة في العالم.
وإذا كانت أخطاء نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي عرف بتلاعبه بالملف الأمني، وخاصة ملف الإرهاب، تمثل السبب الأبرز لتنامي نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن، فإن ذات الأخطاء التي يكررها التحالف العربي اليوم ستتسبب في زيادة خطورة التنظيم مستقبلا، الذي سيطال ضرره اليمن ودول الجوار والمصالح الأجنبية فيها على حد سواء.