[ حالة غير مسبوقة من التردي المهني والأخلاقي في أوساط الإعلام اليمني ]
يشهد الإعلام اليمني، بمختلف وسائله، حالة غير مسبوقة من التردي المهني والأخلاقي، بحيث لم يقتصر الأمر على المماحكات السياسية كما كان في السابق، وإنما طال جوانب أخرى عديدة، لدرجة أن وصف الكثير من وسائل الإعلام، خاصة المواقع الإخبارية الإلكترونية، بالصحافة الصفراء يعد قليلا في حقها، فظاهرة الفساد الإعلامي يصعب وصفها، كما يصعب -في بعض الأحيان- تفسيرها وتحليلها.
وتتزايد هذه الظاهرة يوما بعد آخر، خاصة من خلال الصحافة الإلكترونية، نظرا لقلة كلفتها المادية، وتأثيرها المتنامي جراء تزايد أعداد مستخدمي الإنترنت من خلال الهواتف الذكية، واعتماد الكثير منهم على مواقع الإنترنت كوسيلة وحيدة لمتابعة الأخبار وتلقي المعلومات، والتي غالبا ما تكون معلومات كاذبة أو مجتزأة أو تم تحويرها وتلوينها، أو نوعا من الدعاية السوداء التي تمارسها بعض وسائل الإعلام.
- لماذا الفساد الإعلامي؟
إذا كانت الصحافة توصف بـ"السلطة الرابعة"، وتكمن مهمتها في ممارسة الدور الرقابي على أداء السلطات الثلاث الأخرى، بالإضافة إلى مهمتها الرئيسية المتمثلة في تنوير المجتمع وتنمية وعيه، إلا أن الحاصل اليوم هو أن الفساد الذي طال السلطة الرابعة (الإعلام) صار أسوأ من فساد السلطات الثلاث الأخرى بمراحل كثيرة، وزاد من خطورة ذلك تناسل المواقع الإخبارية عبر الإنترنت، في ظل غياب أي دور رقابي للجهات المختصة، وصعوبة التحكم بالفضاء الإلكتروني.
وقد شجع ذلك الكثيرين على استغلال الفضاء الإلكتروني وإغراقه بمواقع إخبارية تافهة ذات أهداف مزدوجة، مثل ممارسة الدعاية السوداء من خلال اختلاق الافتراءات والأكاذيب لتشويه سمعة الخصوم السياسيين، كما تهدف إلى الإثارة الرخيصة من خلال عناوين مثيرة وبدون أي مضمون خبري، بغرض زيادة أعداد الزائرين من أجل الحصول على أكبر قدر من عائدات الإعلانات التي تقدمها شركة جوجل، أي أن ملاك هذه المواقع يمارسون الخداع والغش الإعلامي بحق الجمهور من أجل العائد المادي، وبدون أي ضمير أو وازع ديني أو أخلاقي.
كما أن التفاعلات السياسية بين مختلف الأحزاب والتيارات التي تزايدت وتيرتها منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، والدور الذي مارسه الإعلام خلال تلك الثورات، كل ذلك جعل الثورات المضادة وداعميها يستخدمون الإعلام كأبرز أداة لتشويه ثورات الربيع العربي وتشويه سمعة أبرز القوى السياسية التي شاركت فيها، فغابت المهنية في الإعلام وحل مكانها الانحطاط والابتذال والإثارة الرخيصة والدعاية السوداء، وسقط في مستنقع الفساد الإعلامي عدد كبير من الإعلاميين ووسائل الإعلام، كما تم تجييش عدد كبير من السفهاء والدخلاء على المهنة في الحروب الإعلامية القذرة والدعاية السوداء.
- مظاهر الفساد الإعلامي
لا يمكن القول بأن تناسل المواقع الإخبارية اليمنية عبر الإنترنت ظاهرة تلقائية، ولكنها ظاهرة فرضتها الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد، خاصة الحاجة الماسة للرزق بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل بالنسبة للصحفيين وغياب الضمير، مما جعل بعضهم ينخرطون ضمن الكتائب الإلكترونية التي تمارس الدعاية السوداء التابعة لبعض دول التحالف العربي، مثل دولة الإمارات.
أما البعض الآخر فيمارسون الكذب والتضليل وخداع جمهور القراء بعناوين مثيرة وبدون محتوى خبري من أجل زيادة أعداد الزائرين لمواقعهم، طمعا في عائدات الإعلانات التي تقدمها شركة جوجل، رغم أنها عائدات قليلة، ولا تستحق التنازل عن أخلاقيات المهنة وكرامة الشخص من أجلها، وهناك مهن أخرى بسيطة يمكن من خلالها الحصول على عائد مادي أفضل من العائد البسيط الذي تقدمه شركة جوجل للمواقع الإخبارية مقابل الإعلانات.
وأكبر دليل أن المواقع الإخبارية الإلكترونية تمارس الإثارة الرخيصة والدعاية السوداء وتنشر ثقافة الكراهية وتغيب فيها أخلاقيات المهنة، هو أن ملاك هذه المواقع ورؤساء تحريرها والعاملين فيها يخجلون من ذكر أسمائهم فيها، وهذا اعتراف منهم بالخطأ الذي يخشون أن يعاتبهم عليه الجمهور، أو أن يتعرضوا للمساءلة والملاحقة القانونية بسبب ما تنشره مواقعهم من أكاذيب وشائعات ودعاية سوداء وخداع القراء والمتابعين من خلال العناوين ذات الإثارة الرخيصة وامتهان الكذب والافتراء ونشر ثقافة الكراهية.
- نتائج خطيرة
لظاهرة الفساد الإعلامي نتائج خطيرة سيطال تأثيرها مختلف جوانب الحياة، وأخطرها أنها تعد أكبر انتهاك للمواطن وحقه في الحصول على المعلومة الصحيحة، وتعد أخطر وأكبر انتهاك يمارسه الصحفيون ضد مهنة الصحافة وبشكل يفوق الانتهاكات التي تمارسها السلطات المستبدة والجماعات المسلحة ضد مهنة الصحافة.
كما أن هذه الظاهرة سترسخ الفساد الإعلامي حتى يأتي زمن يفقد فيه الإعلام مصداقيته تماما لدى الجمهور المتلقي، وتصير مهنة الصحافة من أتفه وأحقر المهن التي يستحي أن يمارسها أي شخص، لأن ظاهرة الفساد الإعلامي في اليمن التي نلاحظها اليوم وصلت إلى مراحل خطيرة أكثر من أي بلد آخر.
وقد أثرت هذه الظاهرة حتى على الإعلام الرسمي والملتزم أو شبه الملتزم بأخلاقيات المهنة، وانتقلت سلبياتها إلى المواقع الإخبارية المحترمة، مثل الصياغة الركيكة للأخبار، وزيادة الأخطاء النحوية والإملائية، والحشو الزائد، وغير ذلك من السلبيات التي تعكس رداءة المشهد الإعلامي اليمني برمته.
والملاحظ أنه حتى وكالة "سبأ" الرسمية التابعة للسلطة الشرعية تشتهر أخبارها بركاكة صياغتها وكثرة الأخطاء النحوية والإملائية فيها، خاصة أخبار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، رغم أنها المصدر الرئيسي للأخبار الرسمية التي يعتمد عليها الإعلام الخارجي والمحلي، والحكومة الشرعية لا ينقصها المال لتهتم بالوكالة الرسمية للأنباء وتوظف فيها صحفيين محترفين، ولكنه الحال من بعضه.