[ تصاعد الحديث عن معركة في الحديدة ]
تعد معركة تحرير الحديدة أول معركة جادة تخوضها مليشيات الحوثيين بمفردها، بعد انتهاء تحالفها مع الرئيس الراحل علي صالح، الذي قتلته الجماعة أثناء أحداث ديسمبر الماضي في العاصمة صنعاء.
كما أن هذه المعركة تعد أول اختبار عسكري حقيقي للجماعة، كونها ستكشف مدى القوة العسكرية للجماعة، والتي ضعفت كثيرا بعد قتلها لحليفها لعلي صالح، الذي سلمها كل إمكانيات الدولة، وكان سببا في نفخ قوتها العسكرية، بعد أن كانت مليشياتها تتكون من عدد محدود من المقاتلين لا يستطيعون تجاوز كهوف محافظة صعدة.
خيارات يائسة
من المؤكد أن مليشيات الحوثيين لن تخرج منتصرة من معركة الحديدة، فإذا كانت قد خسرت معارك جادة سابقة وهي في أوج متانة تحالفها مع علي صالح، فكيف ستكسب معركة وقد تضاءلت قوتها العسكرية للعديد من الأسباب، جراء حالة الاستنزاف التي تعرضت وتتعرض لها في مختلف الجبهات، وخسرانها للعديد من المقاتلين بعد قتلها لعلي صالح.
ورغم أن الجماعة حاولت ملء الفراغ الذي خلفه فض تحالفها مع علي صالح وقتلها له، من خلال تكثيف التجنيد في صفوفها وتكثيف الدورات الطائفية للمقاتلين في صفوفها، إلا أن ذلك ليس كفيلا بأن يمنح الجماعة قدرة على إحداث الحد الأدنى من التوازن العسكري مع الطرف الآخر، الذي لم يظهر جدية في تحرير البلاد كاملة من أسوأ مليشيات طائفية ظهرت في جنوب الجزيرة العربية.
ومع ذلك، فالجماعة لن تستسلم في معركة تحرير الحديدة، رغم إدراكها لهزيمتها الحتمية، ولن تستطيع تبرير هزيمتها بأنها "انسحاب تكتيكي"، خاصة أنها جماعة عقائدية لا تتعامل مع الشؤون العسكرية والحربية من منظور الواقع العملي، ولكنها تتعامل معها من منظور عقائدي رومانسي يرى بأن الهزيمة ابتلاء وأن النصر قادم لا محالة.
وأما الخيارات التي ستسلكها الجماعة للتعامل مع المعركة فهي خيارات يائسة، لعل أهمها، زيادة حشد المقاتلين القبليين عديمي القيمة إلى معركة هي بمثابة "محرقة" حقيقية لهم، ولن يتمكنوا من الصمود فيها طويلا، كونهم غير مؤهلين عقائديا وغير مدربين عسكريا.
وبعد أن تقدم جماعة الحوثيين العديد من أبناء القبائل كوقود لمعركة ميؤوس الانتصار فيها، ستبادر إلى الدفع ببعض كتائبها العسكرية المدربة تدريبا عاليا، وهي قليلة جدا، على أمل تحقيق نصر ولو محدود، قبل الهزيمة التي ستسميها "انسحابا تكتيكيا"، وهي تسمية ليست مقنعة حتى للجماعة ذاتها.
رهان خاسر
وإذا كانت بعض الأطراف تراهن على أن معركة الحديدة ستجبر جماعة الحوثيين على الاستسلام التدريجي والخروج المشرف من الحرب من خلال الانخراط في حوار وطني وتقديم تنازلات تسهم في تقريب وجهات النظر والحل السلمي للأزمة، إلا أن الواقع يؤكد أن هذا الرهان فاشل، كونه سبق تجريبه في جبهات أخرى ولم يؤتِ ثماره.
أما القول بأن سيطرة السلطة الشرعية والتحالف العربي على ميناء الحديدة ستجبر الحوثيين على تقديم تنازلات تسهم في نجاح الحل السلمي، كون الميناء يعد الشريان الرئيسي الذي يعتمد عليه اقتصاد الحرب للجماعة، فذلك أيضا غير منطقي، فالبرغم من الخسارة الكبيرة التى ستمنى بها جماعة الحوثيين جراء فقدانها ميناء الحديدة، إلا أنها لن تعدم فرصا كثيرة لتعويض تلك الخسارة.
فمن جانب، ستزيد الجماعة من مقدار الإتاوات التي تفرضها على القطاع الخاص والمواطنين وحتى صغار التجار والفلاحين، بذريعة دعم المجهود الحربي. ومن جانب آخر، ستزيد الجماعة من مقدار الضرائب والجمارك التي ستفرضها على السلع والمواد الغذائية التي سيدخلها التجار إلى مناطق سيطرتها، ما يعني أن نتيجة المعركة ستكون نقل نقاط جناية الأموال للجماعة من ميناء الحديدة إلى مداخل المدن التي تسيطر عليها.
ونتيجة ذلك كله، أن ثمن المعركة والسيطرة على الميناء سيدفع ثمنه المواطنون البسطاء في مناطق سيطرة مليشيات الحوثيين، خاصة العاصمة صنعاء التي يوجد فيها عدد كبير من السكان، وتوجد فيها المنشآت التجارية التابعة للقطاع الخاص، وهو ما يعني أن مليشيات الحوثيين لن تعدم أي وسيلة لزيادة إيراداتها، وأن المعركة ضدها يجب أن تشمل جميع المحافظات، خاصة العاصمة صنعاء ذات الكثافة السكانية العالية.
وأخيرا، هناك خير واحد فقط مجدٍ أمام مليشيات الحوثيين للتعامل مع معركة الحديدة وغيرها، يمكنها من خلاله امتصاص هزائمها العسكرية، هذا الخيار هو الإعلان بقبول الحل السلمي للأزمة والانخراط في حوار برعاية أممية يضمن مشاركة الجماعة في المستقبل السياسي للبلاد، وسيكون هدف الجماعة من ذلك الحفاظ على وجودها وتلغيم مستقبل العملية السياسة في البلاد عندما تحين الفرصة، بعد أن تنجح في استدراج الجميع إلى فخ الحوار والحل السلمي، ولن يستقيم الأمر إلا بالقضاء التام على الجماعة ومليشياتها المسلحة.