[ أفراد من الحزام الأمني في عدن - أرشيف ]
للعام الثالث على التوالي والسلطات المحلية والأمنية في العاصمة المؤقتة عدن، لم تفتأ تطلق تصريحاتها باقتلاع جذور الإرهاب، وقرب نهايته، والضرب بيد من حديد لتثبيت الأمن والاستقرار.
لكن العاصمة المؤقتة ما إن تشهد تحسنا طفيفا في الجانب الأمني، حتى يعود الانفلات من جديد، فيما مسلسل فيما الاغتيالات مستمر.
اغتيالات باتت مخصصة فيما يشبه الاستهداف المنظم، فمعظم الاغتيالات تستهدف مشائخ علم ودعاة وأئمة مساجد، ورجال مقاومة، حتى بلغت أكثر من 22 داعية وخطيب وإمام.
بداية جيدة
شهد الجانب الأمني في البدء تحسنا ملحوظا، خصوصا بعد تدمر الجهاز الأمني في المدينة بشكل تام عقب عدوان مليشيا الحوثي والمخلوع على المحافظة مطلع العام 2015م.
وخلال فترات متفاوتة استطاعت السلطات الأمنية تحقيق استقرار نسبي للمدينة، وداهمت أوكار من يشتبه في انتمائهم للتنظيمات الإرهابية، وفرضت سيطرتها على أجزاء كبيرة من العاصمة المؤقتة عدن.
لكن مسلسل الإرهاب عاد ليضرب من جديد خاصة في الآونة الاخيرة مع تصاعد تعقيدات الوضع السياسي والعسكري في العاصمة المؤقتة، إذ شهدت عدن سلسلة عمليات إرهابية كان من أبرزها استهداف البحث الجنائي، ومقرات ومؤسسات حكومية وعسكرية أخرى، كان أعداد الضحايا فيها كبيرا.
تزامنت تلك العمليات مع سلسلة من الانتهاكات والمداهمات، التي قامت بها قوات الأمن والحزام الأمني، استهدفت نشطاء ومعارضين ومواطنين، وهي الانتهاكات التي وصل صداها إلى المحافل الدولية في الهيئات الأممية.
كل ذلك تزامن مع قيام التحالف العربي ممثلا بدولة الإمارات بتدريب كتائب أمنية وعسكرية تابعة لشلال شائع، والحزام الأمني والمجلس الانتقالي الجنوبي.
إقرأ أيضا: الانتقالي الجنوبي أداة أبو ظبي لتقويض الشرعية وتهديد أمن واستقرار الجنوب
ومع أنه من غير المعلوم أعداد تلك الكتائب التي جرى تدريبها في الإمارات وجيبوتي وعدن، ولا تفصح تلك الجهات عن الأرقام مطلقا، فإن مصادر مطلعة تؤكد أن تعداد تلك الكتائب بالآلاف، وكان آخرها قبيل أيام فقط بدفعة قوامها أكثر من ألف مجند، يتبعون إدارة أمن عدن والحزام الأمني في رأس عباس، بعد تدريب مكثف استمر لأكثر من شهرين.
من المسؤول؟
التكاثر العددي والنوعي للكتائب الأمنية والعسكرية، مع استمرار حالة الفوضى والانفلات الأمني، يثير كثيرا من التساؤلات، فمنهجية الفوضى التي ينتج عنها كل مرة عمليات اغتيال تطال تيارت محددا، قد يعد أحد أبرز الأدلة على وقوف جهات وراء مسلسل الانفلات وعمليات الاغتيال، باعتبارها أهم المستفيدة من نتائج تلك الحوادث والأعمال.
وفي السياق وفي خضم تصاعد الأحداث الأمنية، في العاصمة المؤقتة عدن، تبرز تساؤلات أخرى : من يحكم عدن الآن؟ ومن المسؤول عن أمنها؟ وما أسباب استمرار الفوضى والانفلات الأمني؟
تعدد السلطات
يعد تعدد السلطات وتضاربها، أحد أهم أسباب استمرار الانفلات الأمني والفوضى التي تشهدها العاصمة عدن.
فبعد مرور ثلاث سنوات منذ تحرير عدن، تشهد تضاربا في السلطات تصاعد بشكل غير مسبوق، علاوة على أن السلطات الأمنية والتشكيلات العسكرية، بوضعها الراهن أقرب إلى المليشيات المسلحة، من كونها مؤسسات دولة.
السلطة الشرعية ممثلة بالحكومة، لا تواجد لها في الواقع مطلقا، فلا تستطيع التحكم بإحدى مديريات العاصمة، فيما التشكيلات العسكرية مختلفة الانتماءات والتوجهات، لها حضور في المدينة، ناهيك عن المليشيات المسلحة التي تكاثرت عقب تحرير المحافظة من مليشيات الحوثي.
شرطة عدن أم الضالع؟
منذ التحرير لم يشهد الجهاز الأمني في العاصمة المؤقتة عدن، بناء وطنيا حقيقيا، بعد تدميره بشكل كامل عقب الحرب مع المليشيات الحوثية.
ومنذ تعيين اللواء شلال شائع المنحدر من محافظة الضالع مديرا لأمن عدن، اعتمد مدير الأمن على أتباعه من مسلحي الحراك الذين ينتمي غالبيتهم لمحافظة الضالع، وجزء قليل من محافظتي عدن ولحج.
بصورة أكثر وضوحا يتبدى جهاز الشرطة في العاصمة المؤقتة عدن اليوم، كمليشيا أقرب من وصفه جهاز أمني، فمعظم أفراد الشرطة، هم أتباع القيادي في الحراك الجنوبي مدير أمن عدن شلال شائع، الذين أتى بهم معه من الضالع، سواء على مستوى القيادات أو الأفراد، ولا سلطة لوزارة الداخلية عليها، ولا يتلقون أوامرهم إلا منه.
الإمارات تزيد الطين بلة
على عكس ما كان متوقعا في أن يسهم التحالف العربي لدعم الشرعية، في إعادة تأهيل جهاز الشرطة، وبنائه على أسس سليمة، ليقوم بمهمته على أكمل وجه.
فالواقع أن التحالف العربي، ممثلا بدولة الإمارات العربية المتحدة، كان أحد أهم عوامل عدم الاستقرار في العاصمة المؤقتة عدن.
اقرأ أيضا: متغيرات ونتائج .. ما الذي حققته ثلاث سنوات من حرب التحالف في اليمن
فبدلا من أن تقوم الإمارات بالمساهمة في إعادة وتأهيل وبناء جهاز الشرطة، ذهبت لاستحداث تشكيلات عسكرية خارج سلطة الدولة، تدين لها بالولاء، ويمثل بناء قوات الحزام الأمني في العاصمة عدن، أهم هذه الاتجاهات التي ساهمت في ضعف جهاز الشرطة، وأدت لتشتت الجهود، وتعدد السلطات.
الحزام إسهام وعرقلة
ومع أن قوات الحزام الأمني المدعومة من دولة الإمارات ساهمت في بداية تشكيلها في تثبيت الورقة الأمنية، إلى حد ما، إلا أن مرور الأيام أثبت أن قوات الحزام، أصبحت عامل إعاقة، وأطالت من حالة الفوضى وساهمت في عدم الاستقرار في عدن.
فبعد ما يقارب من ثلاث سنوات لم تزل قوات الحزام الأمني، تغرد خارج سرب السلطتين العسكرية والأمنية، كما أن لا سلطة للحكومة الشرعية عليها، وباتت أداة في يد المجلس الانتقالي الجنوبي، بمباركة إماراتية كما أثبتت أحداث الانقلاب الانفصالي، على الحكومة في العاصمة المؤقتة عدن مؤخراً.
وفي الآونة الأخيرة أيضا زادت انتهاكات قوات الحزام الأمني، حتى أصبحت على مستوى الحديث الدولي في الهيئات الأممية، فباتت تشكل حرجا للشرعية أكثر مما تقوم بدعمها، ووصفها تقرير فريق الخبراء الأممي الأخير بأنها ليست سوى قوات تقاتل بالوكالة، وهو توصيف مهذب لمصطلح "المرتزقة".
دعم إماراتي وبناء خاص
بعد فترة صراع طفيف بين شرطة عدن، ممثلة باللواء شلال شائع، وقوات الحزام الأمني في بداية تشكيلها، برز الوفاق بين الطرفين بعد سلسلة جولة لقاءات مكوكية في أبوظبي بين مدير شرطة عدن ومحافظ عدن السابق رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا عيدروس الزبيدي وبين مسؤولين إماراتيين، وتوصُّل الجانبين إلى تفاهمات.
كان من أبرز نتائج تلك التفاهمات، قيام دولة الإمارات، بدعم مدير أمن عدن في تدريب أفراد وكتائب وتسليحها والتكفل برواتب منتسبيها.
وبعد تخرج عدة دفع أمنية أبرزها قوات مكافحة الإرهاب، ودفع أخرى جرى تدريبها إلى جانب دفع أخرى للحزام الأمني، يبدو الأمر وكان مدير أمن عدن يبني جهازا أمنيا خاصا به وليس جهاز شرطة وطني لعاصمة البلاد.
فمعظم من جرى تدريبهم، حتى اللحظة هم من أتباع شلال شائع في الحراك الجنوبي في الجزء الأكبر منهم قام باستقدامهم من محافظة الضالع مسقط رأسه، فكأنهم إلى الوصف بالجناح المسلح للحراك الجنوبي، أقرب من كونهم شرطة لأمن عدن.
تكاثر التشكيلات العسكرية
بعد مرور ثلاث سنوات من تحرير العاصمة المؤقتة عدن تشهد العاصمة تكاثرا في التشكيلات العسكرية لم تشهده في أي فترة من قبل، وهو ما زاد من تعقيد الوضع الأمني، وساهم في ترديه بشكل أكبر.
وبلمحة موجزة فإن تلك التشكيلات العسكرية بناء على الولاء يمكن تصنيفها إلى التالي:
أولا: تشكيلات انفصالية وتضم عدة ألوية عسكرية جرى دمج بعضها في صفوف المنطقة العسكرية الرابعة فيما أخرى مدعومة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن أبرز تلك التشكيلات العسكرية : اللواء الأول مشاة التابع لرئيس المجلس الانتقالي، وهو عبارة عن تشكيل عسكري سابق كان يطلق عليه المقاومة الجنوبية، وقام الزبيدي ببنائه عسكريا منذ 1997 م كجناح مسلح تابع للحراك الجنوبي.
ثانيا: تشكيلات عسكرية إماراتية، وتضم عدة ألوية عسكرية ينتمي قادتها في الأغلب للتيار السلفي، والحراك الجنوبي وتضم ما بات يطلق عليها بقوات الحزام الأمني والتي لا يعرف أعدادها على وجه التحديد.
ثالثا: تشكيلات عسكرية تابعة للشرعية، وأهم تلك التشكيلات العسكرية قوات الحماية الرئاسية التي يبلغ عددها أربعة ألوية عسكرية.
ماذا بعد؟
كل هذا العبث يجمع الكل على أنه لن ينتج إلا فوضى، ويستحيل معه أن تقام سلطة دولة، ولن يحقق استقرارا مطلقاً.
اقرأ أيضا: ظهور داعش في اليمن.. من يقف وراءها ولمصلحة من تعمل؟
ومؤخرا تحدثت مصادر إعلامية (لم يتسنّ التأكد من صحة ما أوردته من معلومات) عن لقاء جمع قيادة التحالف ممثلة بالإمارات العربية وقيادات الشرطة والحزام الأمني وأقر الحاضرون أن يتم دمج كل التشكيلات تحت سلطة واحدة هي السلطة الأمنية.
وعلى فرضية صحة تلك الإجراءات فإنها بقدر ما تعد خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، فإنه من المتوقع أن تواجه تحديات وعراقيل كبرى، فالحالة المليشاوية التي تشهدها العاصمة عدن، تحتاج إلى جهود كبرى حتى يتم احتواؤها وتحويلها إلى تشكيلات أمنية وعسكرية حقيقة، فبناؤها من الأساس لم يكن على أسس وطنية، وغلب عليها الطابع العصبوي والقبلي والمناطقي، فخضوع كل تلك التشكيلات لإدارة واحدة أو لسلطة الدولة يبدوا أمرا صعبا.
انعكاس
يرى الكاتب والمحلل السياسي صلاح السقلدي أن الجانب الأمني في العاصمة المؤقتة عدن، أصبح مرآة عاكسة لتضاد وتشابك المشاريع السياسية.
وأضاف السقلدي في حديث خاص لـ"الموقع بوست" بأن مسألة الأمن للأسف أصبحت ميدانا لنزال القوى السياسية المتصارعة.
وبحسب السقلدي فإن هذه القوى لا تكترث لخطورة استخدام مسألة، بهذه الحساسية وبهذه الأهمية، في غمار الصراع السياسي، ويرى أنه لولا الوعي الشعبي، بأهمية بقاء الأمن كصمام أمان للعيش، لربما كانت الأمور انحدرت ألى هوة سحيقة.
وفيما أبدى تقديره للجهود المبذولة، والتضحيات الكبيرة، التي يقدمها رجال الأمن، وكل الخيرين الحريصين على أمن وسلامة وأرواح ومستقبل الوطن، فإنه يعتقد برغم كل ذلك، لا بد من حلول .
ومن أهم تلك الحلول _ بحسب السقلدي _ إبرام ميثاق شرف من قبل كل القوى بالساحة وبالذات الفاعلة، على أن يكون المجال الأمني بعيدا عن الصراعات السياسية، ويكون الجميع منخرطون إجباريا بالمساهمة بتثبيت الأمن ومساندته.
ويشترط بالميثاق كما يقول أن تكون هناك ضوابط وبنود جزائية، أو تشهيرية، إن جاز التعبير ضد من ينتهكه، أو يتخلى عنه حتى يظل الأمن خطا أحمرا، يستظل الجميع تحت ظله، من هجير الضياع، وحَــر التمزق، وسعير التطرف.
الأمن شريكا
من جانبه اتهم د.فضل محسن الأمين العام للمجلس الأهلي بمحافظة الضالع، مدير أمن عدن شلال شايع ويسران المقطري بأنهم شركاء مع القتلة في الهدف والقتل.
وقتل إنهم ينفذون عملياتهم في استهداف قيادة مقاومة عدن، التي قاومت مليشيات الحوثي وعفاش، عند اجتياحها عدن ويصادرونها إنجازاتها.
وأضاف د.محسن في حديث خاص لـ"الموقع بوست" بأن شلال هادي ويسران مقطري يداهمون منازل قيادات المقاومة في عدن ليلا ويصورونها في إعلامهم على أنها إنجازات، فيما الإرهابيون ينفذون عملياتهم في وضح النهار ، في أمان ويعودون إلى قواعدهم بسلام.
وأوضح بأنهم يقومون بذلك خدمة لأسرة علي عبدالله صالح للتمكين لها من بوابة عدن، بدعم إماراتي لتنفيذ أجنداتها، في السيطرة على الموانئ اليمنية.
وأبدى محسن استغرابه من الوضع الذي وصلت إليه مدينة عدن، قال بأن رجال المقاومة مطاردون ومستهدفون، بالمطاردة والقتل، فيما عمار صالح وطارق صالح وعبدالحافظ السقاف، يسرحون ويمرحون في شوارع عدن، ويبنون فيها تشكيلات عسكرية، بحماية من قبل الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي.