[ توفرت لفبراير كل عوامل الثورة ]
يتجدد الجدل عامًا بعد عام، حول ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، خاصة مع حلول ذكراها السنوية، ويتصدر هذا الجدل أعداء الثورة، الذين يحملونها مسؤولية كل ما تشهده البلاد اليوم من حروب وخراب ودمار وتدخل أجنبي، وتمزق سياسي واجتماعي ومذهبي، ويرون بأنه لولا الثورة لما وصل الحال في البلاد إلى ما هو عليه اليوم.
أعداء الثورة هم سببها
ليس غريبًا أن يتصدر الهجوم على الثورة أعداؤها، أو ممن اندلعت الثورة ضدهم، ولكن الغريب هو أن يسكتوا عن مهاجمتها، فضلًا عن الاعتراف بكونهم هم السبب في كلتا الحالتين: السبب في اندلاع الثورة، والسبب في الحال الذي وصلت إليه البلاد اليوم.
وللتوضيح أكثر، لقد كانوا هم السبب في اندلاع الثورة، لأنهم لم يستجيبوا لمطالب الإصلاح السياسي والاقتصادي التي كانت سببًا في اندلاع الثورة ضد نظام حكمهم الفاسد. كما أنهم هم السبب في الحال الذي وصلت إليه البلاد اليوم لأنهم تحالفوا مع أسوأ جماعة عنصرية وطائفية ظهرت في تاريخ اليمن وتمثل الميراث الأسود لعهد النظام الإمامي البغيض لينتقموا من الثورة والثوار، وهي جماعة الحوثيين، رافعين شعار "عليَّ وعلى أعدائي"، وكانت النتيجة أنهم دفعوا الثمن غاليًا أكثر من الذي دفعه خصومهم، ومع ذلك لم يفيقوا بعد.
والأمر الأكثر أهمية، هو أن الجميع، أنصار الثورة وأعداءها، لم يدركوا بعد حقائق التاريخ وثوابت علم الاجتماع، التي سجلت الظاهرة الثورية في العالم أجمع، وبينت أسباب الثورات ومراحلها وأسباب تعثرها، وانبعاث الثورات المضادة، وكيف تحاول الأنظمة القديمة استغلال أخطاء الثوار وتمارس العمل التخريبي لتحملهم مسؤوليته.
بالإضافة إلى دور أعداء الثورة الأجانب الذين يخشون أن تصل عدوى الثورة إلى بلدانهم، وكيف أن الحال ينتهي بالانتصار الحتمي للثورة والهزيمة الأبدية لأعدائها، مهما تعثرت وتأخرت في تحقيق أهدافها، وحدث ذلك حتى لأعظم ثورة في التاريخ، وهي الثورة الفرنسية، التي تعثرت وحصل الاقتتال بين الثوار وعاد النظام السابق للحكم، ولم تنجح وتحقق أهدافها إلا بعد مرور عشر سنوات تقريبًا على اندلاعها.
الثورات ليست عبثًا
لم يسبق أن اندلعت أي ثورة في العالم كحالة عبثية، وبدون أسباب ومطالب كبيرة لدى مختلف فئات الشعب. وكذلك الأمر بالنسبة لثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، فقد اندلعت لأسباب منطقية، بعد أن تهيأت الظروف المناسبة لاندلاعها.
وعند التأمل في المطالب التي رفعتها، فإنه ليس من المبالغة القول بأنها أعظم ثورة في تاريخ اليمن، فبالإضافة إلى أنها جاءت استكمالًا لثورة 26 سبتمبر 1962، فإن مطالبها مستمدة من عصارة الفكر السياسي العالمي الحديث والنضال الوطني ضد الفساد والاستبداد وتوريث السلطة، وأيضًا تمجيد الأفكار العصرية والمطالبة بها، كالديمقراطية والعدالة والمساواة وحرية الرأي والتعبير والتداول السلمي للسلطة، فضلًا عن مطالب الرفاه الاقتصادي والقضاء على الفقر والبطالة وتحسين مختلف الخدمات العامة.
تراكم أخطاء النظام الحاكم
إن السبب الرئيسي لاندلاع ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية هو نفس السبب الذي اندلعت لأجله مختلف الثورات الشعبية في العالم ضد أنظمة الحكم الفاسدة والمستبدة، سواء كانت ثورات سلمية أو مسلحة، ويتمثل هذا السبب في تراكم أخطاء وفساد واستبداد النظام الحاكم من جهة، وتراكم الغضب والسخط الشعبي من جهة أخرى.
يستمر هذا التراكم ويتطور بشكل خطير، حتى يصل الشعب إلى مرحلة اليأس من إصلاح النظام الحاكم لنفسه، واعتقاد النظام الحاكم بأنه أصبح في حالة من القوة تحصنه من أي ثورة شعبية، استنادًا إلى السكوت الطويل من قبل الشعب على الفساد والاستبداد.
وعندما يصل استبداد وفساد النظام الحاكم إلى ذروته، فإن السخط الشعبي يكون قد وصل إلى ذروته أيضًا، فيبدأ الشعب يعبر عن تذمره بوسائل مختلفة، رافعًا مطالبه ومظالمه أمام النظام الحاكم، الذي يواجه هذه المطالب بالاعتقالات والسجون وزيادة الفساد والاستبداد، فتندلع الثورة ضد النظام بشكل غير متوقع، مما يفقده صوابه، ويبدأ في التفكك والانهيار من داخله، ويحاول في نفس الوقت قمع الثورة والتماسك ولملمة شتاته، كما يحاول جر الثورة، إذا كانت سلمية، إلى مربع العنف والقتال، أي عسكرتها، لاعتقاده أن تفوقه العسكري على شعبه الأعزل سيمكنه من سحق الجماهير الثائرة ووأد الثورة.
يأس الجماهير
وفي الحالة اليمنية، فقد كان نظام الرئيس الراحل علي صالح أوصل الجماهير عشية اندلاع الثورة إلى حالة اليأس التام من إمكانية الإصلاح والتغيير، وكان التلميح بمشروع "التأبيد" والتصريح بمشروع "التوريث" القشة التي قصمت ظهر نظام صالح، وعجلت باندلاع الثورة التي تزامنت مع ثورات الربيع العربي، وإن كانت سبقتها من حيث المظاهرات والمسيرات التي تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي منذ العام 2007، وهو العام الذي ظهر فيه الحراك الجنوبي للأسباب ذاتها.
اقرأ أيضا: في ذكرى 11 فبراير .. أربع دوائر عدائية طوقت حلم التغيير في اليمن
لقد استشعر اليمنيون، بعد الحديث عن "تصفير العداد" والتصريح بمشروع التوريث، أن الخطر لم يعد ينحصر على حياتهم المعيشية الآخذة في التدهور المتسارع، وارتفاع معدل الفقر والبطالة، ونهب المال العام والعبث به في شراء الولاءات والنفوذ، وتدهور مختلف الخدمات العامة كالتعليم والصحة والكهرباء والطرقات وغيرها، والارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية وغيرها، وإنما طال كل المكاسب التي حققتها حركات النضال والتحرر الوطني منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وعلى رأسها النظام الجمهوري التعددي.
خط أحمر
إن المكاسب المختلفة التي حققتها حركات النضال والتحرر الوطني يعدها اليمنيون خطًا أحمر، فهم قد يساومون بلقمة عيشهم، ولكن هذه المكاسب لا يمكنهم المساومة بها مهما كان الثمن، وتتمثل في النظام السياسي الجمهوري الديمقراطي التعددي الذي جاء نتيجة تراكمات من التضحيات والنضال الوطني ضد نظام الإمامة العائلي والعنصري الهمجي المتخلف وضد الاحتلال الأجنبي.
بالإضافة إلى ما يرتبط بالنظام الجمهوري من ثوابت مختلفة، مثل تكافؤ الفرص، والتداول السلمي للسلطة، والعدالة والمساواة، وحرية الرأي والتعبير، وضمان نزاهة الانتخابات، وغير ذلك من الثوابت التي من شأنها خلق المنافسة الشريفة بين الأحزاب لخدمة المواطنين وتحقيق الرفاه الاقتصادي والأمن والاستقرار والازدهار.
ويرى اليمنيون أن التنازل عن ثوابت النظام الجمهوري ومختلف المكاسب الأخرى يعني استبدال النظام الجمهوري بنظام عائلي فاسد، ويعني ذلك المزيد من الاستبداد والفقر والجوع والبطالة والجهل والمرض والعبث بالمال العام ونهبه، وأن الحل الوحيد لكل ذلك هو الثورة ضد النظام العائلي الفاسد مهما كان الثمن.