[ برنامج التكتل يمتاز بإلمامه بالقضايا الجوهرية ]
وقعت عدد من الأحزاب السياسية في تعز الاثنين الماضي على البرنامج السياسي لتحالف القوى السياسية لإسناد الشرعية، والذي نص على تشكيل تكتل سياسي وطني واسع يضم المكونات السياسية، وقوى المجتمع الحية الواقفة في خندق الشرعية للقيام بمسؤولياتها الوطنية والأخلاقية والإنسانية، وتوحيد جهودها عبر سياسات وآليات محددة تؤدي إلى مغادرة الخلافات والحسابات الصغيرة، المعبرة عن مصالح ضيقة وأنانية، وخلق شراكة متكافئة وعادلة لمواجهة تحديات المرحلة ومسؤولية إدارتها في قاعدة التوافق الوطني.
ووقع على الوثيقة كل من الحزب الاشتراكي اليمني، والتجمع اليمني للإصلاح، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، والمؤتمر الشعبي العام، واتحاد القوى الشعبية، واتحاد الرشاد، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحزب البعث العربي الاشتراكي القومي، وحزب العدالة والبناء، بالإضافة إلى سلفيي اللقاء الوطني المشترك.
الوصول إلى رؤية مشتركة بين القوى السياسية لإسناد الشرعية في تعز مثل بارقة أمل لدى الشارع الذي تفاءل بعودة العمل المدني إلى الريادة في هذه المحافظة التي كانت على الدوام في طليعة العمل المدني، كما كانت سباقة إلى النضال بالوسائل السلمية، كما زاد من حالة التفاؤل بفعل سياسي قادم ينهي الحرب ويستعيد الدولة الغائبة والمغيبة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
تجاذبات سياسية
فمع تأخر حسم المعركة عسكريا في تعز تزايدت حجم التجاذبات بين القوى السياسية المؤيدة للشرعية، وانعكس ذلك في تصاعد وتيرة التباين في المواقف والصراعات بين هذه القوى، لتصل أحيانا إلى اشتباكات مسلحة بين بعض الفصائل مما زاد من حجم التخوفات من الانجرار إلى مربع الصراع الداخلي.
ازداد حجم هذه التباينات مع ولادة بعض القوى الجديدة على المشهد السياسي في تعز، وبرزت العديد من القضايا التي مثلت ميدان الخلافات، ولعل أبرزها قضية دمج المقاومة في الجيش وإعادة بناء المؤسستين العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى المواقف العامة من أداء السلطة المحلية، وغياب المحافظ، وقانونية قرارات التعيينات والتكليفات، وهذا ما تسبب بولادة تحالفات سياسية جديدة منها ما هو معلن، ومنها غير معلن، ليتم إعادة رسم خارطة تعز السياسية من جديد.
كما أن اللقاء المشترك الذي يعد التحالف السياسي الأبرز قد انتهى فعليا في جميع المحافظات بعد انقسام أحزابه في موقفها من الانقلاب، وكذا التوقف عن عقد الاجتماعات الدورية للمجلس الأعلى للمشترك منذ ما يقرب ثلاث سنوات باستثناء تعز التي حافظت على رمزية هذا التحالف السياسي من خلال عقد الاجتماعات بين ممثلي أحزابه بين الحين والآخر، غير أن التباينات في مواقف كل حزب من أحزاب مشترك تعز من كثير من القضايا قد زاد من اتساع الفجوة وزيادة حالة التباعد بين هذه الأحزاب.
تباين المواقف وحد المطالب
ظهور التباينات في المواقف الفردية لأحزاب اللقاء المشترك إلى العلن وبروزها أمام الرأي العام كان سببا في بحث القوى السياسية عن تحالفات جديدة عملت على التسريع بولادتها، وهذا الوضع جعل الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري يسعيان لتشكيل التكتل المدني الذي مات في مراحل المخاض، ليتم بعد ذلك بفترة وجيزة الإعلان عن ميلاد تحالف جديد تحت اسم "اللقاء الوطني المشترك" وهو تحالف سياسي بين المؤتمر الشعبي العام المؤيد للشرعية، وبين بعض الجماعات السلفية، حيث كان الشيخ عارف جامل رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام بتعز ووكيل المحافظة هو مهندس هذا التحالف السياسي الجديد، الذي جاء تشكيله ردا على التحركات الهادفة لتشكيل التكتل المدني.
إثر ذلك بدأت الأحزاب السياسية بمحاولة إحياء العمل المدني في زمن الحرب، من خلال محاولات الإنعاش لدورها الغائب، فبادرت عدد من هذه الأحزاب لتقديم رؤى وبرامج خاصة بحلحلة أزمة المحافظة، وكان التنظيم الناصري سباقا إلى ذلك من خلال الرؤية الخاصة التي أشهرها بفعالية احتفائية قدم فيها أمينه العام المحامي عبدالله نعمان شرحا مفصلا للمشكلات التي تعاني منها اليمن بشكل عام، وتعز بشكل خاص، حيث تطرق لحلول قال إن رؤية تنظيمه قد تطرقت إليها، داعيا الأحزاب السياسية المؤيدة للشرعية إلى تشكيل تحالف سياسي واسع تكون من مهمته استعادة الدولة ومؤسساتها والقضاء على الانقلاب.
بعد ذلك تحدثت العديد من القوى السياسية عن امتلاكها لرؤي مشابهة، وفي مقدمة هذه القوى التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني، ولتبدأ بعد ذلك جولة طويلة من المشاورات بين القوى السياسية في تعز من أجل الخروج برؤية موحدة خاصة بالمرحلة القادمة، وتم تشكيل لجنة خاصة من المسؤولين السياسيين في الأحزاب السياسية بغرض دراسة الرؤى المقدمة من جميع الأطراف والخروج برؤية واحدة وجامعة.
خلاف أفضى الى اتفاق
وبحسب مصادر خاصة بـ"الموقع بوست" فإن المشاورات بين المسؤولين السياسيين للأطراف المشاركة، والتي كان محددا لها فترة زمنية عشرة أيام للخروج بصيغة نهائية للبرنامج الموحد قد طالت لأكثر من شهر، حيث إن معظم النقاط الخلافية تركزت في الجانب العسكري والأمني الذي يشهد تباينا واسعا في رؤية الأطراف المختلفة للتعامل مع هذا الملف الذي يبدو ملفا شائكا في محافظة لا تزال تعاني من انفلات أمني غير مسبوق.
بعد الأخذ والرد في المشاورات المطولة تم التوصل إلى صيغة البرنامج السياسي الذي يهدف في إطاره العام إلى توجيه الجهود لاستكمال عملية تحرير المحافظة، وإلى إعادة تأهيل مؤسسات الدولة العسكرية، والأمنية، والمدنية، والقضائية في المحافظة، وكذا تشكيل تحالف وطني واسع لدعم جهود السلطة المحلية، وبناء مؤسسات الدولة في المحافظة.
كما أن البرنامج يمتاز -بحسب مراقبين- بإلمامه بالقضايا الجوهرية التي تعانيها تعز، حيث ناقش المجال الأمني والعسكري والمجال المالي والإداري ومجال القضاء والمجال السياسي، كما حدد عددا من الموجهات، بالإضافة إلى عدد من الضوابط العامة، كما أن حالة الإجماع التي حظي بها البرنامج قد زادت من حالة التفاؤل لدى الشارع الذي بات يأمل اليوم أن يتفق الفرقاء السياسيون بما يمكنهم من إدارة معركة التحرير واستعادة الدولة وإنهاء الحرب.