[ يمارس السكان العديد من الطقوس الشعبية المتوارثة ]
يحيي السكان في وادي حضرموت منذ القدم العديد من المناسبات الشعبية في العشر الأولى من شهر ذي الحجة احتفاء بقدوم عيد الأضحى المبارك، ومن حزم شبام التاريخية غربا، مرورا بتاربة سيئون في الوسط، حتى قسم تريم غربا، تتنوع تلك الفعاليات متخذة العديد من المسميات كمزلفة الصغيرين، أو يوم الشربة، و يوم الحطب، وطقوس المساقوفة.
وتتميز تلك الفعاليات الشعبية في مجملها بكونها مناسبة يتجمع خلالها كافة أفراد الأسرة، ويحيون فيها التواصل الاجتماعي فيما بينهم، عبر العديد من طقوس الموروث الشعبي المتوارث منذ عقود.
يوم الحطب
وهي عادة تتميز بها منطقة تاربة التي تتبع إداريا مديرية سيئون، حيث تضاء جبال المنطقة وضواحيها بمشاوي ومضابي اللحم، ويتخللها إحراق إطارات السيارات، ونصب الخيام من قبل السكان والعيش فيها.
وتوارث السكان هذه العادة التي تقام يوم السابع من ذي الحجة من كل عام منذ آماد طويلة، ويمارسون خلال ذلك العديد من الطقوس والعادات الخاصة التي يقيمها أبناء المنطقة جيلا بعد جيل.
ويشهد مساء السابع من ذي الحجة أيضا قيام الشباب بتجهيز الغيران (جمع غار وفق اللهجة المحلية للسكان) في الجبل، والغار هو المكان المستوي الذي يتم ترتيبه مسبقا بالحصى والطين والمكوث فيه لقضاء تلك الليلة بعد تجهيز فرشه وإنارته سابقا بالمصابيح اليدوية (الأتاريك) أو الشمع، وحاضرا بمصابيح الكهرباء.
وخلال اليوم السابع يواصل الجيل الحاضر إحياء المناسبة، والاستفادة من التطور التقني الحديث، فلم تعد الخدورات فقط هي من تتزين لتلك الليلة، فقد أضحت البيوت التي تتزين بلمبات الإنارة وسرج الزينة تنافس الغيران في الجبال قبل ليلة السابع من ذي الحجة، وتجذب أنظار المسافرين، كون المنطقة تقع على الخط الدولي الذي يربط مديريات الوادي بمحافظة المهرة التي يقع فيها منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عمان.
ويصعد معظم أبناء تلك الأماكن المجهزة في الجبال على شكل مجاميع لتناول وجبة العشاء التي يتم تجهيزها بالطرق التقليدية في تلك الأماكن، يعقبها السمر بالأهازيج التي يسمع دوي صوتها في كل ركن في الجبل، وتستمر حتى الساعات الأولى من يوم الثامن من ذي الحجة.
الـــمـــســـاقُـــوفـــة
وفي اتجاه شرق وادي حضرموت تحتفل منطقة قسم بمديرية تريم في الثامن من ذي الحجة بيوم عيد الصغيرين ويطلق عليه "المساقوفة"، وهو مصطلح انبثقت حروفه من عبارة "مساء الوقفة" أي وقوف حجاج بيت الله الحرام بعرفات صباح التاسع من ذي الحجة.
ويروي أحد أبناء المنطقة أنه في قديم الزمان كان أحد الأجداد واسمه "سعيد باعيشة" يجمع الصبيان من حوله، فيأتي كل واحد منهم بحصته من اللحم، ويقيم لهم في ذلك اليوم لقاءاً طفولياً بامتياز، ويشاركهم فرحتهم وإنشاد الأهازيج والأراجيز الخاصة بذلك والتي من أمثلتها:
المساقوفة خزانة والذهاب وادي حسين
يا عيد عواد يا عرفة متى با تجين والكبش مرصون والقفّة ملانة طحين
وغيرها من الأهازيج التي تضيف رونقاً خاصاً بذلك اليوم.
أما في الوقت الحاضر فقد اقتصر الاحتفال بالمناسبة بقيام الكثير من الأهالي بالمنطقة بالخروج من البيوت، سواء في الأودية، أو على الرمال، أو في بيت آخر، وبأجواء مليئة بالفرح والسرور، يتم إعداد وجبة العشاء التي تتنوع أطباقها بعدد من أنواع طبخات اللحم، وفي نيّتهم أن يصبحوا صائمين في اليوم التالي التاسع من ذي الحجة يوم الوقفة بعرفات احتسابا للأجر العظيم لذلك اليوم.
بن زلفة الصغيرين
أما في غرب وادي حضرموت، تشهد منطقة الحزم بمديرية شبام التاريخية في السابع من ذي الحجة فعالية "بن زلفة الصغيرين" أو يوم الشربة للصغار، حيث تقوم جميع الأسر بأخذ أولادها وبناتها وهم مزينون إلى الشعب الخاص وهي منطقة بالقرب من الجبل بتوزيع الشربة.
والشربة عبارة عن قمح يتم طحنه جزئيا، بحيث يصير حبيبات صغيرة تخلط باللحم، ويضاف لها الماء في قدور كبيرة توقد عليها النار بأعواد الأشجار الكبيرة وجذوع النخل.
أحد الأجداد بالمنطقة يقول إن الموروث الشعبي له أكثر من مئة سنة يتجمع خلاله الأطفال في الجبل، وهناك يتم تجهيز الشربة من قبل الأهالي، حيث يقوم الرجال بتجميع مستلزمات الشربة من أهل الخير والمحسنين من أبناء منطقة الحزم، وفي منتصف العصرية يتم توزيع الشربة على الأطفال فيأكلونها ويأخذون البعض إلى البيوت، ويستخدم في "المقراح" القديم.
ويطالب أهالي المنطقة السلطات المحلية بالمحافظة بعدم صرف قطع أراضي للبناء في موقع الفعالية السنوية حفاظا على استمرار الموروث الشعبي الذي تعاقبت عليه الأجيال وتتطلع إليه الأجيال القادمة.