أمام حشد من أتباعه وبلغة منكسرة، قال زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي السبت  الماضي "نعاني في كل شيء في هذه الحرب، نتلقى الطعنات في الظهر، الطعنات هذه حتى من شركاء لا ينفكون أبدا عن توقيف هذه الطعنات في الظهر"، وفي اليوم التالي ظهر "زعيم الشركاء" المخلوع صالح ليرد على الحوثي "تشتوا نبقى معاكم في الشراكة في إدارة شؤون البلاد في إطار لا ضرر ولا ضِرار وفي إطار الدستور والقانون، نحن على العين والرأس، تشتوا تنفردوا لا تعلنوا بيان رقم واحد ولا بيان رقم اثنين قولوا لنا أنتو تريدوا أن تعودوا إلى السلطة منفردين إحنا سننسحب ولا يكون بيننا خلاف".
 
بين انكسار الحوثي ونشوة المخلوع فصل سياسي جديد واضح الملامح من تلك الفصول التي يظهر فيها صالح وقد تخلى عن حليف سياسي استخدمه لفترة محددة، ثم لم يتردد أن يرمي به كمنديل "كلينكيس"، ومداخل صنعاء التي دخل منها الحوثي منقلبا على الدولة بلا شك أنها كما تشير كل المؤشرات هي نفس المكان الذي سيأخذ فيه الحوثي ورقة طلاقه من المخلوع صالح إيذانا بانتهاء تحالفهم الذي لم يمثل أكثر من طوق نجاة لصالح.
 
ما هي القواسم المشتركة التي صنعت التحالف بين الطرفين؟ ومن رسم مسار التحالف وأداره؟ ومن قرر أن يكتب الحلقة الأخيرة وعنونها بالفراق؟
 
تحالف ضد الوطن
 
من المعلوم أن صالح خاض ستة حروب ضد جماعة الحوثي، ومع اقتراب كل حرب من الحسم كان صالح يعمل على إيقافها ويدعو للمصالحة والعفو، فاستخدم الحرب وسيلة للتخلص من بعض الحلفاء، ومن وحدات عسكرية عديدة عمل على إضعافها لصالح وحدات الحرس الجمهوري التي يقودها نجله أحمد.

في فبراير 2011 قامت الثورة الشبابية ضد نظام صالح، وشاركت فيها جماعة الحوثي لكن بطريقتها الخاصة، فمشاركة الحوثيين اعتمدت إستراتيجية معينة تقوم على انتقاء الخصوم من أفراد النظام، والخروج بأقل الخسائر وأكثر المكاسب الممكنة، والتي في مقدمتها محاولة نشر أفكارها خارج مدن صعدة وعمران وصنعاء وذمار.
 
بعد سقوط صالح وحصوله على الحصانة القضائية وفقا للمبادرة الخليجية تزايدت لديه الرغبة بالانتقام من الشعب الذي أطاح به، ووجد أن هناك الكثير من القواسم المشتركة مع جماعة الحوثي يمكن أن يبني عليها لبناء تحالف سياسي جديد ضد الشعب، فاعتمد على نظرية "المركز المقدس" لتقوية علاقته مع القيادات العليا للجماعة التي تؤمن أن الثورة ستنزع الحكم من "المركز الزيدي"، واعتمد صالح على أكاديميين -قام لاحقا بتصفيتهم- وعلى رجال دين وقادة عسكريين لبناء هذا الحلف الذي تحول إلى واقع في مواجهة الشعب والانقلاب ضد الدولة وضد مخرجات الحوار الوطني، وهو الانقلاب الذي تم في 21 سبتمبر 2014.
 
وقد قام صالح بتسليم كمية كبيرة من سلاح الدولة للحوثيين لتسهيل مهمتهم، لكنه مع ذلك قام بتسليمه إلى قيادات عليا في الحرس الجمهوري وإن كانت محسوبة على الجماعة إلا أن ولاءها المطلق يبقى لصالح، وهو بذلك يثق أنه لا زال المتحكم الفعلي بهذا السلاح، مع امتلاكه لكمية كبيرة جدا من السلاح أبقاه تحت الوحدات العسكرية التي لا تزال تتبعه مباشرة حتى الآن وهي وحدات عسكرية تابعة للحرس الجمهوري والأمن المركزي والقوات الخاصة ويستخدمها لحمايته وحماية صنعاء.
 
تحالف هش
 
دخل المخلوع صالح في تحالفه مع الحوثيين ليلعب لعبته معهم على المسارين السياسي والعسكري، ففي الجانب العسكري قام بتوزيع أفراد المليشيات على الجبهات المتعددة وخاصة البعيدة عن العاصمة صنعاء والتي احتفظ لنفسه فيها بالنصيب الأكبر من قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي، بالإضافة إلى قبائل طوق صنعاء التي تدين له بالولاء المطلق، وهي قبائل مقاتلة وتمتلك أسلحة ثقيلة ومتوسطة، ما يعني أن الحلقة الأقوى عسكريا في صنعاء تبقى لصالح الذي قام بتشتيت الحوثيين وإبعادهم عن صنعاء بشكل ما.
 
وفي الجانب السياسي أعطاهم المراكز العليا في الدولة ليعبثوا بها ويمارسون فسادهم فينجح بذلك بتعريتهم أمام مناصريهم قبل خصومهم، ولهذا فهو لم يتردد مثلا أن يمدد للمجلس السياسي الأعلى الذي يترأسه الصماد وليبقي على نفسه في الظل للتحكم بالأمور عن بعد، وهو بإبرازهم في الواجهة واللعب على المتناقضات استطاع النجاة بحزب المؤتمر الذي كان على وشك الموت، خاصة بعد حالة الانقسام التي أصابت الحزب وتفرقه بين مؤتمر مؤيد وآخر معارض لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي.
 
بالمقابل تسلح المخلوع صالح بالورقة التفاوضية من خلال إدارته للمفاوضات السياسية مع المجتمع الدولي خاصة وهو يقود حزبا سياسيا لا جماعة ولا حركة، فتعامل معه المجتمع الدولي بمسؤولية بشكل أو بآخر، حيث أجرى مؤتمر صالح عدة جولات من المفاضات السياسية مع المبعوث الأممي ومع أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا ومع دول الخليج منفردة خاصة عمان والإمارات، حيث تشير بعض المعلومات إلى وجود صفقة سياسية سينقلب بموجبها المخلوع صالح على الحوثيين، وهذا ما قاده لرفع خطاب المصالحة الوطنية وهو الخطاب الذي وصفه زعيم الحوثيين بالطعن من الخلف واتهم صالح بالحياد.
 
فض التحالف
 
يبدو أن سيناريو فض التحالف بين المخلوع صالح والحوثيين بات واضحا مع وجود الكثير من المؤشرات على أن تسوية سياسية قادمة ستستوعب صالح مقابل استخدامه للقضاء على الحوثيين باتت قريبة، وتبدو ملامح هذه التسوية واضحة من تصريحات المسؤولين الأمميين والمسؤولين في الشرعية الذين يتحدثون عن ضرورة وجود تسوية سياسية لحل الأزمة اليمنية، وهي التصريحات المتزامنة مع تصريحات قيادة التحالف العربي التي أكدت أنهم قريبا جدا سيكونون في صنعاء.
 
كثير من المتغيرات التي حصلت مؤخرا كانت سببا في التعجيل بوضع اللمسات الأخيرة للتسوية السياسية القادمة، فالأمير محمد بن سلمان بات غير قادر على الاستمرار أكثر بالانشغال بالحرب في اليمن نتيجة انشغاله بالعديد من الملفات الهامة في الداخل وأهمها خطة 2030، بالإضافة إلى أن طول فترة الحرب قد زاد من حجم الأعباء على المملكة التي باتت تريد الخروج من أزمة اليمن بأقل الخسائر، بالإضافة إلى تأثير الأزمة الخليجية الأخيرة على اليمن، وكذا افتقاد التحالف العربي للطرف الذي يمكن أن يراهن عليه في اليمن في ظل حالة الهشاشة والفساد التي تعاني منها الشرعية في اليمن ومعها القوى المؤيدة لها.
 
هي إذن تسوية سياسية سيقوم بموجبها صالح بالقضاء على الحوثيين وتسهيل دخول التحالف إلى صنعاء والمدن الأخرى، مقابل مشاركته في المرحلة القادمة كطرف سياسي مقبول لدى المجتمع الدولي والإقليمي، وبلا شك فإن صالح استطاع النجاة بنفسه من خلال تحالفه مع الانقلابيين وتواجد رجالاته الذين يدينون له بالولاء المطلق في الصفوف الأولى داخل الشرعية، بالإضافة إلى نجاحه بالتفاوض مع دول الإقليم.