منح السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان أواخر يوليو/تموز المنصرم (65) يمنياً كلهم ينتمون إلى أسرتي مستشار الرئيس هادي المهندس حيدر أبوبكر العطاس، و نجل آخر سلاطين المهرة الشيخ عبدالله بن عيسى آل عفرار الجنسية العمانية،
وقضى المرسوم السلطاني رقم (37) بمنح الأسرتين الجنسية العمانية.
ومنذ الوهلة الأولى قد لا يبدو لافتا منح سلطان المهرة وأسرته الجنسية العمانية، ذلك لما تضطلع به السلطنة في محافظة المهرة من علاقات وثيقة مع زعماء وشيوخ القبائل، إذ يرأس "آل عفرار" المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى والمطالب بإقليم مستقل ضمن الدولة الاتحادية، واهتمامها المتواصل بدعم السلطة المحلية في المحافظة في الجانب الإغاثي وتوفير المشتقات النفطية، كما أن محافظ المهرة محمد عبد الله كدَة رفض بشدة الانضمام إلى المجلس الانتقالي الذي تدعمه الإمارات، لما تشكله المهرة من عمق حيوي لسلطنة عمان التي تربطها باليمن حدود برية تقدر بـ288 كيلومترا.
لكن اللافت الأبرز هو تضمن الإجراء العماني الأخير منح الجنسية لأسرة المهندس حيدر أبوبكر العطاس والمعروف بكونه حليفاً للمملكة العربية السعودية، والمنتمي لمحافظة حضرموت النفطية أكبر المحافظات اليمنية، والحدودية مع السعودية، وتتخذ الإمارات من عاصمتها المكلا مركزاً لقيادة قواتها العسكرية ونشاطها الإغاثي في اليمن إلى جانب العاصمة المؤقتة عدن، فما الذي يحمله هذا التحرك العماني؟
توسع إماراتي
قلق مسقط سببه تنامي الدور الإماراتي في محافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عمان، لتثبيت وجودها في تلك المحافظة التي توصف بأنها بوابة اليمن الشرقية.
وكان محافظ محافظة المهرة محمد بن كدة قد كشف في تصريحات صحفية نهاية العام الماضي عن جهود تقوم بها دولة الإمارات العربية المُتحدة لمساعدة السلطات المحلية بالمحافظة في إعادة بناء أجهزتها الأمنية.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن المحافظ بن كدة قوله إن التحالف العربي ودولة الإمارات العربية المتحدة قدما العديد من المساعدات لإعادة بناء جهاز الشرطة المحلية والأمن العام، من خلال الإشراف على تدريب نحو 2500 من المجندين الجدد من أبناء المحافظة، وأشار إلى أنه تم تخريج دفعتين بواقعة 500 مجند لكل دفعة، في حين تستعد المحافظة لتخريج دفعة ثالثة، على أن تستكمل خلال المرحلة القادمة تخريج دفعتين، ليكتمل بها حجم القوة، وهو ما أثار حفيظة العمانيين على الأرجح.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية نشرت أواخر يوليو/تموز المنصرم تقريراً تحت عنوان "عُمان تتخوف من نفوذ أبوظبي في اليمن" وتشير الصحيفة قائلة إن أول هذه المخاوف هو الدور المتزايد لدولة الإمارات في الأجزاء الجنوبية من اليمن.
اقرأ أيضا:
قلق عماني من التطورات في اليمن ومحاولات لإخراجها من خانة الحياد
كما تعبر عُمان عن قلقها إزاء تطوير إماراتي محتمل لقاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى اليمنية عند مدخل خليج عدن، كما أشارت وسائل الإعلام القطرية والإيرانية إلى إيجار طويل الأجل يتردد الحديث عنه، كما اشتبكت القوات الإماراتية والسعودية على تطوير ميناء عدن.
وتتابع الصحيفة "يفسّر بعض العمانيين مساعي الإمارات إلى السيطرة على الأراضي والنفوذ في الجنوب كمحاولة لمنافسة الاستثمارات التي تمولها الصين في مشروع الميناء العماني بـ(الدقم)، أو بشكل عام لتطويق السلطنة بشكل إستراتيجي".
يعتمد اقتصاد الخليج بشكل كبير على النقل، لذلك ليس من المستغرب أن التحركات الإماراتية جنوبي اليمن قد تهدد عُمان.
تخلي عن الحياد
تخوف مسقط قد يدفعها إلى التخلي عن موقف الحياد الذي أعلنته منذ قيام الحرب في اليمن، والتحرك على الأرض الذي من المرجح بحسب مراقبين من شأنه نقل الصراع إلى محافظة حضرموت لمواجهة المزاحمة الإماراتية لها في المهرة وسقطرى، وهو ما قد يشكل أبرز ملامح الصفقة بين السطات العمانية والمهندس حيدر العطاس لأي نشاط مستقبلي له في حضرموت، والذي بموجبه منحت أسرته الجنسية العمانية وهو كبح جماح الإمارات الآخذ في التنامي في محافظتي المهرة وسقطرى.
حاليا يتلقى 13 عاملاً في مؤسسة كهرباء ساحل حضرموت العلاج في مشافي ظفار العمانية، بعد تعرضهم لحروق بالغة جراء حادثة انفجار مولد كهربائي أثناء أعمال الصيانة في مدينة المكلا أواخر يوليو/تموز الماضي، الجرحى نقلوا من مدينة المكلا براً إلى منطقة "حوف" ومنها تم نقلهم جواً عبر مروحية تابعة لسلاح الجو العماني إلى محافظة ظفار.
وتشير المصادر لـ"الموقع بوست" بأن مؤسسة العلامة عبدالله محفوظ الحداد نسقت مع وزير الأوقاف السابق الشيخ فؤاد بن الشيخ أبوبكر لمخاطبة السلطات العمانية بمأساة الحادثة، وتقديم طلب للعلاج داخل مشافي السلطنة، وهو ما لبّته الأخيرة دون تأخير، بعد أن تعذّر نقلهم جواً من مطار الريان، لرفض السلطات الإماراتية تسهيل سفرهم، وهو ما يعبر عن الامتعاض الإماراتي من الدور العماني في حضرموت.
تبدو مسقط أكثر خبرة في التعامل مع الشأن المحلي للمحافظات الشرقية اليمنية، حيث تستند إلى إرث بدأ منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، عندما واجهت دعوات الاستقلال عنها لما عرف لاحقاً بـ"جبهة تحرير ظفار" (اليسارية) والتي كانت تتلقى الدعم من النظام السياسي في جنوب اليمن عسكريا وسياسيا وإعلاميا، وشكلت محافظة المهرة محطة انطلاق للعمليات السكرية على مدى عشر سنوات، قبل أن يتولى السلطان قابوس مقاليد الحكم ويتمكن من تهدئة الأوضاع.
وتدعم مسقط المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى المطالب بإقليم مستقل للمحافظتين وليست تبعا لمحافظة حضرموت.
وفي العام 2016 عاد الشيخ عبدالله عيسى آل عفرار إلى المهرة وقاد تحركات شعبية وسياسية، حيث أعلن في مهرجان جماهيري تبرعه بـ100 ألف دولار لإنشاء قناة فضائية خاصّة بإقليم المهرة وسقطرى ستحمل اسم "إقليم المهرة" بحسب مصادر للـ"الموقع بوست"، وهو ما يعكس تخوفات مسقط المستقبلية على حدودها الغربية مع اليمن بعد انتهاء الحرب.
وعقب إعلان الوحدة عام 1990 أبقت مسقط على تمثيلها الدبلوماسي في مدينة عدن (قنصلية) إلى جانب سفارتها في صنعاء، وهو ما يعكس اهتمامها بالمحافظات الجنوبية.
غياب سعودي
التزاحم العماني الإماراتي في المحافظات الشرقية يأتي في ظل غياب شبه تام للدور السعودي، وتحديدا في محافظة حضرموت، في حين بقيت محافظتا المهرة وسقطرى بعيدتان عن دائرة النفوذ الإماراتي داخل صفوف الحراك الجنوبي، وتستضيف مسقط منذ انطلاق عملية "عاصفة الحزم" لقاءات لقيادات جنوبية توصف بأنها ضد الحرب في اليمن والمناهض للتواجد الاماراتي في الجنوب عموماً وحضرموت بشكل خاص، ويشكل تيار حسن باعوم أبرزها، إضافة إلى نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشيخ أحمد الصريمة والشيخ عيسى آل عفرار ومحمد علي أحمد وأحمد مساعد حسين.
واحتضنت مسقط الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض عقب حرب صيف 1994 ومنحته الجنسية قبل أن تسحبها منه بعد عودته لممارسة النشاط السياسي.
وبمجمل التكهنات التي قد يثيرها السباق المحموم في المحافظات الشرقية حول ملامستها للحقيقة من عدمها، فإن النتيجة المؤكدة أن أبوظبي لن تكون بمفردها في اليمن بعد الآن، وأن تجربة عدن والمناطق المحررة لم تعد قابلة للاستنساخ.