[ محمد علي بات حديث المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي (ناشطون) ]
داخل مكتب هادئ وخلفية متأرجحة بين جدار وبحر مدينة برشلونة الإسبانية، يجلس رجل أربعيني أمام كاميرا هاتفه المحمول ليسرد وقائع الفساد المالي لرئيس بلاده ولقادة الجيش فيها.
تتوالى مقاطع الفيديو التي يبثها محمد علي الذي يقدم نفسه بوصفه كاشفا لأسرار الفساد المالي للنظام الحالي، وذلك لكونه مقاولا مقرّبا عمل مع القوات المسلحة لأكثر من خمسة عشر عاما، ثم تعرض لقمع هذه القوات ولاستيلائها على كل أمواله السائلة، مما اضطره لترك البلاد.
ولقيت المقاطع المصورة التي وصل عددها حتى الآن إلى سبعة مقاطع، رواجا كبيرا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فقفز عدد متابعي صفحة محمد علي الشخصية -قبل اختراقها من جانب السلطة كما قال صاحبها- من نحو ألفي متابع إلى 160 ألف متابع.
وتصدر وسم #محمد_علي و#محمد_علي_فضحهم و#ادعم_محمد_علي، على موقع تويتر لأكثر من خمسة أيام، كما تُحقق مقاطع الفيديو الخاصة به ملايين المشاهدات.
ونتيجة لتعرض كل الفيديوهات للحذف الدائم من جانب من يسميهم علي بـ"الهاكرز" المدفوعين من السلطة، أنشأ صفحة جديدة على فيسبوك باسم "أسرار محمد علي" وصل عدد متابعيها خلال يومين فقط لأكثر من 200 ألف شخص.
بطل شعبي
يتعامل متابعو محمد علي معه باعتباره بطلا شعبيا يخوض معركة تاريخية، وأطلقوا على الرجل -الذي يقدم لهم معلومات ربما يعرفونها بالفعل- ألقابا عدة مثل "فخر العرب الحقيقي" و"محمد علي فاضح الدولة الحديثة"، على غرار لقب محمد علي باشا والي مصر أوائل القرن التاسع عشر والذي لُقّب بمؤسس الدولة الحديثة.
أيضا يشبه رواد مواقع التواصل الاجتماعي محمد علي بشخصية علي الزيبق، وهو بطل شعبي في عهد الدولة المملوكية، حيث كان لصا لكنه يسرق من رجال السلطة الظالمة ويعيد توزيع ما يسرقه على الشعب الفقير.
يقول الشاب أحمد وحيد إن محمد علي يمتلك حسا عاليا من الدعابة، وصدقه يظهر أمام الكاميرا.
وعلق على فيسبوك "عنده مقومات البطل حاليا وأساسيات الحكاية والإمتاع والقدرة على الحكي، أنا حبيته وبستنى (انتظر) فيديوهاته".
زلزال سياسي
ولأكثر من ست سنوات منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المدني محمد مرسي، لم تنجح المعارضة بمختلف تياراتها في خلق حالة الزخم التي أحدثها المقاول محمد علي.
وفسر رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري انشغال الرأي العام بفيديوهات محمد علي التي وصفها بالزلزال، بكونها تعدّ متنفسا لحاله المضغوطة تحت وطأة الفساد والفشل الاقتصادي والقبضة الأمنية للنظام، حسب قوله.
وأضاف للجزيرة نت أن حرفية صانع مقاطع الفيديو في بث التشويق اللازم لاستمرار النقاش لأطول مدة ممكنة، أدت إلى مزيد من الانشغال الشعبي بالفيديوهات.
كذلك تتناول الفيديوهات -لأول مرة منذ 3 يونيو/حزيران 2013- تدخل زوجة الجنرال السيسي في حالة الفساد التي يمارسها زوجها، بل إظهارها كصانعة للحدث، وهو ما يثير نغمة تبعية السيسي لزوجته، مما ينتقص من رجولة الجنرال ويسقط هيبته في العرف المصري، حسب وصف خضري.
منشق عن النظام
وأوضح سببا رابعا للإقبال على الفيديوهات وتصديق محتوياتها، وهو وجود دلائل تدعم رواية صاحبها مثل أسماء شركاء الفساد والأرقام والمواعيد والأحداث التفصيلية التي صنعت صورة ذهنية ملحمية في وجدان المتلقي لحالة الفساد المستشري داخل أروقة الحكم.
أما السبب الخامس، من وجهة نظر الباحث في مجال الرأي العام، فهو حدوث كسر في منظومة منتفعي النظام، فمحمد علي منشق عن نظام السيسي، ودائما ما يجد المنشق آذانا صاغية من المجتمع.
ولكن لماذا خلقت الفيديوهات حالة من الزخم الشعبي فشل إعلام المعارضة في صنعها؟ أجاب خضري بأن المعارضة تقدّم إعلاما تقليديا مملاًّ.
وتابع "كان في استطاعة محمد علي -وهو رجل الأعمال- أن يستأجر استديو عالميا وفريق عمل محترفا ويبث فيديوهاته وهو يلبس أغلى الماركات، لكن ذلك -إن تم- لن أحدث 1% مما أحدثته توليفة البث الواقعي التي لامست قلوب المصريين".
غير مسيس
أما الكاتب الصحفي نائل الطوخي فعبّر عن انبهاره الشديد بالمقاول محمد علي، وعلّق على صفحته الشخصية في فيسبوك "عفويّ وصادقٌ ويخليك تتابعه أكثر، مفيش لحظة زيف واحدة في كل فيديوهاته لغاية دلوقتي".
ورأى الطوخي أن جزءا من شعبية محمد علي جاء من كونه لا ينتمي لأي تيار سياسي.
ومن جهته قال منسق المرصد العربي لحرية الإعلام أبو بكر خلاف إن هناك أسبابا عدة أدت للأثر البالغ لفيديوهات محمد علي ليس من بينها ما يذكره من معلومات عن فساد مؤسسة الجيش، "فهي عادية ويذكرها الإعلام المعارض منذ سنوات".
وأوضح للجزيرة نت أن أثر مقاطع الفيديو يكمن في خروجها من معسكر السيسي والمقربين إلى نظامه، ولكون ما يسرده محمد علي عبارة عن تجربة شخصية، مما يعطيه المزيد من المصداقية وخاصة حادثة قبر والدة السيسي والحديث عن سرعة إنشاء المشروعات دون دراسة جادة.
كذلك فإن علي يستخدم لغة الحوار الشعبي ويعتز بحصوله على تعليم متوسط وأنه من أبناء الطبقة المتوسطة، حسب قول أبو بكر، مضيفا أن خروجه للحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي وليس أي قناة معارضة أبعد عنه تهمة التمويل من جهات معينة أو افتعال أزمة لابتزاز النظام.
وأشار منسق مرصد حرية الإعلام إلى أن المقاول المصري أثبت كذب ادعاءات السيسي بمعيشة التقشف والزهد وخلو ثلاجته من المياه وغيرها، مما كان يروج له إعلام النظام منذ سنوات.
بطل شعبي
من جانبها، شبهت الروائية المصرية أهداف سويف المقاول محمد علي بالبطل الشعبي في التراث، "البطل الشعبي يأتي من بين صفوف الشعب، خطابه هو خطاب أبناء الشعب، وصورته وإكسسواراته هي لأبناء الشعب (المحمول والسجائر، مثلا)".
وأضافت أن "البطل الشعبي شاطر بالمفهوم الشعبي يقتنص الفرص ولا يمانع في كذبة بيضاء في بعض الأحيان"، موضحة أن خطابه فيه تواضع وفخر وتهديد وفكاهة.
والبطل الشعبي ليس إنسانا طاهرًا وليس وليا ولا معصوما، بالعكس لديه أخطاء، حسب سويف، لكن خطاياه تكمن في مجاراة الفساد إلى حين -لأكل العيش- وهي خطايا يتقبلها التراث الشعبي، وبالذات إذا استفاق البطل وعرّض نفسه لمخاطر كان يمكنه تفاديها لو استمر في مساره القديم.
وأردفت "ثورته على النظام تبدأ من بُعد شخصي من مظلومية شخصية، تتسع لتتحد بالمظلومية العامة وتندمج فيها، وربما كانت بداية الخروج عن المسار القديم أنه أبدى إحساسا بالمظلومية العامة فأنتج عملا فنيا عن المهاجرين قسراً".