[ صراعات واتهامات بين رموز التيار المدخلي وجمعية العلماء ]
تزايدت حدة الصراعات والاتهامات بين رموز التيار المدخلي في الجزائر ومسؤولي جمعية العلماء المسلمين، والتي كانت قد اندلعت قبل بضعة أسابيع عندما أصدر محمد علي فركوس أحد رموز التيار المدخلي والسلفي في الجزائر رسالته الشهرية، والتي هاجم من خلالها الكثير من الجماعات والتيارات وأخرجهم من "أهل السنة والجماعة" متهما إياهم بشتى التهم، الأمر الذي جعل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ترد على فركوس، الذي رد بدوره على الجمعية ورموزها، متهما إياهم بالانحراف على نهج مؤسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، فيما تتواصل الصراعات بين رموز التيار المدخلي أنفسهم، بين أتباع ربيع المدخلي ومريدي محمد المدخلي!
وكان فركوس الذي يحظى بمتابعة كبيرة في الجزائر، خاصة وأنه يحيط نفسه بهالة كبيرة، برفض الظهور في وسائل الإعلام وحتى رفض أن تلتقط له صور، قد هاجم جمعية العلماء المسلمين بأن وصفها بـ "الجمعيَّة الحزبيَّة الجزائرية التي تحارب عقيدةَ التَّوحيد ودعوةَ الحقِّ، وتُكِنُّ العداوةَ لأهلها، وتُوغِرُ صدورَ النَّاس عليهم" كما تهجم على قادة الجمعية قائلا: "أضحَتْ جمعيَّة العلماء المسلمين الأصيلةُ بين أيدي جمع مِنَ الفلاسفة والمتصوِّفة وأضرابِهم مِنَ المتحزِّبين، سلبوا الجمعيةَ الباديسية جوهرَها ومضمونها، لم يتركوا ـ بعد هذا التَّدليس ـ للجمعيَّة الباديسيَّة سوى الاسْمِ دون المحتوى".
وجاء الرد على لسان رئيس لجنة الإفتاء في جمعية العلماء المسلمين العابدين بن حنفية، الذي قال إن الجمعية تقوم بالعديد من النشاطات، أبرزها تحفيظ القرآن لآلاف الجزائريين، وتدرسهم العقيدة، وتعلمهم المواد العلمية الشرعية، وخاطب فركوس قائلا: "ما الفرق بين من يدرس في مسجد أو جامعة أو ثانوية أو مدرسة أو غيرها مما تشرف عليه الدولة، وبين من ينشط في نطاق هذه الجمعية أو تلك؟" في إشارة إلى أن فركوس يدرس في كلية العلوم الإسلامية بالخروبة في العاصمة. فكيف تكون الجمعية تحارب عقيدة التوحيد؟ فإن هذا الكلام باطل، على حد قول رئيس لجنة الإفتاء، واصفا هذا القول بأنه اكتيال للرمال.
وتساءل: "ماذا يقال عن عشرات بل مئات الدعاة والمعلمين والمدرّسين، الذين يقومون بأعمال جليلة لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العقيدة وغيرها من المواد العلمية الشرعية، وأحيانا يكون ذلك والله بكفاءة عالية، كيف يكون غرض هؤلاء محاربة عقيدة التوحيد، وما هي عقيدتهم إذن؟
وعلق بن حنيفة على قضية جواز الانخراط في الجمعيات التي يحرمها فركوس قائلا: "الانتساب إلى هذه الهيئات غير مخالف للشرع فهو تقوية للتحالف المشروع القائم ببن المؤمنين بمقتضى إيمانهم في التعاون على البر والتقوى، أما الحكم على هذه الهيئات ومدى نفعها للأمة فلا ينبغي أن يستند فيه إلى من يتولون إدارتها ومن أعطوا حق تمثيلها القانوني، أو الإشراف الإداري، من فعل ذلك فعليه إذن أن يمنع كل عمل صالح نافع متى كان تحت إمرة من ليس مرضيا حقا، أو ليس مرتضى عنده، وهذا في كل الهيئات والإدارات والدوائر الحكومية".
وعاد فركوس ليرد على رئيس لجنة الافتاء في جمعية العلماء المسلمين، فقال إن "لها نشاط مكثف ومشاركات عميقة في انتشار المخالفات والبدع والمنكرات" وذلك في رد عنونه بـ"مواقفُ سلفيَّة في دحضِ دعاوى ابنِ حنفيَّة وشُبُهات الجمعيَّة" مشيرا إلى أن "من مفاخر الدعوة السلفية، انتهاجها نهجَ الردِّ على أهل الخصومات والبِدَع بالأدلَّة القاطعة والبراهينِ الساطعة ومُجادَلتِهم بالحقِّ ".
وشدد على أن رئيس لجنة الإفتاء اعتمد في رده على "عباراتِ ضبابيَّة تُعارِض ما عليه المنهج السلفيُّ في أَهمِّ أساليبه الدَّعْوية، لَتنمّ عن شخصيَّة مُنهزِمة مقهورة غيرِ مُطَّلِعة على منهج الردِّ على المُخالِف مِنْ جهة، أو تنجلي ـ مِنْ جهة أخرى ـ عن شخصيَّة هروبيَّة لا تملك القدرةَ على مُواجَهة الحقِّ بدليله؛ فتختفي هروبًا وراء الشعاراتِ والعبارات والمُنحدَرات القَلِقة، كما هو صنيعُ الإخوان والجزأرة".
واتهم مجددا جمعية العلماء، التي قال إن "لها نشاطٌ مُكثَّفٌ ومُشارَكاتٌ عميقةٌ في انتشار المُخالَفات وفُشُوِّ البِدَع والمُنكَرات وسكوتٌ عليها؛ وبالمُقابِل لها عزوفٌ عن نشر التوحيد الخالص والسنَّة الصحيحة والدعوةِ إليهما؛ فأين حالُ الجمعيَّة الحاليَّة مِنْ وصايَا مؤسِّسها الأوَّل، متسائلا هل أقلامهم لضربِ المتمسِّكين بالسنَّة قائمةٌ؟ وألسنتَهم في تشويهِ سُمْعة المُصلِحين فاشيةٌ؟".
وما زال الصراع بين أتباع التيار المدخلي في الجزائر مستمرة، بعد انقسامهم إلى فريقين، الأول يقوده محمد علي فركوس ولزهر سنيقرة وعبد المجيد جمعة، وهو الفريق الذي حصل على التزكية من محمد المدخلي، والفريق الثاني حصل على تزكية ربيع بن هادي المدخلي، ويمثل التيار عبد المالك رمضاني وعز الدين رمضاني.
وكان ربيع المدخلي قد أطلق تحذيرا بخصوص لزهر سنيقرة، بعد أن بلغه من طرف بعض مريديه في الجزائر أن سنيقرة تعرض له وتجرأ عليه، مشيرا إلى أن الأخير راسله وأقسم أنه لم يتكلم في شخصه ولم يطعن فيه، فرفض الحديث إليه، ودعا المدخلي مريديه إلى أن يحذروا من سنيقرة وأن يردوا عليه، في وقت تحاول فيه أطراف أخرى من التيار المدخلي رأب الصدع بين رموز هذا التيار في الجزائر، ووضع حد للصراعات.