[ أبو صلاح.. شهيد بغزة يترجل عن كرسيه المتحرك ]
قبل أن يتجاوز ربيعه العشرين، صب الاحتلال الجحيم على بيته فبترت قدماه على الفور ورقّ له من حوله حينها لكونه تحوّل إلى مقعد في وقت مبكر من عمره.
كان ذلك في عام 2008 عندما سكب الإسرائيليون الرصاص على بيوت المدنيين في قطاع غزة، حيث استشهد كثيرون وجرح آخرون ودمرت أحياء بكاملها.
لكن الإعاقة لم تقتل حب فادي أبو صلاح للحياة والتفاعل في المجتمع، ولم تردعه أيضا عن طلب الشهادة في مواسم النضال.
تزوج أبو صلاح وأنجب وحجز لنفسه مكانة خاصة في قلوب الناس، وكثيرا ما شوهد يدفع كرسيه المتحرك بحماس ويتقدم مسيرات الاحتجاج ضد الاحتلال.
وفي الرابع عشر من مايو/أيار الجاري، استقبل جسده النحيل قذيفة إسرائيلية أخرى فارتقى شهيدا إلى جانب أزيد من أربعين آخرين سقطوا برصاص الاحتلال خلال مشاركتهم في مسيرة العودة الكبرى.
في غفلة من العرب والعالم، تحتفل إسرائيل اليوم الاثنين بمرور سبعين عاما على قيامها فوق أرض فلسطينية مغتصبة، وتنتشي فرحا بنقل أميركا سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
الموت والحياة
وبينما يبتهج اليهود وأحباؤهم باغتصاب القدس، يأبى الفلسطينيون إلا أن يخاطبوا العالم: على هذه الأرض ما يستحق الحياة وعليها أيضا من يتحدى الموت.
مؤخرا، أعطى وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان تعليمات صريحة لجنوده بإطلاق الرصاص على كل من يقترب من السياج المحاذي لغزة.
لكن ذلك لم يرهب فادي أبو صلاح، فقد شق طريقه وسط الجماهير واستقبل الموت في مظاهرة سلمية أصرت إسرائيل على أن تحولها إلى مأتم، فيما يريد لها الفلسطينيون أن تظل عرسا حتى لو تتالت مواكب الشهداء.
وقد نقلت وسائل إعلام فلسطينية عن حمزة أبو صلاح قوله إن شقيقه فادي متزوج وأب لخمسة أطفال أكبرهم في السابعة من عمره، وأنه كان يشارك بشكل فاعل في مسيرات العودة على حدود خانيونس جنوب قطاع غزة.
ومنذ انطلقت في مارس/آذار الماضي، شهدت مسيرات العودة سقوط حوالي 100 شهيد، في حين ظلت الإدانات الدولية خجولة جدا، نظرا لانحياز أميركا المطلق لصالح إسرائيل.
طبعا، هذا الانحياز ليس جديدا ولكنه بات أكثر وقاحة عندما وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة في أوائل 2017، حيث تبنى إجراءات وسياسات تشجع استمرار الاحتلال وتوسيع الاستيطان.
في ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن ترامب اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، مما أشعل غضبا عارما في الأراضي الفلسطينية وأدى لاندلاع احتجاجات شعبية واسعة على مستوى العالم.
وبينما تتردد أنباء عن ضغط ترامب وأطراف في المنطقة لإنجاز "صفقة القرن" التي تقضي بتهويد القدس، أبقى الفلسطينيون على جذوة الاحتجاج ليؤكدوا رفضهم لخيانة الوسطاء.
لا تنازلات
بالأمس زار وفد من حركة حماس القاهرة والتقى مسؤولين في المخابرات المصرية، ونقلت بعض المصادر أن الحركة رفضت التنازل عن خططها للتعبئة لمسيرات العودة بحلول الذكرى السبعين للنكبة.
من خلال الاحتجاجات، تريد الفصائل أن تؤكد لواشنطن ولسماسرتها من العرب أن الشعب الفلسطيني مستعد للتضحية بدمائه في سبيل أرضه وأن القدس متجذرة في وجدان التاريخ ولا يمكن تصفيتها بالتآمر مع بعض الأغرار والعملاء.
وإذا كان قمع المحتجين أمرا يمكن تفهمه على مستوى العالم، فإن استشهاد فادي أبو صالح لا يمكن النظر إليه إلا من زاويتين: إرادة التحدي لدى الفلسطينيين، وعقيدة القتل لدى الإسرائيليين.
بيد أن أبو صلاح ليس المقعد الوحيد الذي سلك هذا المسار، فقد امتطى آخرون كراسيهم المتحركة إلى الخلود والتحقوا بركب الشهداء في فلسطين.
ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي رفع المقعد إبراهيم أبو ثريا علم فلسطين وتقدم جموع المحتجين ضد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فما كان من جنود الاحتلال إلا أن أفرغوا حقدهم وذخيرتهم في جسده.
وفي 22 مارس/آذار 2004 قصفت طائرة إسرائيلية الشيخ أحمد ياسين عندما كان عائدا من صلاة الفجر على كرسيه المتحرك فارتقى شهيدا، بعد أن ربّى الشباب الفلسطيني على عقيدة الجهاد ضد الاحتلال.