يوما بعد آخر تأخذ الأزمة السياسية بين الصومال والإمارات أبعادا جديدة، بعد سنوات من تناغم سياسي، بلغ حد التعاون والشراكة في مجالات عديدة.
الاحتقان والفتور، المخيم على العلاقات السياسية بين البلدين، ناتج، وفق محللين، عن قرارات سياسية ودبلوماسية إماراتية، ردا على موقف مقديشو الحيادي من الأزمة الخليجية.
وقطعت كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، منذ 5 يونيو/حزيران 2017، علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها "إجراءات عقابية"، بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتتهم الرباعي بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.
والصومال كغيره من دول إفريقية، يدفع، بحسب المحللين، ثمن موقفه الحيادي، بعد أن أخفقت ضغوط دبلوماسية مورست عليه من الدول المقاطعة لقطر للعدول عن موقفه، خاصة أن مواقف مقديشو السياسية كانت غالبا ما تتوافق مع سياسة العواصم الخليجية، ولا سيما الرياض.
** ضغوط إماراتية
النائب الصومالي، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، محمد عمر طلحة، صرح للأناضول بأن "فصول الأزمة تعود إلى اندلاع الأزمة الخليجية؛ حيث ألقت بظلالها على العلاقات بين دول الخليج وبعض دول القرن الإفريقي (شرقي القارة) بما فيها الصومال، بحكم موقف تلك الدول من الأزمة".
وأضاف النائب الصومالي أن "لجوء الإمارات إلى زعماء الأقليم الفيدرالية في الصومال بحثا عن حشد مواقف سياسية مؤيدة لدول الحصار كان عبارة عن ورقة ضغط إماراتية استهدفت تغيير موقف الحكومة المركزية المحايد، وإشعال أزمة بين الحكومة والأقاليم".
ومضى قائلا إن "دول الحصار توظف كل أوراقها السياسية والمالية والاقتصادية لتركيع الدول المحايدة والمعارضة للأزمة الخليجية، والنظام الفيدرالي في الصومال كان نقطة الضعف للحكومة المركزية، للضغط عليها لتغيير موقفها".
واعتبر أن "الإمارات بددت رصيدها في الصومال، بسبب تدخلاتها ومواقفها السياسية المعادية للحكومة المركزية، ورغم الموقف الصومالي الثابت ما تزال الإمارات تخلط الأوراق السياسية في الصومال بكل السبل المتاحة لها".
وأعلنت أقاليم فيدرالية في الصومال تأييدها للدول المقاطعة لقطر، بدعوى أن هذه المقاطعة حق سيادي لتلك الدول، إلا أن البرلمان الصومالي أعلن أن الحكومة المركزية هي الجهة المعنية باتخاذ القرارت وفقا للدستور.
ومنذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991، شابت مواقف الصومال الخارجية تبعية سياسية لدول الخليج، خاصة السعودية، فمثلا قطعت مقديشو علاقتها مع إيران، عام 2016، تضامنا مع الرياض، عندما اعتدى محتجون إيرانيون على سفارة السعودية وقنصليتها، ردا على إعدام رجل دين شيعي.
** قبل الأزمة الخليجية
مثلت اتفاقية ميناء بربرة نقطة تحول للوضع من أزمة تباين مواقف بين مقديشو وأبوظبي إلى أزمة تمس السيادة، بعد أن أقدمت الإمارات على إبرام اتفاقية ثلاثية مع كل من إقليم "أرض الصومال" وإثيوبيا، ما أثار حفيظة الحكومة المركزية، واعتبرتها "اتفاقية باطلة".
الاتفاقية جاءت كرد على فسخ جيبوتي عقدا مع شركة موانىء دبي العالمية؛ ما دفع الإمارات إلى الإسراع في إبرام اتفاقية، دون اعتبار للجهات المعنية بهذا الشأن، ما أعطى الأزمة زخما تصاعديا بلغ حد التراشق الإعلامي بين مسؤولين في البلدين العربيين.
وفق سعيد علي، المحلل السياسي في مركز سهن للدراسات (صومالي غير حكومي)، فإن "التوتر السياسي بين الصومال والإمارات موجودة من قبل الأزمة الخليجية، حيث كانت أبوظبي تتدخل في الشوؤن الداخلية للصومال، عبر علاقاتها المشبوهة مع الأقاليم الفيدرالية وشخصيات سياسية نافذة، في محاولة لإضعاف الحكومة المركزية، بسبب انزعاج الإمارات من الدور التركي المتصاعد في الصومال، وارتباط بعض قادة البلاد بجماعة الإخوان المسلمين".
واعتبر سعيد، في حديث للأناضول، أن "الأزمة الخليجية أججت تلك التوترات، إضافة إلى الاتفاقية الثلاثية التي مثلت استفزازا متعمدا للصومال.. ما جرد الاتفاقية من ثوبها القانوني هو أنه تم توقيعها مع أرض الصومال، بينما كان رئيس الحكومة المركزية، حسن علي خيري، في أبوظبي، في تجاهل رسمي إماراتي لدور الحكومة في القضايا المصيرية والاقتصادية للبلاد".
وتابع سعيد: "رغم أن الاتفاقية يلفها غموض قانوني، إلا أن منح إثيوبيا حصة 19% من ميناء بربرة، وفق الاتفاقية، صعد من الأزمة؛ نظرا لحساسية الوضع بين الصومال وجارته الإثيوبية، التي تحتل إقليم الصومال الغربي".
ولم تقتصر المشاريع الإماراتية في إقليم "أرض الصومال" على ميناء بربرة؛ فلدى الدولة الخليجية قاعدة عسكرية تستخدمها في الحرب اليمنية، ضمن التحالف العربي، وهي تندرج أيضا ضمن نفوذها بمنطقة القرن الإفريقي.
وردا على الاتفاقية اعتبرت وزارة الموانىء والنقل البحري الصومالية أن الاتفاقية باطلة، ووصفها خيري، فور قدومه من الإمارات، بـ"غير القانونية"، ومنع البرلمان شركة "موانىء دبي العالمية" من العمل في الصومال.
** ملايين الدولارات
الأزمة بين البلدين، حسب أويس عدو، وهو أكاديمي ومحلل سياسي صومالي، "بلغت ذروتها منذ فترة، ولست أبالغ إن قلت إنها ستأخذ البلدين إلى قطيعة سياسية وإنهاء العلاقات بينهما، في ضوء المواقف والمواقف المضادة".
وأردف أويس، في حديث للأناضول، أن "ضبط السلطات (قبل أيام) 9.6 ملايين دولار كانت تنقلها طائرة إماراتية في مطار مقديشو الدولي، بحضور السفير الإماراتي، كان مؤشرا آخر على تصعيد التوتر السياسي".
وشدد على أن "التدخل الإماراتي السافر في الصومال لا لبس فيه؛ إذ سجل التقرير السنوي للجنة العقوبات (التابعة للأمم المتحدة) انتهاك الإمارات أكثر من مرة لحظر السلاح المفروض على الصومال وإريتريا، عبر بناء قواعد عسكرية وتزويد الأقاليم الفيدرالية الصومالية بالسلاح".
وتعليقا على وقف الحكومة دورة تدريب عسكرية إمارتية في الصومال، قال أويس إنه "كان إنهاء لمبررات أبوظبي حول تخصيص أموال مشبوهة للجيش الصومالي، الذي لا تتعدى رواتبه عشرات الآلاف من الدولارات".
بالمقابل، نددت الإمارات بسيطرة الحكومة الصومالية على الأموال، التي كانت تنقلها الطائرة، معتبرة ذلك انتهاكا لاتفاقية مبرمة بين البلدين، عام 2014، بينما تقول مصادر حكومية إن الاتفاقية انتهت، ولم يتم تجديدها.
** شكاوى متبادلة
بعد أزمة اتفاقية ميناء بربرة، قدمت الصومال شكوى رسمية ضد الإمارات في مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية، متهمة إياها بممارسة تدخلات صارخة، وتوقيع اتفاقية باطلة تمس سيادة الصومال.
واستدعت الخارجية الصومالية السفير الإماراتي في مقديشو، محمد أحمد عثمان الحمادي، للاستفسار عن شرعية الاتفاقية الثلاثية وسبب تزامنها مع زيارة رئيس الحكومة للدولة الخليجية، إلا أن السفير "لم يقدم إجابات مقنعة"، حسب مصادر ووثائق رسمية اطلعت عليها الأناضول.
على الجانب الآخر، سلمت الإمارات ورقة احتجاج إلى القنصلية الصومالية في أبوظبي حول "احتجاز طائرة إماراتية والاستيلاء على أمول مخصصة للجيش الصومالي"، مطالبة الحكومة بتقديم اعتذار الرسمي.
وحسب مصادر في الخارجية الصومالية، فإن الإمارات قدمت في الجامعة العربية شكوى رسمية ضد الصومال بشأن احتجاز الطائرة، دون الإشارة إلى الأموال.
** منطقة إستراتيجية
رغم التوتر الحاد بين البلدين، يرى مراقبون أن الأمور لا تتجه نحو قطع العلاقات الدبلوماسية، نظرا لأهمية موقع الصومال، في ظل الصراع الإقليمي الراهن على تلك المنطقة الإستراتيجية.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة أنفقت الإمارات مليارت الدولارات لتحقيق نفوذ عسكري واقتصادي يمكنها من إيجاد موطئ قدم في المنطقة، ومن ثم لن تقدم، وفق المراقبين، على إنهاء وجودها في الصومال.
مخاوف دول الخليج، لاسيما السعودية، من عودة النفوذ والعلاقات الإيرانية في المنطقة، خاصة الصومال، التي تمتلك امتدادا بحريا مع اليمن المشتعل، قد تدفع الإمارات إلى ضبط النفس في المرحلة الراهنة.
ومنذ 26 مارس/آذار 2015، ينفذ تحالف عسكري عربي، بقيادة السعودية ومشاركة الإمارات ودول أخرى، عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الحكومية في مواجهة مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، المتهمين بتلقي دعم إيراني.
كما أن الحضور التركي الإنساني والإغاثي المتزايد في المنطقة، على كافة الأصعدة، الذي ترى فيه الإمارات منافسا قويا لها، ربما يدفعها إلى إجراء دراسة معمقة للمواقف التي قد تتخذها حيال التوتر الراهن.
وتقدم تركيا مساعدات تدريبية واسعة لقوات الأمن والجيش بالصومال، فضلا عن مساعدات إنسانية وصحية عديدة لشعب هذا البلد.
لكن على الجانب الآخر، يرى مراقبون أن التوترات السياسية المتصاعدة، بجانب التصريحات المتشعلة، ربما تنبئ بوجود مؤشرات قوية على حدوث قطيعة مؤقتة، عبر تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي.
ووفق خبراء، فإن الصومال قد يصبح الجانب الأكثر تضررا، في حال قطع العلاقات، حيث سيفقد شريكه التجاري وأكبر سوق في الخليج للتجارة الصومالية.
وسياسيا، سيدفع الصومال ثمنا باهظا لقطع علاقته مع الإمارات، إذ ستكثف الأخيرة تعاملها مع الأقاليم الصومالية، ما يضعف الحكومة المركزية، التي تمتلك بالفعل علاقات متوترة مع أقاليم، منها إقليم "جنوب غرب الصومال"، المرتبط بعلاقات مع الإمارات، وكذلك إقليم "بونت لاند"، وهو ما من شأنه إطالة أمد الانقسام السياسي في الصومال.
أما أمنيا، فيُعتقد أن الإمارات، وعبر التدريب العسكري للقوات الحكومية في مقديشو، تمتلك في الصومال خلايا ومليشيات موالية لها، قد تُستخدم لتخريب وزعزعة أمن العاصمة.
أما الجانب الإماراتي، فقد يخسر نهائيا كل نفوذه في الصومال، بما فيها القواعد العسكرية بإقليم "أرض الصومال"، بجانب ميناء بربرة، إذ قد تلجأ مقديشو إلى تحكيم دولي بخصوص المشاريع الاقتصادية والعسكرية في الصومال، وهو ما قد يُضر بالإمارات في الصراع على النفوذ بمنطقة القرن الإفريقي.