[ محمد بن سلمان في واشنطن ]
بعد نحو عام من زيارته الرسمية الأولى يعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن متأبطا ملفات متشابكة ومعقدة، وقد ترك خلفه منطقة تملؤها الحرائق المشتعلة، وبلدا يشهد تحولات مثيرة على "أنغام" جديدة و"إيقاع" غير معهود.
وتستغرق الزيارة التي بدأت اليوم نحو أسبوعين يطوف خلالهما بعدد من الولايات والمدن الأميركية، ويلتقي عددا من المسؤولين الأميركيين ورجال المال والأعمال وبعض كبار مسؤولي شركات التكنولوجيا وصناعة السلاح.
يحمل ابن سلمان وهو يطرق أبواب البيت الأبيض على عاتقه ملفات كبيرة يحتاج فيها دعما أميركيا، وسيجد في انتظاره ملفات أخرى متعددة ومتنوعة تعكس انتظارات واشنطن ومطالبها.
بين لقاءين
التقى الرجلان أكثر من مرة، إحداها في مايو/أيار الماضي في العاصمة السعودية الرياض خلال أول زيارة خارجية قام بها ترمب إلى السعودية، ولكن اللقاء المنتظر هو الثاني بينهما في واشنطن بعد لقاء الـ14 من مارس/آذار 2017 والذي كان أول قمة تنعقد بينهما حين كان ابن سلمان وليا لولي العهد، وبين اللقاءين حدثت تطورات كثيرة على المستويين الإقليمي والدولي وحتى على المستوى المحلي في كلتا الدولتين.
وترى المحللة السابقة لدى وكالة الاستخبارات المركزية لوري بلوتكين بوغاردت التي تعمل حاليا لدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط أن "حجم التغييرات التي طرأت على السياسة السعودية الداخلية وفي المنطقة منذ اللقاء الأخير مدهش"، وبعض هذه "التغييرات طالت المصالح الأمنية الأميركية".
وتعد الأزمة الخليجية التي اندلعت بعد قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر في يونيو/حزيران الماضي وفرض حصار عليها أبرز مثال على ذلك، حيث لم تفلح المساعي الأميركية حتى الآن في تجاوز هذه العقدة، وتتحدث تسريبات صحفية عن عقبات تواجه عقد قمة أميركية خليجية منتظرة في مايو/أيار القادم بفعل "تعنت" دول الحصار.
ملفات
تزدحم ملفات كثيرة على طاولات التفاوض بين ابن سلمان والمسؤولين الأميركيين، ومن بين خمسة ملفات هي الأهم في النقاشات المرتقبة بين الطرفين يأتي الملف الإيراني الذي صعد الطرفان خطابهما السياسي بشأنه في الفترة الأخيرة.
ويبدو الطرفان (ترمب وابن سلمان) أكثر انسجاما وتناغما في هذا الملف أكثر من أي ملف آخر، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان قبل أيام في واشنطن يشاطرهما نفس المواقف والتوجهات بشأن إيران. وبحسب وسائل إعلام أميركية، فإن الطرفين سيبحثان في إستراتيجية أميركية سعودية لمواجهة إيران.
ومن الراجح أن هذه الإستراتيجية تتضمن أنواعا من الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية على طهران، ولكن لا يعرف حتى الآن هل تتضمن خيارات أكثر خشونة وعنفا في التعاطي معها.
وتحجز حرب اليمن مكانا متصدرا ضمن أجندة الزيارة ومباحثاتها، وبعد أن وجد ابن سلمان أنين هذه الحرب الطويلة يتردد رفضا وتنديدا في لندن خلال زيارته لها قبل أيام ينتظر أن يسمع الصوت ذاته -وإن بشكل مختلف- في واشنطن، حيث يسعى فريق من الكونغرس إلى وضع حد لدعم واشنطن للرياض في هذه الحرب، وهو الدعم الذي يتمثل من بين أمور أخرى في الدعم اللوجستي والاستخباراتي وتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود من الجو، هذا فضلا عن بيع الأسلحة التي قد تستخدم في هذه الحرب.
وتضج الصحف ووسائل الإعلام الأميركية بالكثير من التقارير والمقالات المنددة بهذه الحرب والداعية إلى الضغط على ابن سلمان لوضع حد لها بعد أزهقت أرواح الآلاف وشردت مئات الآلاف وأدت إلى أكبر مجاعة في العالم.
وتقول مجلة نيوزويك إن مصالح الطاقة السعودية ستكون حاضرة ضمن ملفات هذه الزيارة، وكما هي حال الحرب في اليمن فإن هذا الملف وما يتصل به من رغبة السعودية المعلنة في تطوير قدراتهم في مجال الطاقة النووية يثير خلافا متصاعدا مع الكونغرس، وتضيف أنه لا يمكن للولايات المتحدة تصدير التكنولوجيا النووية إلى السعودية دون اتفاق واضح المعالم.
ومن شبه المؤكد أن ما تسمى صفقة القرن ستكون حاضرة وبقوة في مباحثات ترمب وضيفه السعودي، وربما تشمل المباحثات بشأنها وضع اللمسات الأخيرة بشأن طريقة إعلانها بشكل رسمي والخطوات اللاحقة في أجندة تنفيذها.
ويبقى ملف الأزمة الخليجية من بين أبرز الملفات الحضارة في أجندة جولة ابن سلمان الأميركية، كما أنه أحد الملفات التي لا تتطابق بشأنها وجهات نظر الطرفين، حيث تسعى إدارة ترمب بعد شهور من التردد إلى كسر الجمود الحالي ودفع القيادات الخليجية لإنهاء الأزمة والتداعي إلى قمة لرأب الصدع في مايو/أيار القادم في أميركا.
ويقول الكاتب في صحيفة واشنطن تايمز روب سوبهاني إن ترمب يريد من ابن سلمان ثلاثة أشياء تتمثل في التركيز على اتباع قوة ناعمة ضد النظام الإيراني، وإنهاء الحرب في اليمن، ورفع الحصار عن الحليف الأميركي (قطر).
النور والظلام
يسعى المسؤولون السعوديون إلى تقديم ابن سلمان باعتباره قائدا إصلاحيا مجددا يسعى لإخراج بلاده من براثن الجهل والظلمات والتحجر والتطرف إلى أنوار الحضارة والتقدم والانفتاح، وشبه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بلاده بـ"النور" في مقابل "الظلمات" التي تمثلها إيران، ومعروف أن "النور" هو الذي ينتصر دوما "على "الظلمات"، وفق تعبيره.
وكعادته في زياراته السابقة تصاحب زيارة ابن سلمان دعاية تظهره الرجل الوحيد القادر على تحقيق مصالح الغرب ومواجهة المتطرفين داخليا وإقليميا، وبطبيعة الحال تتجاهل هذه الحملات سجل الرجل في قضايا حقوق الإنسان وما خلفته الحرب التي أشعلها في اليمن من كوارث وأزمات إنسانية عميقة.
ولم تكن المقابلة التي أجراها ابن سلمان مع قناة "سي بي إس" الأميركية بعيدة عن سياقات تلك الحملة الإعلامية الرامية إلى تحسين صورة الرجل قبيل جولته بالولايات المتحدة، ولكن عددا من الكتاب الأميركيين حذروا من الانصياع لرغبات الأمير الثلاثيني، ومن هؤلاء الكاتب توماس فريدمان الذي دعا ترمب إلى عدم الخضوع لـ"نزوات" الأمير ابن سلمان.
وقال مخاطبا ترمب "إذا كنت تعتقد أنه بإمكانك الإشادة بموقفه المعادي لإيران وإصلاحاته الدينية وأن الأمور ستسير على ما يرام بعد ذلك فإنك مخطئ".