[ محمد بن سلمان ]
حاول ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في زيارته لندن، أخيرا، تقديم صورة جديدة عن المملكة التي يجهز نفسه لقيادتها، بعد أن يقرر والده الملك سلمان أن لحظة التخلي باتت ممكنة.
وتبين من حملة العلاقات العامة الضخمة التي قامت بها الدولة السعودية في بريطانيا، من أجل تبييض صورتها، أنها عازمة على تسويق خطابٍ يتسم بالانفتاح والعصرنة، وهذا ما عكسته جولات بن سلمان ولقاءاته مع برلمانيين بريطانيين وزيارة الكنيسة الأنكليكانية التي تعهد أمام أساقفتها بأن السعودية سوف تغير قوانينها السابقة المتشدة تجاه حرية العبادة، وتدشن مرحلة من الانفتاح على أتباع الديانات الأخرى، بما في ذلك السماح بفتح كنائس في السعودية.
ولاحظت أوساط إعلامية وسياسية في لندن أن هذه التصرفات هي نوع من مخادعة الغرب، إلى حين صعود بن سلمان على العرش، وتهدف إلى كسب التأييد والمباركة لعملية تتويجه، ثم إنها لن تنعكس أو تترجم انفتاحا في الداخل، ومثال ذلك قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.
وبعد ساعات من صدور القرار في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، تلقت 15 امرأة من الناشطات في الميدان اتصالاتٍ من الجهات الرسمية، تنبه إلى أنه من غير المسموح لهن أن يعبرن عن مشاعرهن تجاه القرار، وكل ما يخالف ذلك ستترتب عليه مساءلة قانونية.
واعتبرت صحيفة لوموند الفرنسية تلك الحادثة تعبيرا عن الطريقة التي يرى فيها بن سلمان الإصلاح في المملكة، وهي تتلخص في أن التحولات التي سوف تحدث على الشعب أن يفهمها أنها بقرار من فوق. ولذا، ممنوعٌ على السعوديين أن يفكروا، أو يخططوا لأي دور سياسي.
وتشرح ناشطة سعودية للصحيفة "لا تريد السلطات السعودية أن نقول إننا حصلنا على حقوقنا، لأننا ناضلنا من أجل ذلك"، وتضيف "لا يريد المسؤولون أن يدرك الشعب أن الضغط الشعبي يمكن أن يقود إلى التغيير. وهم يخشون من أنه إذا تم فتح هذا الباب سوف يتعذر عليهم إغلاقه".
وعلى الرغم من أن بن سلمان يسعى إلى تقديم نفسه حاكما مختلفا، ويتعاطى من منظور عصري مع مشكلات المجتمع السعودي وقضاياه، إلا أنه لا يقبل أي دور لمنظمات حقوق الإنسان في السعودية، ويؤكد دبلوماسي غربي أن بن سلمان يرفض ذلك، ويعتبر أعمال هذه المنظمات جرمية. وهذا ما أكدته المنظمة الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب في تقرير صدر حديثا.
وتقول الباحث السعودية في جامعة هارفارد الأميركية، هالة الدوسري "إن لدى السلطات السعودية خطابا موجها إلى الخارج وآخر موجها إلى الداخل". ونشرت الصحف، في الآونة الأخيرة، شهادات نساء سعوديات باحثات وإعلاميات وناشطات مجتمع مدني يتحدثن فيها عن القمع المسلط في كل الميادين، ومثال ذلك نهى البلوي من مدينة تبوك التي تم اعتقالها بسبب نشاطها على "تويتر"، وإطلاق تغريدة في الشهر الماضي تناهض التطبيع مع إسرائيل.
أما الناشطة نسيمة السادة فهي لم تحصل على إجابة على طلبها الذي تقدّمت به، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بصدد إنشاء جمعية للدفاع عن حقوق النساء.
هناك حالات كثيرة تتعلق بحقوق الإنسان وحرية التعبير وتراكمات من العهود السابقة لم يحرّك بن سلمان ساكنا تجاهها، والأمثلة على ذلك كثيرة، وتبقى صارخة حالة المدون رائف بدوي الذي أودع السجن، وتم منع شقيقته سمر من السفر والتصريح للصحافة.
يشكل الجيل السعودي الجديد ما نسبته فوق 60% من سكان المملكة، وينتظر هؤلاء حياة أفضل من التي عاشها الأجداد والآباء، ويراهنون على انفتاح فعلي، وحرية تعبير وحقوق مواطنة وفرص عمل، وإذا لم يواجه بن سلمان هذا الوضع بجدية، فسيجد نفسه أمام انفجار كبير.