قال 3 مسؤولين أميركيين بارزين، الأحد 11 مارس/آذار، إنَّ إدارة الرئيس الأميركي تضع اللمسات الأخيرة على خطتها التي طال انتظارها لإرساء السلام في الشرق الأوسط، ومن المُرجَّح أن يعلنها ترامب قريباً مع أنَّها مُعرَّضة للرفض السريع من جانب الفلسطينيين، فضلاً عن النزاع القائم بالفعل مع كوريا الشمالية الذي يُعَد واحداً من أعقد النزاعات في العالم.
وبينما لم يُحدَّد وقت إعلان الخطة بالضبط حتى الآن، قال هؤلاء المسؤولون إنَّ التحدي الأكثر إلحاحاً أمام البيت الأبيض هو كيفية إعلانها دون أن تموت قبل أن تبدأ، وفق ما ذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
إذ لا يزال الفلسطينيون غاضبين من قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ورفضوا دعوات البيت الأبيض إلى العودة لطاولة المفاوضات. وتدرس الإدارة الكشف عن الوثيقة بكل بساطة على أمل أن تضغط على الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات.
ويكمن أحد العوامل الأخرى التي تُعقِّد المشكلة في الوضع السياسي المتسارع داخل إسرائيل. فقد يدعو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يواجه اتهاماتٍ بالفساد إلى إجراء انتخاباتٍ مبكرة سعياً للفوز بتفويضٍ شعبي ودعم موقفه.
وقال مُحلِّلون إنَّ المصاعب القانونية التي يواجهها ستجعله أقل ميلاً إلى تقديم تنازلات للفلسطينيين؛ لأنَّ ذلك قد يُنفِّر قاعدته اليمينية منه.
لكنَّ تسارع وتيرة النشاط داخل الأبيض يوحي بأنَّ ترامب سيكشف قريباً عن مخططٍ تفصيلي قال أحد مساعديه البارزين إنَّه يهدف إلى مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على تجاوز العقبات والعوائق من أجل التوصُّل إلى اتفاق، وذلك بغضّ النظر عن الرياح السياسية المعاكسة. وشبَّه المساعد هذا المخطط ببرنامج Waze الذي طوَّرَه الإسرائيليون لمساعدة السائقين على تجاوز الاختناقات المرورية.
ويرى ترامب أنَّ الوجهة النهائية لهذا المخطط هو "عقد صفقة في نهاية المطاف"، بينما يرى مُحلِّلون أنَّ مساعيه ستبوء بالفشل في النهاية. وتأتي هذه الجهود في الوقت الذي يحاول فيه ترامب معالجة مشكلةٍ أخرى مستعصية على الحل، ألا وهي برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، إذ قَبِل الأسبوع الماضي دعوةً للقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة لإجراء مفاوضات.
ولوضع أسس خطة السلام في الشرق الأوسط، يعقد البيت الأبيض يومَ غدٍ الثلاثاء 13 مارس/آذار مؤتمراً لمناقشة سبل تخفيف الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، لكنَّ السلطة الفلسطينية قالت السبت الماضي إنَّها ستقاطع الاجتماع.
وبينما رفض المسؤولون مناقشة مضمون الخطة تماشياً مع غطاء السرية الذي يفرضونه عليها منذ تولي ترامب السلطة، قالوا إنَّها لن تتضمَّن مجموعةً من المبادئ التوجيهية مثل مبادرة السلام العربية التي أقرَّتها جامعة الدول العربية لأول مرةٍ في عام 2002، والتي لم ترسم سوى الخطوط العريضة للاتفاق وتركت للطرفين تحديد بقية التفاصيل.
فعلى سبيل المثال، لن تدعو الخطة إلى حل الدولتين كأحد أهدافها، مع أنَّها ستُحدِّد مساراتٍ لإقامة دولتين. ولن تدعو كذلك إلى "حلٍ عادل ومُنصِف" للاجئين الفلسطينيين، لكنَّها ستقدم خطواتٍ للتعامل مع قضيتهم.
تفاصيل الخطة
وقال مساعدو ترامب إنَّ الخطة عبارة عن وثيقة متعددة الصفحات تتضمن ملحقات وتقترح حلولاً لجميع النزاعات الرئيسية: وهي الحدود والأمن واللاجئين ومكانة القدس. وتوقَّعوا بأنَّ الإسرائيليين والفلسطينيين سيقبلون بعض حلول الخطة وسيرفضون بعضها.
وفي إطار الخوض في التفاصيل الدقيقة، يغيِّر البيت الأبيض الصيغة التقليدية لعملية صناعة السلام. إذ تفادى رؤساء أميركيون سابقون مثل بيل كلينتون وجورج بوش الابن استخدام المصطلحات الغامضة خوفاً من منح الجانبين مزيداً من البنود القابلة للاعتراض. لكنَّ المسؤولين قالوا إنَّ ذلك لم يعد كافياً.
ولم تكن هناك خبرةٌ دبلوماسية لدى المساعدين الذين كتبوا الخطة -سواءٌ جاريد كوشنر أو جيسون غرينبلات وديفيد فريدمان- حين تولوا مناصبهم. فكوشنر هو صهر ترامب وكبير مستشاريه، وكان غرينبلات رئيس الموظفين القانونيين في منظمة ترامب، أما فريدمان فهو محامٍ متخصص في قضايا الإفلاس.
وقال المسؤولون إنَّ الوثيقة لم يرها أحدٌ من خارج الإدارة، مع أنَّ كوشنر وغرينبلات وفريدمان اجتمعوا مع نتنياهو عدة ساعات في "بلير هاوس"، مقر الضيافة الرئاسية بالقرب من البيت الأبيض يوم الأحد الماضي، أي قبل يومٍ من اللقاء الذي جمعه بترامب.
جديرٌ بالذكر أنَّ نتنياهو قال لحكومته يوم الأحد إنَّه "لا توجد خطة سلام أميركية ملموسة مقترحة حالياً"، وفقاً لما أذاعته القناة العاشرة الإخبارية الإسرائيلية. بينما قال مسؤولون أميركيون إنَّ تخطيطهم لا يمليه عليهم زعماء أجانب.
من جانبه، يبدو أنَّ ترامب مازال ملتزماً بإرساء السلام. إذ استقبل رئيس الوزراء في المكتب البيضاوي، وأصرَّ على أنَّ لا تزال لديه "فرصة جيدة جداً" للتوسُّط في التوصُّل إلى اتفاق، وقال: "أعتقد أنَّ الفلسطينيين يريدون العودة إلى طاولة المفاوضات على نحوٍ مُلِحٍّ للغاية".
لكن هناك أدلةٌ قليلة لدعم ذلك، إذ يقول الفلسطينيون إنَّ الولايات المتحدة خسرت دورها بصفتها وسيطاً ذا مصداقية باعترافها بالقدس عاصمةً لإسرائيل وتسريع خطط نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى هناك. ولذلك، وجَّهوا مساعيهم لطلب المساعدة من دولٍ أخرى بدلاً من الأميركيين.
وقد أثارت تصريحات ترامب المُتكرِّرة بأنَّ قضية القدس "لم تعد قابلة للتفاوض" مزيداً من العداء لدى الفلسطينيين، وعلى ما يبدو أنَّ ترامب أراد تبديد آمالهم في جعل القدس عاصمةً لدولةٍ فلسطينية مستقبلية.
وقال دبلوماسيون من دولٍ عربية إنَّ قرار القدس أعجزهم سياسياً عن الضغط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للعودة إلى طاولة المفاوضات خوفاً من إثارة غضب شعوبهم.
جديرٌ بالذكر أنَّ ترامب وكوشنر استثمرا الكثير من الجهود في تطوير العلاقات مع بعض دول الخليج مثل السعودية والإمارات. لكنَّ مسؤولين قالوا إنَّ البيت الأبيض لا يعتمد على أصدقائه العرب في الترويج لمبادرة ترامب للسلام.
وفضلاً عن ذلك، واجه مساعدو ترامب نكساتٍ أخرى، إذ خُفِّض تصريح كوشنر الأمني مؤخراً من "سري للغاية" إلى "سري"، ما أثار شكوكاً حيال استمراره في منصب كبير المستشارين، بل وحتى طول بقائه في البيت الأبيض. وقال مسؤولون إنَّ ذلك لن يعوق قدرته على التفاوض، لكنَّه قد يحد من إمكانية اطِّلاعه على المعلومات الحسَّاسة.
ويهدف مؤتمر غزة الذي سيقوده كوشنر وغرينبلات إلى إضافة زخمٍ إلى الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في الأراضي الفلسطينية التي تعاني نقصاً في المستلزمات الطبية والمياه بعد سنواتٍ من الحصار الذي تفرضه عليها إسرائيل ومصر.
وفي مقالة رأي نُشِرَت مؤخراً في صحيفة واشنطن بوست الأميركية، كتب غرينبلات قائلاً إنَّ حركة حماس هي المسؤولة عن المعاناة في القطاع. لكنَّه قال إنَّ دور حماس لا "يعفينا من مسؤوليتنا في محاولة المساعدة".
وأضاف: "نحن مدينون بإيجاد سبيلٍ إلى مستقبل أكثر إشراقاً للفلسطينيين في قطاع غزة".
وقال مسؤولون إنَّ التخفيف من حدة الأزمة في قطاع غزة أمرٌ مهم لمبادرة السلام، لأنَّ أي اتفاقٍ بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا يشمل القطاع يُعَد ناقصاً. بيد أنَّ السؤال الأساسي للبيت الأبيض هو مدى إمكانية التصالح مع الفلسطينيين.
وأوضح أحمد مجدلاني، المسؤول الفلسطيني البارز، يوم السبت الماضب، أنَّ الفلسطينيين رفضوا دعوة البيت الأبيض لحضور المؤتمر لأنَّ هدف أميركا هو "القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني".
بينما قال مساعدو ترامب إنَّهم لن يفقدوا الأمل في عودة الفلسطينيين إلى المفاوضات. لكنَّهم أقروا بأنَّهم قد لا يملكون خياراً سوى إعلان الخطة على أمل ألَّا تُرفَض رفضاً مباشراً.