دقّت منسقة الأمم المتحدة للوقاية من المجاعة والتصدي لها، زينة غيلاني، ناقوس الخطر، في ظلّ تزايد انعدام الأمن الغذائي الحاد في العالم، بما في ذلك خطر المجاعة الذي يحوم حول مئات آلاف من البشر.
وحذّرت غيلاني من أنّ "عدد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد وصل إلى ربع مليار شخص، من بينهم 376 ألف شخص يواجهون ظروفاً شبيهة بالمجاعة في سبعة بلدان". وأكدت أنّ هذا الرقم هو "الأعلى الذي سُجّل في السنوات الأخيرة"، مبيّنة أنّ "الفئتَين الأكثر تضرراً هما النساء والأطفال".
وأتت إحاطة المسؤولة الأممية في خلال جلسة رفيعة المستوى ترأسها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي تتولى بلاده رئاسة مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، علماً أنّ الجلسة عُقدت تحت عنوان "المجاعة وانعدام الأمن الغذائي العالمي الناجم عن النزاعات".
وإذ رأت غيلاني أنّ هذه الأزمة من صنع الإنسان، وأنّ وصول الوضع إلى هذا المستوى لم يكن مفاجئاً، قالت إنّ "الجوع والصراعات يغذّيان بعضهما. وما زال الصراع وانعدام الأمن من العوامل الرئيسية لانتشار الجوع والمجاعة". وشرحت أنّ "البلدان السبعة التي واجه فيها الناس ظروفاً شبيهة بالمجاعة، في العام الماضي، تأثّرت بالنزاع المسلح أو مستويات شديدة من العنف".
وشدّدت غيلاني على أنّ "النزاع المسلح يدمّر النظم الغذائية بالإضافة إلى تشريد الناس من ديارهم ويترك كثيرين في حاجة إلى مساعدات وفي حالة جوع".
وتحدّثت غيلاني عن "مقتل عدد من العاملين في المجال الإنساني في مناطق النزاعات، إلى جانب الهجوم على مخازن الأغذية والمساعدات وسرقتها". وفي مثال على ذلك، أشارت إلى الوضع في السودان "حيث قُتل في النزاعات الأخيرة 11 عاملاً في المجال الإنساني".
وتوقّفت المسؤولة الأممية كذلك عند مسبّبات أخرى تؤدّي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وهي التغيّر المناخي والصدمات الاقتصادية. ولفتت الانتباه إلى أنّ "من بين البلدان العشرة الأكثر عرضة للمخاطر المتعلقة بالمناخ، ثمّة سبعة بلدان متأثّرة بالصراع، ستّة تضمّ قوات من الأمم المتحدة لحفظ السلام أو بعثات سياسية خاصة، وأربعة منها تضمّ أكثر من مليون شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة". وتابعت غيلاني أنّ في الوقت ذاته، "يعوّق انعدام الأمن في البلدان المتضرّرة من النزاعات جهود التكيّف مع المناخ. وهذا يترك المجتمعات الضعيفة بالفعل أكثر فقراً وجوعاً وأقلّ قدرة على الصمود".
وفي هذا الإطار، عرضت غيلاني حلولاً يمكن من خلالها مواجهة ذلك، وأوّلها منع وإنهاء الصراعات بكلّ أشكالها. وشدّدت على ضرورة الالتزام بالسلام من خلال نظم متعدّدة الأطراف. واستدركت الممثلة الأممية قائلة إنّ "السلام قد يستغرق بعضاً من الوقت، لكنّ ثمّة خمس خطوات حاسمة يمكن اتّخاذها للحدّ من المعاناة ومنع المجاعة". ومن تلك الخطوات "التأكد من احترام والتزام أطراف النزاع بالقانون الدولي الإنساني، مع الاستفادة بصورة أفضل من آليات الإنذار المبكر الحالية مثل قرار مجلس الأمن رقم 2417 (2018) بطريقة مركّزة وفعّالة". وتحدّثت عن "إيجاد طرق جريئة ومبدعة للتخفيف من تأثير الحروب على الفئات الأكثر ضعفاً".
وتوقفت المسؤولة الأممية عند الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة، وأشارت إلى ضرورة أن "تكون النساء والفتيات في مركز جهودنا، إذ تؤثّر الأزمات والجوع عليهنّ بطريق غير متناسبة، كما أنهم يمثّلنَ مفتاحاً للحلول الدائمة"، شارحة أنّ "الأبحاث تظهر أنّ إشراك النساء المحليات في بناء السلام يزيد من احتمال انتهاء العنف بنسبة 24 في المائة".
كذلك شدّدت على ضرورة أن تكون الاستجابة متكاملة وغير متجزئة، خصوصاً في ما يتعلق بـ"تمويل صناديق المساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها الملايين حول العالم والتي لم تعد كافية". ثمّ ربطت ما بين معالجة أزمة المناخ والأزمة الاقتصادية من خلال التصدّي للجوع وانعدام الأمن الغذائي حول العالم.
في الإطار نفسه، تحدّث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن استخدام الجوع كسلاح في النزاعات، من طريق منع وصول المواد الغذائية إلى محتاجيها، الأمر الذي يزيد من تفاقم الأزمة ومن تكلفة الغذاء حول العالم. وأعطى عدداً من الأمثلة، من بينها السودان وميانمار. وتوقّف بدوره عند قرار مجلس الأمن رقم 2417 (2018) الذي ينصّ على أنّ التجويع المتعمّد في النزاعات يمكن أن يرقى إلى جرائم حرب.
ووجّه الوزير الأميركي انتقادات حادّة إلى روسيا، وانسحابها من اتفاقية البحر الأسود للحبوب. وقال: "علينا أن نتصدّى للعدوان الروسي على أوكرانيا وما نجم عنه من هجوم على النظام الغذائي العالمي. من خلال اتفاقية الحبوب قُدّم 32 مليون طنّ من الحبوب الأوكرانية للعالم (...) أكثر من نصف الصادرات الغذائية، وثلثا الحبوب التي صُدّرت عبر هذه الاتفاقية ذهبت إلى الدول النامية. وما كنّا لنحتاج إليها لولا الغزو الروسي وإغلاق الموانئ الأوكرانية".
وتحدّث بلينكن عن الطريقة التي ساعدت بها المبادرة في تقليل تكلفة الغذاء والحبوب حول العالم، لافتاً إلى أنّ روسيا تمكّنت من خلال تلك الاتفاقية من تصدير محاصيل وحبوب بأسعار أعلى من أيّ وقت مضى. وتحدّث عن ارتفاع أسعار الحبوب منذ انسحاب روسيا من الاتفاقية، قبل أقلّ من شهر، بنسبة ثمانية في المائة. ولم ينسَ الإشارة إلى قصف روسيا صوامع الحبوب والموانئ في أوكرانيا.
كذلك ربط بلينكن تلك الخطوات الروسية بأخرى تتعلق بتقديم المساعدات العابرة للحدود واستخدام روسيا للفيتو ضدّ التجديد لتقديم المساعدات العابرة للحدود من خلال معبر باب الهوى، إلى السوريين. وشدّد على أنّ بلاده ستجدّد جهودها لإعادة مناقشة دخول المساعدات عبر باب الهوى إن لم يتمّ التوصل إلى اتفاق ما بين روسيا والأمم المتحدة حول حيثيات دخول المساعدات من خلال المعبر المذكور.
من جهته، هاجم نائب السفير الروسي للأمم المتحدة دميتري بوليانسكي الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية، وقال إنّها تهمل دورها وحروبها في عدد من المناطق حول العالم، بما فيها العراق وأفغانستان، وتأثير تلك الحروب بالأوضاع الإنسانية والاقتصادية والغذاء حول العالم.
وقد تبنّى مجلس الأمن الدولي بياناً رئاسياً يدين بشدّة استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، كذلك عبّر عن قلقه من تخفيض نسبة التمويل الخاص بالمساعدات الإنسانية حول العالم، في الوقت الذي تزيد فيه الاحتياجات. ورأى البيان كذلك أنّ التغيّر المناخي والأزمات الاقتصادية والنزاعات والحروب تفاقم من الأزمة الغذائية حول العالم.