نشر موقع "نيوز ري" الروسي تقريرا تحدث فيه عن احتجاز رئيس النيجر محمد بازوم، الذي يعتبر "آخر حلفاء" فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، وإجباره على التوقيع على وثيقة استقالته.
وقال الموقع، في تقريره، إن وزارة خارجية النيجر أفادت بأن محمد بازوم لا يزال محتجزًا في مقر إقامته وهو على قيد الحياة ويتمتع بصحة جيدة، وأن البلاد لن تتسامح مع الاستيلاء على السلطة داعية المتمردين إلى الرجوع عن قرارهم.
وحسب تقارير إعلامية فإن بازوم يتفاوض مع حراس الأمن الذين يصرون على استقالته مقابل ضمان تمتعه بالحصانة من أي نوع من التتبع.
وخلال ظهورهم على شاشة التلفزيون الوطني، أعلن المتمردون إزاحة بازوم من منصبه وإغلاق حدود الدولة وحظر التجوّل داخل البلاد، وتعليق أنشطة جميع المؤسسات. في الوقت نفسه، لم يعلن محمد بازوم عن استقالته وأصدر بيانًا على مواقع التواصل الاجتماعي أعرب فيه عن ثقته في حفاظ مواطني النيجر على البلاد.
في المقابل، عبّر زعماء دول الجوار الأفريقي عن دعمهم لنظيرهم النيجري وعلى رأسهم رئيس بنين باتريس تالون الذي توجّه إلى نيامي للتفاوض مع المتمردين.
لماذا ثار الحرس الجمهوري؟
حسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية، كان بازوم ينوي عزل قائد الحرس الرئاسي عمر تشياني وهو ما رفضه حرسه، مما دفعهم إلى تنظيم التمرّد. ومن جانبه، أرجع العقيد أمادو عبد الرحمن في خطابه تصرفات المقاتلين إلى الرغبة في وضع حد للنظام بسبب الوضع الأمني المتردي وسوء الإدارة.
ما هو الوضع الحالي في النيجر؟
في الوقت الحالي، يحظَر على الأجانب دخول النيجر، وقد صرح المشاركون في محاولة الانقلاب الذين فرضوا أيضًا حظر التجول أن "الحدود البرية والجوية مغلقة إلى حين استقرار الوضع في البلاد". وعلّق مصدر دبلوماسي فرنسي موجود حالياً في النيجر قائلاً: "كانت الليلة هادئة". ووفقا له، لا يوجد سبب لإجلاء المواطنين الفرنسيين من البلاد. وأضاف ذات المصدر "نحن على اتصال بالسلطات في البلاد ونقوم بتقييم الوضع".
كيف ردّت الدول الأخرى على التمرد في النيجر؟
من المتوقع طرح موضوع التمرد ضد بازوم على طاولة النقاش في القمة الروسية الأفريقية التي تحتضنها سان بطرسبرغ رغم عدم مشاركة رئيس النيجر أو غيره من الممثلين رفيعي المستوى فيها. ووفقًا للمتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، ناقش المشاركون في القمة قضايا تتعلق بالتمرد في النيجر كونه يصعب تجاهل مثل هذه الأحداث.
من جانبها، أدانت الولايات المتحدة محاولة الانقلاب في النيجر. وقد صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن واشنطن تراقب الوضع عن كثب وتتفاعل مع الحكومة النيجيرية. أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فأجرى محادثات مع محمد بازوم معربًا عن دعمه له، وقد أدان محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة وتقويض الحكم الديمقراطي والسلام والاستقرار في النيجر داعيًا إلى الامتناع عن العنف واحترام سيادة القانون. ومن جهتها، لفتت فرنسا الانتباه إلى الوضع السياسي الداخلي الصعب في الدولة الأفريقية.
ما الذي ستخسره فرنسا في حال استقالة بازوم؟
أورد الموقع أن العديد من الدول الأفريقية تقيم علاقات اقتصادية وسياسيًة مع باريس بسبب ماضيها الاستعماري. وفي الآونة الأخير، بدأت دول القارة السوداء واحدة تلو الأخرى التخلي عن هذه العلاقات، مفضلين التعاون مع الصين وروسيا عوضًا عن فرنسا باستثناء النيجر التي تعتبر آخر معاقل النفوذ الفرنسي.
ترجع أهمية العلاقات الوطيدة بين فرنسا والنيجر إلى وجود احتياطيات استراتيجية من اليورانيوم، العنصر الأساسي في الطاقة النووية الفرنسية، وتضمن النيجر حوالي 40 بالمئة من اليورانيوم الذي تستهلكه فرنسا. وفي سنة 1957، قبل وقت قصير من استقلال النيجر، اكتشف خبراء الجيولوجيا كميات كبيرة من اليورانيوم في المستعمرة الأفريقية. وعلى الرغم من أن النيجر تصنف كخامس دولة من حيث حجم احتياطي اليورانيوم في العالم، غير أنها لم تغادر براثن الفقر وتواجه مشاكل مناخية عديدة.
وذكر الموقع أن فرنسا اتبعت سياسة تعتبرها بعض الدول، ولا سيما روسيا، شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد من أجل ضمان الاستفادة من هذا الاحتياطي. باستخدام القوة الناعمة سيطرت باريس على مستعمرتها السابقة ونجحت في خفض تكلفة استغلال رواسب اليورانيوم في النيجر بشكل كبير لصالح الطاقة النووية الفرنسية.
وأشار الموقع إلى أن بازوم يُعرف بمواقفه المؤيّدة لفرنسا وعلاقاته الوثيقة بالولايات المتحدة وبريطانيا، ويظهر ذلك في تمركز القوات الفرنسية في النيجر بعد مغادرة مالي وإستضافة البلاد لقواعد عسكرية أمريكية. تعليقًا على الوضع الراهن، كتبت بعض القنوات الروسية على موقع التليغرام أن انسحاب القوات الفرنسية من النيجر لا يعني تقلص نفوذ باريس هناك وذلك يعود بالأساس إلى اعتماد الاقتصاد ومجال الأعمال في النيجر بشكل كبير على باريس، ناهيك عن أن الفرنسية هي اللغة الرئيسية في البلاد.
ونقل الموقع عن الخبير السياسي يفغيني كوريندياسوف، الذي شغل منصب سفير الاتحاد السوفيتي وروسيا في عدة دول أفريقية، أن باريس استعبدت النخبة السياسية بأكملها في النيجر. وأضاف كوريندياسوف أن النيجر تمتلك احتياطيات ضخمة من اليورانيوم، ما يدفع الفرنسيين للحفاظ على مواقعهم المهيمنة هناك والتنافس مع الصين. وعزا الخبير محاولة الانقلاب إلى المشاكل السياسية الداخلية.
ما علاقة الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" بالانقلاب في النيجر؟
تشير وسائل إعلام فرنسية إلى إمكانية تورّط أعضاء من وحدات فاغنر العسكرية في الانقلاب، وأن حكومتي مالي وبوركينا فاسو، التي وصلت إلى السلطة بعد إنقلاب، طلبت المساعدة من الشركات العسكرية الخاصة الروسية بعد طرد القوات الفرنسية من أراضيها.
وحسب أولف ليسينغ، الخبير بشئون الساحل بمؤسسة كونراد أديناور الألمانية، "أنفقت فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مبالغ طائلة في سبيل تعزيز أمن النيجر وقواتها الأمنية لأن الرئيس محمد بازوم يمثل أملهم الوحيد في المنطقة. وعليه، يتيح الانقلاب لكل من روسيا واللاعبين الآخرين بسط نفوذهم هناك". مع ذلك، يستبعد كوريندياسوف وجود علاقات مهمة بين روسيا والنيجر، ذلك أنه "في حل تغيير السلطة لن تشهد العلاقات بين روسيا والنيجر تغييرا نظرا لغياب التفاعل مع النيجر والدوافع الكفيلة بتطوير العلاقات في الوقت الحالي".