في وقت خرجت، الجمعة، مسيرات متعددة داعمة للحكومة في إيران للتنديد بالاعتداء المسلح في الضريح الديني في شيراز، الأربعاء الماضي، ومقتل 13 شخصاً، تجددت الاحتجاجات في بعض مدن محافظة سيستان وبلوشستان، في حين أوردت منظمة حصيلة القتلى بلغت 253 منذ بدء الاحتجاجات.
وبث التلفزيون الإيراني مشاهد خروج حشود إيرانية بعد صلوات الجمعة في عدة مدن إيرانية، بما فيها العاصمة طهران، نددوا بالاعتداء على ضريح أحمد بن موسى الديني في شيراز، مع إطلاق هتافات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى والمطالبة بالانتقام لدماء القتلى.
كذلك ندد المشاركون في المسيرات بما وصفوه بـ"أعمال الشغب" الأخيرة و"مثيري الشغب" في البلاد، في إشارة إلى الاحتجاجات المستمرة على وفاة الشابة مهسا أميني في السادس عشر من الشهر الماضي إثر احتجازها بتهمة عدم التقيد بقواعد الحجاب.
وفي بعض المسيرات، أطلق المشاركون هتافات ضد من وصفوهم بـ"مثيري الشغب"، مع الربط بين اعتداء شيراز والاحتجاجات.
وتزامناً مع المسيرات، تصاعدت التهديدات بالانتقام من المخططين والآمرين بالهجوم في الضريح الديني، مع اتهام السلطات "الأعداء" في الخارج بالتخطيط للهجوم والوعيد بالانتقام منهم. كذلك، يتهم نشطاء على شبكات التواصل السلطات بـ"استغلال" الحادث لإنهاء الاحتجاجات. مع توالي التنديد الإقليمي والدولي بالهجوم الذي خلف 13 قتيلاً وأكثر من 30 جريحاً.
وعلى صعيد الاحتجاجات في إيران، وسط ترقب لما بعد صلاة الجمعة في مدينة زاهدان مركز محافظة سيستان وبلوشستان، بعد تدفق مواطنين من مدن أخرى إليها للمشاركة في صلاة الجمعة هناك، نظم العديد من المصلين احتجاجات، وسط إطلاق هتافات سياسية ضد السلطات، وفق مقاطع مصورة متداولة. وسبق تنظيم صلاة الجمعة استقرار مكثف لقوات مكافحة الشغب والشرطة في شوارع مدينة زاهدان.
وذكر مجلس تأمين أمن محافظة سيستان وبلوشستان في بيانه الثاني أنّ طفلًا في الثانية عشرة من عمره قتل وأصيب 14 آخرون خلال احتجاجات الجمعة في مدينة زاهدان، والتي وصفتها بأنها "أعمال شغب"، وفقاً لما أوردت وكالة "إرنا" الرسمية.
وعزا المجلس مقتل هذا المواطن اليافع الذي انتشرت صورته وإصابة المصابين إلى إطلاق نار من"مجهولين مسلحين".
غير أنّ أنباء غير رسمية متداولة على وسائل إعلام فارسية في الخارج وشبكات التواصل تشير إلى مقتل خمسة أشخاص برصاص قوات الأمن.
وتشير فيديوهات أخرى أيضاً إلى اندلاع احتجاجات في مدينة سراوان في المحافظة، وسط إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وسماع أصوات إطلاق النار، مع بث مشاهد لإصابات بين صفوف المحتجين وأنباء غير مؤكدة عن قتلى في زاهدان. وتتداول مواقع التواصل مشهد إصابة شاب برصاصة في رأسه مع الحديث عن مقتله، لكن لم يتسن لـ"العربي الجديد" التأكد من هذه الأنباء.
وجاءت احتجاجات الجمعة في زاهدان وسراوان في محافظة سيستان وبلوشستان، جنوب شرقي إيران، على خلفية مقتل العديد من المحتجين في الثلاثين من الشهر الماضي بعد احتجاجهم أمام مقر للشرطة بالقرب من مسجد المكي، بعد انتشار أنباء عن اغتصاب فتاة بلوشية من قبل عنصر شرطة، وكذلك في إطار الاحتجاجات في إيران على وفاة أميني.
وذكرت السلطات أن 25 شخصاً قتلوا خلال حوادث زاهدان (30 سبتمبر)، لكن خطيب جمعة السنة في زاهدان، رجل الدين البارز المولوي عبد الحميد إسماعيل زهي، ونشطاء بلوشيين، تحدثوا عن أكثر من 90 قتيلاً و250 جريحاً.
وبعد شهر من تضارب روايات واتهامات متبادلة بشأن الحادث فيما باتت توصف بـ"الجمعة السوداء" أو "الجمعة الدامية"، أكد مجلس تأمين المحافظة، الليلة الماضية، في بيان، أن جزءاً من المسؤولية يقع على عاتق الشرطة مع تحميله "مثيري الشغب والمحرضين" الجزء الآخر، والإعلان عن إقالة قائد شرطة زاهدان وقائد مركز الشرطة الـ16 بالقرب من مسجد المكي.
وفي خطبة الجمعة، رحّب المولوي عبد الحميد بالخطوة، داعياً المواطنين إلى الهدوء، مع مطالبة السلطات بإنزال العقوبات العادلة بحق المتورطين في حوادث زاهدان يوم 30 الشهر الماضي، وانتقاده طريقة إدارة البلاد والدعوة إلى احترام تطلعات المواطنين.
من جهتها، وصفت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية أوضاع مدينة زاهدان بأنها "هادئة"، مشيرة إلى أن المصلين بعد صلاة الجمعة نظموا "مسيرة سلمية انتهت من دون وقوع مواجهات".
واتهمت "إرنا" ووسائل إعلام إيرانية رسمية وشبه رسمية أخرى معارضي الثورة في الخارج بالسعي لتوتير الأوضاع وإيجاد تشنجات في زاهدان.
احتجاجات غربي إيران
كذلك، انتشرت الجمعة فيديوهات عن احتجاجات في مدينة مهاباد في محافظة أذربيجان الغربية، أثناء تشييع المواطنين جثمان أحد قتلى احتجاجات أمس.
وأكد التلفزيون الإيراني، الليلة الماضية، مقتل 3 أشخاص خلال الاضطرابات التي شهدتها المدينة الخميس غير أن أنباء غير رسمية تشير إلى مقتل أربعة محتجين، من بينهم امرأتان.
وشهدت مدينة مهاباد الخميس احتجاجات عقب مقتل شاب الأربعاء الماضي في الاحتجاجات بمناسبة أربعينية مهسا أميني في المدينة، قالت السلطات إنه "قتل خارج التجمعات". وهاجم المحتجون مقرات حكومية وأضرموا النار في بعض المباني الحكومية مع بث التلفزيون مشاهد تخريب البنوك والمؤسسات.
إلى ذلك، فيما شهدت مدينة بانة احتجاجات الليلة الماضية، وسط تقليل السلطات المحلية في محافظة كردستان من أهمية التجمع الاحتجاجي فيها، حيث نائب رئيس محافظة كردستان للشؤون السياسية والأمنية، مهدي رمضاني، إن "التجمع كان محدوداً وشارك فيه 100 شخص".
وأشار إلى إصابة عنصرين من قوات الحرس الثوري والأمن الداخلي في احتجاجات بانة مع الحديث عن أن وضعهما الصحي "حرج".
وأكد رمضاني مقتل اثنين من المحتجين، قائلاً إنه خلال المواجهات "قتل اثنان من مثيري الشغب، والتحقيقات الأولية تشير إلى أن مقتلهما تدور حوله شكوك".
كذلك، أفادت وكالة "تسنيم"، اليوم، بمقتل عنصر آخر من قوات التعبئة "الباسيج" في طهران، يدعى علي وردي، بعدما أصيب خلال احتجاجات الأربعاء الماضي في أربعينية مهسا أميني.
وذكرت وكالات الأنباء الإيرانية أن عنصرين آخرين من الباسيج قتلا أمس الخميس في مدينة آمل شمالي إيران إثر تعرضهما لإطلاق النار.
وأعلنت منظمة العفو الدولية مقتل ثمانية محتجين إيرانيين في أربع محافظات برصاص قوات الأمن، أمس الخميس، داعية الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان إلى "اتخاذ إجراءات حاسمة" وعقد جلسة فورية حول إيران.
استدعاء متبادل للسفراء
وفي سياق التوتر الإيراني الغربي، على خلفية الموقف الأميركي الأوروبي من الاحتجاجات في إيران والإعلان عن دعمها واتهام السلطات الإيرانية بقمعها مع فرض عقوبات عليها، استدعت الخارجية الألمانية، الجمعة، السفير الإيراني للتشاور.
ونقلت "رويترز" عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية قوله إن الاستدعاء جاء رداً على استدعاء سفيرها في طهران، الخميس.
وسبق أن استدعى الطرفان أيضاً سفراءهما خلال الاحتجاجات الأخيرة في إيران وسط اتهامات إيرانية لألمانيا بالتدخل في شؤون طهران الداخلية.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنها استدعت، الخميس، السفير الألماني في طهران هانس أدو موتسل احتجاجاً على "المواقف التدخلية" لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك حول الأوضاع الداخلية في إيران.
وقالت بيربوك الأربعاء إن برلين ستفرض قيوداً على دخول الإيرانيين بالإضافة إلى العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد مسؤولين إيرانيين لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران.
بيان مشترك للاستخبارات الإيرانية
وفي بيان مفصل مشترك لأول مرة في تاريخهما، اتهم جهازا استخبارات إيران، وزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس الثوري، أجهزة استخبارات الولايات المتحدة الأميركية بالتخطيط للاحتجاجات الأخيرة في إيران والتي وصفها البيان "بأعمال الشغب".
وأورد البيان أن استخبارات "سي أي إيه" قبل بداية أعمال الشغب "أعدت خطة بالتعاون مع أجهزة التجسس الحليفة والوكيلة الرجعية لإحداث اضطرابات عامة في إيران بهدف ارتكاب جرائم ضد الشعب الإيراني ووحدة الأراضي والتمهيد لتشديد الضغوط الخارجية".
وفي السياق، سمت وزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس، إلى جانب الاستخبارات الأميركية، أجهزة أمن بريطانيا والموساد الإسرائيلي ودول أخرى لم يشر إليها، مع اتهام هذه الأطراف بالتعاون مع الولايات المتحدة لتدبير الاحتجاجات.
كذلك، يشير البيان إلى اجتماعات بين تلك الأجهزة لتحقيق الهدف الذي تحدث عنه و"أساليب" لتنفيذ الخطة، وفقا لنص البيان الذي نشرته وكالات الأنباء الإيرانية.
253 قتيلًا في المحصلة
في الأثناء، أعلنت منظمة "الحقوق الإنسان في إيران" المعارضة، في النرويج، الجمعة، أن عدد قتلى الاحتجاجات في إيران بلغ 253 شخصاً من بينهم 34 شخصاً دون الثامنة عشرة من العمر.
وذكرت المنظمة أن القتلى من 21 محافظة إيرانية من أصل 31، علماً بأنّ هذه الأرقام تبقى غير رسمية، في ظل عدم إعلان السلطات الإيرانية حتى الآن حصيلة القتلى خلال الاحتجاجات الأخيرة.
يشار إلى أنّ تقارير وتصريحات إيرانية متفرقة تشير أيضاً إلى مقتل ما لا يقل عن 33 عنصراً من قوات الأمن والحرس والشرطة خلال الاحتجاجات الأخيرة.