اختتمت الاثنين محادثات أميركية روسية في جنيف بشأن الأزمة الأوكرانية، بعد تشاؤم من الطرفين بإحراز اتفاق، وأعلن الجانب الأميركي أنه عرض استكمال المحادثات مع روسيا لاحقا.
وكانت المحادثات قد انطلقت بين سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي ونظيرته الأميركية ويندي شيرمان، حيث ركزت على المخاوف الغربية من غزو روسي محتمل لأوكرانيا، والتوسع العسكري لحلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
وبعد المحادثات، قال نائب وزير الخارجية الروسي إن الجانب الأميركي تعامل مع بواعث قلق بلاده بشكل جدي للغاية، مضيفا "ننصح الجانب الأميركي بعدم التقليل من أهمية خطر نشوب مواجهة".
واعتبر ريابكوف أن الوضع يتطلب تحقيق توافقات وتوزانا للمصالح.
أما نائبة وزير الخارجية الأميركي فقالت في إحاطة صحفية عبر الهاتف إن الولايات المتحدة عرضت استكمال المحادثات مع روسيا لاحقا.
وأوضحت أن بلادها ستستكمل مشاوراتها مع شركائها وحلفائها بشأن أوكرانيا وستتيح الفرصة والوقت للدبلوماسية، وأنها لن تتخذ أي قرارات بشأن أوكرانيا أو أوروبا دون إشراك تلك الأطراف في المحادثات.
وشددت المسؤولة الأميركية على أنه لا يمكن تحقيق تقدم في الدبلوماسية بدون خفض للتصعيد الروسي، معتبرة أن روسيا هي من غزت أوكرانيا عام 2014 وهي من يقف وراء التصعيد الآن.
وذكرت شيرمان أنها ناقشت أثناء الحوار مسألة نشر الصواريخ، وإضفاء مزيد من الشفافية على ملف إجراء المناورات من قبل الجانبين.
كما قالت شيرمان للصحفيين "أبلغنا روسيا بأننا لن نسمح لأي طرف بمنع انضمام الدول لعضوية الناتو".
وأضافت شيرمان "رفضنا المطالب الروسية كما رفضنا مناقشة القضايا المتعلقة بأمن أوروبا وأوكرانيا دون حضورهم".
وقالت أيضا "رفضنا المطالب الروسية بتقييد انتشار حلف شمال الأطلسي أو انضمام أعضاء جدد للحلف".
وأوضحت شيرمان أن الثمن الذي ستدفعه موسكو لو غزت أوكرانيا سيكون حزمة عقوبات مالية، وأخرى تستهدف صادراتها.
وفي وقت سابق اليوم، شدد ريابكوف على ضرورة أن تشمل المحادثات مسألة عدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، معتبرا أنه لا يمكن إجراء حوار بنّاء خلال مفاوضات الضمانات الأمنية إلا في سياق مراجعة قرارات قمة بودابست بشأن مستقبل أوكرانيا في الحلف.
وحذر ريابكوف الولايات المتحدة والناتو من أنهما قد يشهدان تدهورا في الوضع الأمني إذا لم يأخذا الضمانات الأمنية الروسية على محمل الجد.
حلف الناتو
وبموازاة المحادثات في جنيف، التقى الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ في بروكسل بنائبة رئيس وزراء أوكرانيا أولغا ستيفانيشينا.
وخلال اللقاء، توعد ستولتنبرغ روسيا بدفع كلفة عالية في حال هاجمت أوكرانيا، مؤكدا أن الحلف ساعد كييف في تطوير قدراتها العسكرية وأنه يعمل معها للوصول إلى العضوية الكاملة في الحلف.
من جهتها، قالت ستيفانيشينا إن الضمانات الأمنية التي تطلبها روسيا لا تشكل أساسا للمفاوضات، ووصفت روسيا بأنها "الطرف المعتدي الذي لا يحق له في الأساس فرض شروط".
محادثات أمس
وأعلن سيرغي ريابكوف أنه أجرى مناقشات "معقدة" مساء أمس مع ويندي شيرمان في جنيف، قبيل انطلاق محادثات دبلوماسية شديدة الخطورة تهدف إلى نزع فتيل الأزمة المتفجرة بشأن أوكرانيا.
ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء عن ريابكوف قوله بعد عشاء العمل الذي استمر ساعتين إن "المحادثات كانت معقدة، لا يمكن أن تكون سهلة".
كما وصف ريابكوف المحادثات بأنها كانت "جدية"، في وقت تستمر المفاوضات الاثنين، مضيفا "أعتقد أننا لن نهدر الوقت غدا (اليوم الاثنين)".
وكان ريابكوف قد قال في وقت سابق إن روسيا تتجه إلى جنيف بمهمة واضحة، وهي الحصول على الضمانات التي تطلبها.
وأضاف أن بلاده لن تقدم أي تنازلات مهما كانت التهديدات والضغوط، والتي قال إن الغرب يمارسها باستمرار.
وقلل المسؤول الروسي من إمكانية نجاح هذه المحادثات، وقال إن بلاده قد تلجأ إلى وسائل أخرى لضمان التوازن في حال عدم الاتفاق.
بدورها، أكدت شيرمان خلال عشاء العمل "دعم الولايات المتحدة للمبادئ الدولية (المتعلقة) بالسيادة والسلامة الإقليمية ولحرية الدول ذات السيادة في اختيار تحالفاتها"، حسب بيان للخارجية الأميركية.
ويتواصل الأسبوع الدبلوماسي باجتماع بين حلف الناتو وروسيا بعد غد الأربعاء في بروكسل، ثم بلقاء الخميس المقبل في فيينا مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بغية إشراك الأوروبيين الذين يخشون تهميشهم.
لكن وكالة الإعلام الروسية نقلت عن ريابكوف قوله إن من الممكن جدا أن تنتهي الجهود الدبلوماسية بعد اجتماع واحد.
تشاؤم أميركي
من جهته، استبعد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حدوث اختراقات بشأن ملف أوكرانيا خلال المحادثات المقررة اليوم الاثنين مع روسيا في جنيف.
وقال إن وضع القوات الأميركية في أوروبا ليس مطروحا للنقاش.
وأبدى بلينكن -في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" (CNN)- استعداد واشنطن لحل الخلافات وتجنب المواجهة مع موسكو.
وتتهم الدول الغربية وكييف روسيا بحشد نحو 100 ألف جندي عند حدود أوكرانيا تحضيرا لغزو محتمل، وقد هددت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعقوبات "هائلة" وغير مسبوقة في حال هاجم جارته.
وقد تصل هذه الإجراءات إلى حد منع روسيا من التعامل مع النظام المالي العالمي أو منع تشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي تريده موسكو بقوة.
لكن الرئيس الروسي -الذي أجرى محادثات مع نظيره الأميركي جو بايدن مرتين منذ بدء هذه الأزمة الجديدة- اعتبر أن فرض عقوبات جديدة سيشكل "خطأ فادحا"، وهدد بدوره برد "عسكري وتقني" إذا واصل خصومه "هذا النهج العدائي".
ويؤكد الكرملين أن الغرب هو الذي يستفز روسيا عبر نشر قوات عسكرية عند حدودها أو تسليح الجيش الأوكراني الذي يحارب انفصاليين مؤيدين لموسكو في دونباس في شرق أوكرانيا.
ويطالب باتفاق واسع يمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وسحب كل القوات الأميركية من الدول التي تقع في أقصى شرق حدود الحلف.
لكن الأميركيين يؤكدون أنهم غير مستعدين لخفض عدد قواتهم في بولندا أو دول البلطيق، بل يهددون على العكس بتعزيز وجودهم فيها في حال حصول هجوم روسي، وفرض عقوبات صارمة.